العدد 1950 - الإثنين 07 يناير 2008م الموافق 28 ذي الحجة 1428هـ

نصف مواطني المملكة في دائرة البحث عن السكن

وزارة الإسكان بحاجة إلى مضاعفة إنتاجها ثلاث مرات

تفيد الأرقام الرسمية أن البحرين ستشهد في السنوات العشر والعشرين المقبلة أزمة إسكانية حادة، ودخول نصف سكان البحرين الذين تقل أعمارهم في الوقت الجاري عن 15 سنة في دائرة البحث عن السكن... وكانت مجموعة أكسفورد بيزنس البريطانية حذرت في تقرير لها من حدوث أزمة إسكانية في البحرين التي ينمو فيها السكان بمعدل يصل إلى 2.6 في المئة سنويا في السنوات الخمس الماضية، فوصل عدد سكان البحرين في العام 2005 إلى 725 ألفا بمن فيهم الأجانب المقيمون.

غير أن وزير شئون مجلس الوزراء الشيخ أحمد بن عطية الله آل خليفة ذكر أن إجمالي عدد السكان في المملكة بلغ حتى سبتمبر/ أيلول 2007 نحو مليون و46 ألف نسمة، نصفهم من الأجانب، وهو ارتفاع دراماتيكي في 2007، إذا ما قورنت بإحصاءات 2006 و2005 التي تشير إلى أن نسبة النمو 2.6 في المئة.

ويرى مراقبون أن وزارة الإسكان بحاجة إلى وضع خطة استراتيجية حتى العام 2030 للتغلب على الطلبات الإسكانية المتزايدة والمتراكمة منذ 1986، إلى جانب وضع معادلة تحدد كمية إنتاج الوزارة من الوحدات الإسكانية في كل سنة والموازنة وحجم الأراضي التي تتطلبها.

وبينت إحصاءات أن إنتاج وزارة الإسكان لتوفير وحدات سكنية لذوي الدخل المحدود خلال السنوات الماضية لا تتماشى مع السياسات والخطط الهادفة إلى تقليل قوائم الانتظار الطويلة والمتراكمة لدى الوزارة والتي تقدر بنحو 38 ألف طلب إسكاني لأسر بحرينية.

وتشير أرقام رسمية إلى وجود فرق كبير بين إنتاج وزارة الإسكان ونمو طلبات الإسكان السنوية، إذ طرحت الوزارة في 2007 مناقصات لبناء 1867 وحدة سكنية، بينما تقدم المواطنون بنحو 4 آلاف طلب إسكاني جديد، وفي العام 2006 طرحت الوزارة مناقصات لبناء 1734 وحدة سكنية بينما بلغت الطلبات الجديدة في العام نفسه 4757 طلبا، ما يعني أن هناك فجوة بين توفير الوحدات ونمو الطب من قبل المواطنين، وهي تتجه نحو الاتساع.

وتحتاج وزارة الإسكان إلى مضاعفة إنتاجها ثلاثة أضعاف للتغلب على قوائم الانتظار، مع الأخذ في الاعتبار المعادلات الحسابية لتحديد حجم الوحدات الإسكانية التي من المفترض بناؤها سنويا.

وتعلن وزارة الإسكان عن مشروعات إسكانية لا تدخل حيز التنفيذ أو يتم التأخر في إنجازها، الأمر الذي يثير التساؤلات بشأن موعد استكمال هذه المشروعات، وخصوصا مع ارتفاع أسعار مواد البناء وشح بعضها كالرمال.

وتحدثت وزارة الإسكان عن المدينة الشمالية التي ستضم نحو 15 ألف وحدة سكنية، لكنها لم تعطِ تفاصيل عن الجدول الزمني للانتهاء منها بالكامل، واكتفت بالقول إنها ستنفذ ما يقرب من 5500 وحدة خلال الأعوام 2007 - 2010 بحسب تصريحات وزير الأشغال الإسكان (سابقا) فهمي الجودر.

