العدد 1961 - الجمعة 18 يناير 2008م الموافق 09 محرم 1429هـ

يومٌ مثقلٌ بالأحزان

في صبيحة مثل هذا اليوم، قبل 1368 عاما، وفي إحدى صحاري أرض السواد، كان جيش الخليفة الأموي قد انتهى من إحكام الحصارعلى حفيد محمّد (ص) وعائلته وثلةٍ قليلةٍ من أصحابة وأنصاره، الذين قضوا الليل ساهرينَ يتلون القرآن، ويتذوّقون حلاوة آخرالصلوات.

عند الظهيرة، بدأ الجيش الكبير يرشق المجموعة الصغيرة المحاصرة بالسهام. وبعد صلاة الظهر، بدأت المعركة.

لم تكن معركة كما يعرفها الناس، وإنما كانت مجزرة، انتهت بعد ساعتين فقط، وبعد الإجهاز على جميع الشهداء، اجتمعوا عليه، وحيدا منهكا أتعبته الجراح وفقد الأحبّة، ينظر أمامه فيرى قوما مصرّين على قتل ابن بنت نبيهم، وينظر خلفه إلى الخيام فيرى نساء وأطفالا مذعورينَ. ماذا سيكون مصيرهم بعد ساعة من الآنَ؟

صدرت الأوامر للجيش للتحرّك لإسدال الستارالأخير على آخر فصول المجزرة، ثم انطلق الفرسان لرضّ الأجساد بحوافر الخيول. كلّ قبيلة عربية سحبت أجساد أبنائها لتجنّبهم هذا المصير، وظلّ أحفاد محمّد وحدَهم نهبا لحوافر الخيول. وبعد الانتهاء من رقصة الثأر والتشفّي، نزل بعض الفرسان لقطع الرؤوس. ستة عشر رأسا قطعوها وعلّقوها على الرماح، كلّهم من عائلة محمّد (ص).

والآنَ جاء دورالخيام. أغارالفرسان عليها يحرقونها بالنار ويَسلبون حلي وقلائد النساء. إلى أين تلجأ النساء الغريبات والأطفال الصغار والأيتام في هذه الصحراء البعيدة؟

عرب الجاهلية كانوا يستنكفون من ضرب وترويع النساء في الحرب، أمّا هؤلاء فحملوا الأسرى سبايا على ظهورالمطايا، يَطوفون بهنّ القفار والبلدان. رحلةٌ طويلةٌ كتبت على حفيدات محمّد، بدأت بالكوفة وانتهت إلى قصور الشام. وهناك أنزلهنّ خليفة المسلمين في إحدى الخرائب القريبة من القصر، ليستدعيهنّ وقتما يشاء.

الروايات التاريخية بعدها تنقسم إلى فريقين: فريق يقول إنّ قافلة الأسرى أرجعت إلى المدينة، ولما اقتربت منها، طلب علي بن الحسين، الشاب الوحيد الذي سلم من القتل لمرضه في كربلاء، من الحادي أنْ يؤذن الناس صائحا بهذا البيت:

يا أهل يثرب لا مَقام لكم بها قتل الحسين فأدمعي مدرار

أمّا الرواية الأخرى، فتقول إن النساء طلبنَ من الحادي بعد الانتهاء من مذلة الشام، أنْ يمرّ بهنّ على طريق كربلاء. ربما هاجهنّ الشوق للقاء أحبتهنّ بعد أربعين يوما من الفراق. وعندما وصل الركب إلى تلك البقعة من الأرض، لم يرين خياما في الأفق، وإنما لاحت لهنّ بعض القبور.

تقول بعض الروايات إنّ قافلة الأسيرات سبقها في الوصول رجلٌ كفيفٌ، من أصحاب جدّهم اسمه جابر بن عبدالله الأنصاري، كان يحبّ الحسين منذ طفولته، وجاء يزور قبره ويقوده خادمه عطية الكوفي. وتضيف: لما دنت القافلة، وقبل أنْ تنيخ الجمال، ألقت بعض النسوة أنفسهنّ على قبور الأحبّة.

اللقاء كان عاصفا فأهاج القلوب بالأحزان، هنا يتناول الشاعر الخيط فيضع اللمسة الفنية الأخيرة على اللوحة، فيخاطب النسوة اللائي سيركبنَ المطايا بعد قليل للعودة إلى ديارهنّ المهجورة:

خذوا لكم من دم الأحباب تحفتكم وخاطبوا الجد هذي تحفةُ السفرِ

قاسم حسين

العدد 1961 - الجمعة 18 يناير 2008م الموافق 09 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً