دعا خطيب جامع الإمام الصادق (ع) بالدراز الشيخ عيسى قاسم في خطبة الجمعة أمس إلى عدم تكفير المسلم لأخيه المسلم بعيدا عن التشنج والتوتر المرفوض.
وانطلق قاسم مما عنونه «هكذا قال أهل البيت (ع)» قائلا: «تجدون في العدد الثامن والثمانين بعد المئة في السنة الرابعة من أعداد الحكمة في الصفحة الخامسة إذ يقول آية الله الشيخ الوحيد الخراساني في جواب بشأن التعامل مع أتباع المذاهب الأخرى: «كل من يشهد بوحدانية الله تبارك وتعالى ويشهد برسالة خاتم الأنبياء (ص) فهو مسلم ونفسه وعرضه وماله كنفس ومال وعرض أتباع المذهب الجعفري مصون ومحترم ومحقون، وواجبكم الشرعي أن تعاشروا كل من يشهد بالشهادتين ولو اعتبركم كفارا بالمعروف، وتتعاملوا معهم بالتي هي أحسن وإذا فرض أن يتعاملوا معكم بالباطل فلا بد أن تلتزموا بأخلاق أئمتنا... لابد أن تسلموا الحكم لله تعالى الذي يقول: ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى... وأن تعملوا بقوله تعالى: ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا».
وتابع «هذه الفتوى الدينية والتوجيه الواعي صادران من فقيه متضلع من أكبر الفقهاء اليوم، وهو ليس في ظرف اضطراري يدعه يقول كلاما نابعا من التقية، بل هو كلام جدي يحمل كل الجدية. ومن مضمون الفتوى إن الإسلام الذي يترتب عليه احترام المسلم لأخيه المسلم نابع من الشهادتين، أما الصديق القلبي فهو متروك لله من غير أن تتأثر الحقوق بما يحكم به القلب».
وأضاف قاسم «تشديدا لاحترام المسلم لأخيه المسلم، أضافت الفتوى ضرورة الالتزام بأخلاق أهل البيت (ع) في التعامل مع المسلمين بالمعاشرة بالمعروف مع المسلمين من كل المذاهب، وهذا ما عممته الفتوى نصا حتى مع تكفير الآخر لك. وهذا لا يمنع من بيان الحق ودفع الشبهة عن المذهب ودفع الضرر عن النفس. وبحسب الفتوى، فإن المسلم الذي يذهب بتكفير أتباع المذهب الجعفري، فهذا لا يعتبر مبررا لتكفيره لأن ذلك تعارضا لما نصت عليه الآيتين الكريمتين في الفتوى».
إن لمجتمعك عليك حق
وتطرق قاسم إلى حقوق المجتمع على الأفراد موضحا «من منا يستطيع أن يعيش وحيدا، وأن يستغني عن كل أهله ومن حوله، والمجتمع أسرة وأهل وعشيرة وجيران ومخالطون وأهل مسجد وحسينية ومصالح ومؤسسات، ولا تكاد تستمر حياته أو تكون ميسرة في غياب كل هذه المؤسسات. والمجتمع ضرورة عدا أهل السوء والإفساد فيه، وهو محضن من محاضنك ومحاضن أولادك وأولاد أولادك. وإنك لتحتمي به في موارد كثيرة وتنفع بخيره في كل حياتك، وكلما كان أصلح وأقوى كنت أقدر على مواجهة الحياة».
ولفت قاسم «صاحب المروءة يحاول أو يعطي أكثر مما يأخذ، وليس من المروءة في شيء أن يأخذ الإنسان من المجتمع طيلة حياته كل شيء ولا يقدم له شيئا، وقليلون ممن لا يستطيعون أن يقدموا للمجتمع شيئا. والمسلم كما هو محاسب على صلاح نفسه، فهو محاسب على صلاح مجتمعه، وتظهر الحاجة إلى المؤسسات الخيرية على أنها ليست أهم المؤسسات في كل الظروف، والفرد الذي لا يملك مالا لمساعدة المجتمع، فإنه يملك علما وقوة بدينة وحضورا في المؤسسات، مما يمثل رفعا للمستوى ونصرة للظاهرة الدينية وتشجيعا على عمل الخير والعمل الصالح».
وقال: «علينا أن نحاول من منطلق الحفاظ على المصلحة ومصلحة الأجيال من بنين وبنات، أن نسهم ما استطعنا في صنع البيئة الصالحة ورقيها وطهرها وتقدمها، فإن قدرتنا على الحياة الهانئة وقدرة الأجيال اللاحقة بعد ذلك لا تنفصل عن البيئة الاجتماعية التي نعيشها. إن الإسهام في صناعة المجتمعات الصالحة يمارسه الإنسان الصالح بما هو خليفة لله عز وجل قد كلف بهذا الدور الذي سيسأل عنه يوم الحساب. لن يكون السؤال عن الصلاة فحسب، بل عن ما قدمه الإنسان للمجتمع. وليس هو وظيفة إضافية مزاجية خارجة من صلب الدور الأصل لحياة الإنسان».
وتابع «إن الباذل لمال من ماله وجهد من جهده، وفكر من فكره وعلم من علمه أو أي شيء وهبه الرحمن، لتصحيح أوضاع مجتمعه، ومعالجة مشكلة من مشكلاته، والاقتراب به من هدى إسلامه، والتخلق بأخلاق دينه وتطبيق أحكامه وإثراء الحركة النافعة فيه لناصر لدينه، قائم بوظيفته ووفي لمجتمعه، ومن بخل بذلك فهو خاذل للدين منكر للجميل. وأعتقد أن أكثر من 90 في المئة من أبناء المجتمع باستطاعتهم المشاركة في تصحيح الوضع الاجتماعي».
وقال: «من كان لا يملك شيئا غير حضور الحسينيات مثلا، كأن يكون مقعدا، أو المحاضرة أو الندوة النافعة ولو ليزيد من عدد الحضور تقوية للظاهرة الدينية، فهو ناصر للدين مجاهد في سبيل الله. لا تعش لنفسك فقط»
العدد 2283 - الجمعة 05 ديسمبر 2008م الموافق 06 ذي الحجة 1429هـ