وتعاني وزارة الإسكان من صعوبات في تأدية مهماتها منها: عدم جود موازنة سنوية كافية لبناء وحدات سكنية تفوق حجم الطلب وعدم توافر مساحات واسعة من الأراضي وباتت غالبية مساحات البحرين أملاكا خاصة إلى جانب عدم رغبة القطاع الخاص في إنشاء مشروعات سكنية لذوي الدخل المحدود لضعف هامش الربحية.

وسيكون وزير الإسكان الجديد الشيخ إبراهيم بن خليفة آل خليفة الذي تم تعيينه في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، في مهمة صعبة جدا لحل مشكلة تمتد جذورها من العام 1986، ولعل تقليده الحقيبة الوزارية يهدف إلى الاستفادة من خبراته المصرفية في ابتكار وتطوير وإيجاد حلول تمويلية للمشروعات الإسكانية، وخصوصا مع دخول الوزارة مرحلة سندات الرهن العقاري.

والشيخ إبراهيم مصرفي مخضرم، له خبرة طويلة في العمل المصرفي، إذ عمل خلال مسيرته المهنية مدير إدارة الرقابة على المصارف بمصرف البحرين المركزي، ونائب محافظة مؤسسة النقد، ووكيل وزارة المالية، ورئيس مجلس إدارة بنك الخليج الدولي، ورئيس مجلس إدارة بنك البحرين للتنمية، ورئيس مجلس أمناء هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية.

وترى القيادة السياسية أن الشيخ إبراهيم يتمتع بخبرة وكفاءة ستجعله قادرا على الارتقاء بأداء وزارة الإسكان وتطوير عملها، وقيادة مسيرة البناء والتنمية من خلال المشروعات الإسكانية والعمرانية المختلفة وإسهامها في توفير السكن المناسب للمواطنين.

وخلال أيام معدودة من تولي الشيخ إبراهيم وزارة الإسكان، أعلن عن توزيع دفعة جديدة من القروض الإسكانية تبلغ قيمتها 37.8 مليون دينار ستستفيد منها 1308 أسر بحرينية، منها 479 لطلبات قروض البناء، و506 أسر لطلبات قروض الشراء، و323 أسرة لطلبات قروض الترميم.

وأشار وزير الإسكان إلى أن المشروعات قيد التنفيذ تبلغ قيمتها نحو 110 ملايين دينار وسيتم خلال الأسابيع المقبلة إعلان توزيع وحدات وقسائم سكنية في مختلف محافظات المملكة.

وتحدث الشيخ إبراهيم عن أسس استراتيجية جديدة للوزارة تقوم على تشجيع مشاركة القطاع الخاص مع الوزارة، وأداء دور أكبر في التخطيط والتنفيذ، إضافة إلى تحسين إعداد الموازنات، وإدارة التكاليف بشكل فعال، وتحسين النظام المالي والمحاسبي، وتطوير نظام إدارة الأصول، وتطوير البرامج التدريبية التي يستفيد منها موظفو الوزارة لتعينهم على تقديم أفضل النتائج، ورفع مستوى الأداء بما ينعكس في النهاية على ما تقدمه الوزارة للمستفيدين من خدمات.

ويطرح تساؤل عن قدرة وزارة الإسكان في توفير وحدات سكنية لقائمة تضم نحو 38 ألف طلب إسكاني، يتوقع أن تتضاعف مع توجه الغالبية العظمى من الأسر البحرينية وخصوصا العاملة في القطاع الخاص إلى وزارة الإسكان للحصول على السكن المدعوم من قبل الحكومة، نتيجة اتساع الفجوة بين قدرتهم الشرائية وأسعار العقارات السكنية والتي ارتفعت أسعارها أربعة أضعاف خلال الأعوام القليلة الماضية.

وزارة الإسكان لا تستطيع وحدها حل المشكلة الإسكانية في ليلة وضحاها، وهي بحاجة إلى دعم ومشاركة القطاع الخاص الذي لم يقتنع بجدوى الاستثمار في توفير وحدات سكنية لذوي الدخل المحدود.

