من المعروف أن للصحافة دورا كبيرا في نشر الفكر والوعي الثقافي والسياسي والاجتماعي، بالإضافة إلى تزويد القارئ بالمعلومات والأخبار المفيدة والمتداولة في العالم، وكل ما يطمح إليه من معرفة تفيده وترشده في تسيير أمور حياته اليومية، فضلا عما تلعبه الصحافة من أدوار مهمة في حياة الفرد والمجتمع، لكونها تسعى لتوصيل هموم ومشكلات المواطن إلى المسئولين في مختلف الوزارات والمؤسسات والشركات وغيرها. وقد تساهم الصحافة في تغيير بعض الأوضاع السائدة، التي لا تصب في صالح المواطن، أو تثير سخطه وغضبه لما تخلقه من مشكلات عامة، أو تعكس ظواهر سلبية غير محببة له، أو تحرمه من بعض حقوقه ومكتسباته المشروعة، أو تعرقل حصوله على ما يسعى إليه من مطالب ومتطلبات مهمة، وقد يكون للصحافة دور مهم وخطير في تغيير بعض الأنظمة والقوانين المعمول بها، التي أكل الدهر عليها وشرب وتحتاج إلى تغيير أو إعادة النظر فيها، لكونها لا تتماشى مع متطلبات وروح العصر، وفيها إجحاف وظلم بحق المواطن.
وتسعى الصحافة جاهدة لكشف الفساد والزيف والتزوير الذي يعشعش في مرافق رسمية ومؤسسات عامة، فلهذا تسمى الصحافة بـ «السلطة الرابعة»، إذ تعد ضمن السلطات الثلاث التي تسيّر نظام الحكم في أية دولة كانت في العالم، وهي السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية، وأصبح يطلق على الصحافة «صاحبة الجلالة المهابة» لأن تأثير فعاليتها فيما تطرحه من مطالب واقتراحات ونصح ونقد بناء، قد يكون أكثر فعالية، وأسرع تنفيذا في الكثير من الأمور والشئون والقضايا العامة، بشكل يفوق ما تقوم به تلك السلطات الثلاث مجتمعة، وهذا ما ينبغي للصحافة أن تكون، وما يجب عليها أن تتصف به، ولا يجب أن تكون بوقا أو جوقة من المطبلين لتضليل الرأي العام، والتعتيم على الأخبار والحقائق التي يتطلع المواطن إلى معرفتها والبحث عنها.
ومن أهم القضايا التي تشغل بال المواطن، وتحوز جل اهتماماته، هو شغفه ورغبته الملحة في معرفة ومتابعة ما يجري وما يدور من قضايا وحوادث، تمس مجتمعه وحياته واحتياجاته اليومية والمعيشية، وكذلك كل ما يحدث ويدور في جميع أنحاء العالم من حوادث وتطورات للأوضاع، وهو يتابعها عبر مختلف الوسائل المتاحة لديه من صحافة وأجهزة إعلام مختلفة، إذ أصبح عالمنا هذا مجرد قرية صغيرة، تتناقل فيها الحوادث والأخبار والوقائع، وكل ما يحدث فيها دقيقة بدقيقة، ولا يستطيع أحد أن يمنع تداولها أو نشرها، أو إيقافها عن الانتشار السريع، بدرجة تفوق التصور والخيال، من خلال التقدم العلمي والثورة المعلوماتية والتكنولوجية، وخصوصا الشبكة العنكبوتية التي تنقل الصوت والصورة والكلمة، وتعبر القارات والمحيطات في ثوان معدودات.
لم تعد «صاحبة الجلالة» (الصحافة)، أو «السلطة الرابعة»، كما يطلقون عليها، هي المصدر الوحيد لتلقي الأخبار والشئون الأخرى، ولكنها مازالت تلعب دورا فاعلا في بث ونشر القضايا المختلفة، وخصوصا التي تمس حياة وشئون المواطن اليومية في داخل أي بلد كان، ليتابع ذلك المواطن ما يدور وما يحدث في بلاده، في مختلف المجالات الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية، وغيرها من أمور مختلفة تمس واقعه اليومي المعاش، وتجعله ملما ومطلعا بكل القضايا والشئون الخاصة والعامة وكل ما يدور من حوله.
وهنا أردنا أن ننوه بأن من أهم الأمور التي تتطلبها الصحافة الحرة والنـزيهة، توافر الشفافية المطلقة، وحرية الفكر والتعبير عن الرأي، والصدق في إيصال الكلمة، والحيادية المطلقة في طرح مختلف القضايا. والكلمة بدورها أمانة في عنق كل من يتعامل معها، وكذلك يجب عدم التعتيم أو طمس الحقائق واخفائها، أو التأويل والتهويل وقلب الحقائق رأسا على عقب، في سبيل إرضاء وكسب ود المتنفذين، لنيل استحسانهم طمعا في مال أو جاه. وهناك من الأمور التي تتطلب الدقة والحرص على النزاهة والحيادية لنشر صحافة تتمتع بمساحة كبيرة من الحرية والاستقلالية والصدقية، بعيدا عن تسلط سيف الرقيب والحسيب، أو خوفا من سطوة المتنفذين وأصحاب الشأن والحل والربط، لتكون الصحافة الحرة هي التي تعكس الوجه الحضاري، الناصع لأي بلد في العالم.
وإلا ستكون هذه الصحافة مجرد صحافة صفراء أو مأجورة تحركها أيد خفية، وتملي عليها ما تتطلبه مصالحها، وما يتناسب مع ميولها الشخصية، وسيكون الطريق إلى «صاحبة الجلالة» محفوفا بالمخاطر والأشواك، وسيصبح الوصول إلى بلاط جلالتها ضربا من المخاطرة والمغامرة، وسينتهي دورها باعتبارها «سلطة رابعة»، تقوم بدور فعال في تقويم الإعوجاج وتصحيح الأخطاء، والقضاء على الفساد بكل أشكاله وألوانه وأطيافه، وتمنع من تفشي الأوبئة والعلل والأمراض الاجتماعية وغيرها.
ولذلك تسعى الدول المتقدمة إلى إعطاء الصحافة الاهتمام الأكبر وتسهيل مهماتها وتوفير كل ما تحتاج إليه من وسائل ومعدات وتكنولوجيا متقدمة ومتطورة، لتكون على أهبة الاستعداد في تنفيذ المهمة الموكلة إليها وتوصيل ونقل الحقائق والأخبار على مدار الساعة، وغيرها من شئون وشجون، ومن أفراح وأتراح ومساوئ ونكبات، وحروب وزلازل وكوارث ونكبات، ورصد الحوادث وكل ما يدور في هذا العالم أولا بأول، وكذلك سن القوانين التي من شأنها إعطاء قدر أكبر من الحرية، ورفع القيود التي تحد من صلاحيات «صاحبة الجلالة»، لتكون الصحافة منبرا حرا يعبر بحرية تامة عن تطلعات وآمال وطموحات الشعب، ولتكون هي المعبرة عن مختلف الآراء ووجهات النظر، وتبني الرأي والرأي الآخر، انطلاقا نحو حرية الفكر والتعبير، وحرية الرأي والرأي الآخر، لتتفاعل الأفكار وتتلاقح وتصب في النهاية في الصالح العام وصالح ومنفعة الوطن والمواطن، وتساهم في رفع وعي الأمة وتطلعاتها وطموحاتها.
محمد خليل الحوري
العدد 1947 - الجمعة 04 يناير 2008م الموافق 25 ذي الحجة 1428هـ