ويرى اقتصاديون أن القطاع الخاص يتخوف من تآكل ربحية المشروعات التي تستهدف ذوي الدخل المحدود الذين تراجعت قدرتهم الشرائية مع ازدياد أسعار العقارات أربع مرات خلال السنوات الماضية، الأمر الذي أدى إلى توجه الاستثمارات نحو العقارات التجارية عالية الجودة والوحدات السكنية الفاخرة بدلا من المشروعات الصغيرة.

وتوقع تقرير دولي أن تكون لضغوط ارتفاع كلفة المعيشة والتضخم في دول الخليج آثارها في قطاع شركات المقاولات والتشييد، إذ من المتوقع أن تتآكل الهوامش الربحية لشركات المقاولات كاستجابة مباشرة لارتفاع عناصر الإنتاج والتشغيل.

وقال مقاولون: «إن صغار المستثمرين بدأوا يتراجعون عن فكرة تطوير الأراضي السكنية وبناء الشقق المؤجرة التي تستهدف ذوي الدخل المحدود والطبقة المتوسطة بسبب قلة هامش الربحية الناتج عن ارتفاع أسعار الأراضي ومواد البناء إلى جانب ضعف القدرة الشرائية للمواطنين والتي يقدر فيها متوسط الدخل الشهري للفرد بنحو 350 دينارا».

وأكدوا أن الاستثمارات العقارية الصغيرة في تطوير الأراضي السكنية بغرض تأجير السكن بدأت تفقد ربحيتها المرتفعة، وأصبحت بالنسبة إلى المستثمر الصغير أمرا فيه خطورة ومجازفة.

وتحتاج وزارة الإسكان إلى إقناع القطاع الخاص بجدوى الاستثمار في المشروعات السكنية المعدة لذوي الدخل المحدود، من خلال دعوته إلى الاستفادة من اقتصاديات الحجم الكبير (Economies of Scale)، لتعويض هامش الربحية المفقود بسبب أسعار مواد البناء عن طريق الكمية والنوعية كما هو متوافر في المشروعات الضخمة والاستثمارات الكبيرة التي يقدر فيها عدد الوحدات السكنية بالمئات والآلاف.

وكانت وزارة الأشغال والإسكان طرحت في يونيو/ حزيران 2006 مشروع الشراكة مع القطاع الخاص، وفتح الباب أمام القطاع لتنفيذ 7 مشروعات مشتركة توفر نحو 7 آلاف وحدة سكنية بقيمة إجمالية تبلغ نحو 286 مليون دينار. ولا توجد أخبار عن هذه المشروعات وتفاعل القطاع الخاص مع مشروع الشراكة.

وترفض المصارف العاملة في البحرين والتي تقدر موجوداتها بنحو 222 مليار دولار، إعطاء ذوي الدخل المحدود قروضا بغرض تملك العقارات السكنية، لعدم قدرتهم على الالتزام بسداد الأقساط.

وبحسب ما يؤكده المتعاملون في السوق العقارية، يبلغ متوسط سعر البيت أو الفيلا 150 ألف دينار. فيما تقول مؤسسات التمويل العقاري إنها تمنح المواطن الذي يبلغ راتبه ألف دينار قرضا عقاريا بحد أقصى يصل إلى 80 ألف دينار لمدة 25 سنة، على أن يدفع قسط شهري يبلغ 600 دينار شهريا من راتبه.

وتشير إحصاءات هيئة التأمينات الاجتماعية، إلى أن عدد العاملين الخاضعين لنظام التأمينات الاجتماعية لسنة 2005 ويتقاضون راتبا شهريا أكثر من ألف دينار يبلغ عددهم 9585 موظفا بحرينيا وأجنبيا، بينما يتقاضى باقي العاملين البالغ عددهم نحو 288 ألفا راتبا أقل من ألف دينار، ما يعني أن الغالبية العظمى لا تستطيع الحصول على حلول تمويلية من قبل المصارف لتملك السكن.

وقال رئيس تنفيذي في إحدى شركات التمويل العقاري: «إن الغالبية العظمى من البحرينيين لا تسمح رواتبهم بأخذ قرض أعلى من 40 ألف دينار نتيجة ضعف مدخولهم الشهري... وإن معدل إقراض يصل إلى 40 ألف دينار كحد أقصى، لا يفي لبناء أو شراء قسيمة سكنية تتطلب ما لا يقل عن 80 ألف دينار كحد أدنى».

ويرى مراقبون أن قانون تملك الأجانب هو السبب الرئيسي في ارتفاع الأسعار وتراجع قدرة المواطنين الشرائية، معتبرين أن القانون هو استقطاب قوة شرائية من خارج المملكة لتداول العقارات التي لا يستطيع المواطن شراءها.

وبحسب تصريح مسئول رفيع المستوى في الجهاز المركزي للمعلومات، يبلغ عدد الأجانب القاطنين في المملكة نحو 517 ألفا و368 أجنبيا، بينما يبلغ عدد المواطنين البحرينيين 529 ألفا و446 بحرينيا، ما يعني أن الأجانب يشكلون 50 في المئة من إجمالي سكان البحرين.

وقال مواطنون إنهم مجبورون على التطوير العمودي وبناء الطبقات في منزل العائلة بعد أن كانوا ينفردون بسكن خاص لهم، مشيرين إلى تجمع الأسر في سكن واحد الذي يزداد ضيقا مع كل ولادة جديدة للأسرة.

وقال عباس يوسف: «أعيش مع زوجتي في غرفة واحدة بمنزل والدي، ولدي أخوان متزوجان يسكن كل واحد منهما في غرفة أيضا إلى جانب أخوين عزفا عن الزواج بسبب عدم وجود غرفة في منزل الأب لإقامة الحياة الزوجية».

من جهته، قال عيسى يوسف: «عملت على بناء غرفتين من صفائح الألمنيوم (الجينكو)، بسبب ارتفاع أسعار مواد البناء، وعدم توافر السيولة المالية إلى جانب الحاجة الضرورية إلى توفير غرف لإخواني الذين يواصلون دراستهم واتخاذها مقرا للمراجعة وإجراء الأبحاث وعمل الواجبات».

ومن ناحيته، أكد المواطن يوسف إبراهيم أنه يعمل براتب 180 دينارا في القطاع الخاص، وحصل على قرض بمبلغ 4 آلاف دينار كحد أعلى، لبناء أرض حصل عليها من وزارة الإسكان في السنوات القليلة الماضية.

وأوضح يوسف أنه لا يستطيع عمل شيء على رغم أن لديه ولدين يعملان براتب 150 دينارا، مؤكدا صعوبة الحياة المعيشية وارتفاع الأسعار إلى مستويات تثقل كاهل المواطنين.

ويرى مواطنون أن أهم الحلول هو كبح جماح أسعار العقارات ومحاولة وضعها تحت متناول اليد، وتناسبها مع القدرة الشرائية للمواطنين، من خلال منع المضاربات وحماية المناطق القروية ومنع الأجانب من التملك إلى جانب الإسراع في تنفيذ المشروعات الإسكانية الحكومية.

ودعوا إلى إصدار تشريعات لحماية المناطق السكنية القروية من المضاربة التي رفعت أسعار العقارات إلى مستويات قياسية تفوق قدرة المواطنين على توفير مبلغ الشراء، نتيجة تضخيم الأرقام من قبل المضاربين للاستفادة من فارق الأسعار.

وأكدوا أن إصدار تشريعات كقانون يمنع بيع العقار في المناطق السكنية إلا بعد خمس سنوات من شرائه، سيؤدي إلى ابتعاد المضاربين عن المناطق السكنية والتوجه إلى مناطق لا يشملها القانون، كما يؤدي إلى تراجع الأسعار الناتجة عن المضاربة التي تعتمد على الربح السريع والتداول الآني من دون تطوير العقار والاستفادة منه في استثمارات طويلة المدى.

وباتت المشكلة الإسكانية مسألة تؤرق المسئولين والمواطنين، وخصوصا مع ضعف استجابة القطاع الخاص لتوفير وحدات سكنية لذوي الدخل المحدود.

العدد 1950 - الإثنين 07 يناير 2008م الموافق 28 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً