أظهرت المؤشرات الواردة في موازنة العام 2008 علامات متميزة تدعوا إلى التفاؤل. وقال الخبير الإقتصادي العراقي كمال البصري: «إن الموازنة المقترحة جسدت ذلك من خلال إعطاء الأمن أعلى التخصيصات وعبرت عن تفاؤلها بزيادة التخصيصات الاستثمارية».
وجاءت تقديرات الموازنه (مقارنة بالعام الماضي) على الشكل الآتي: زيادة في الإيرادات مقدارها 27 في المئة وفي النفقات التشغيلية 14 في المئة وفي الاستثمارية 31 في المئة. ولضخامة التزامات الدولة تجاه بعض الثوابت (المتمثلة بالأجور والمرتبات وسياسة الدعم الحكومي) فإن الموازنة لاتزال تعاني من العجز ولكن بنسبة أقل عن العام الماضي بمقدار 20 في المئة.
وأشار كمال البصري إلى أن الموازنة جاءت متضمنة الخصائص الآتية: بلغت تقديرات الايرادات في حدود 42 مليار دولار، إذ تشكل الايرادات النفطية 85 في المئة، والايرادات الاخرى 16 في المئة. وعلى رغم التقديرات المتفائلة بشأن الإيرادات الأخرى، فإن الاقتصاد العراقي لا يزال يفتقد إلى التنوع في مصادرها، ولا زالت الدولة الدولة عاجزة عن تطبيق ضريبة إعادة الإعمار المقررة رسميا والبالغة نسبتها 10 في المئة وتم تقدير النفقات والعجز في حدود 48 و 6 مليارات دولار على التوالي. ويلاحظ أن زيادة نسبة الإيرادات أكبر من نسبة نمو الانفاق العام ما ترتب على ذلك انخفاض في مستوى العجز. وعلى رغم ضعف الطاقة الاستيعابية للاستثمارات، فقد زادت التخصيصات الاستثمارية بنسبة 31 في المئة، وهو إجراء يقع ضمن الطموحات المشروعة، إلا أنه غير واضح كيف يمكن الاستفدة منها.
أما تخصيصات النفقات التشغيلية فقد بلغت 35 مليار، أي بزيادة مقدارها 14 في المئة. ويلاحظ ارتفاع التخصيصات الاستثمارية للوزارات مع اقليم كردستان 50 في المئة ومشاريع تنمية الاقاليم (عدا كردستان) 25 في المئة . الا انه تم تخفيض التخصيصات الاستثمارية لوزارة النفط والكهرباء 15 في المئة و10 في المئة (على التوالي) . أما مايخص تخصيصات النفقات التشغيلية فقد خصص على الشكل الآتي: حصة الرواتب والمكافئات والرواتب التقاعدية والمساهمات الاجتماعية 39 في المئة، السلع والخدمات 18 في المئة، الفوائد 2 في المئة، الإعانات 6 في المئة، المنح 5 في المئة، المنافع الاجتماعية 13 في المئة، المصروفات الاخرى 10 في المئة، والموجودات غير المالية 7 في المئة من إجمالي النفقات العامة.
وبيّن البصري أن من أبرز سمات الاصلاح هو تقليل سياسة الدعم الحكومي، وأن سياسة الدعم المتمثلة بالبطاقة التموينية ودعم قطاع خدمات الكهرباء، الماء والمجاري والدعم المقدم إلى مدخلات الانتاج للقطاع الزراعي ودعم شركات القطاع العام والحج وشبكة الحماية الاجتماعية هي سياسة ضرورية لتخفيف معانات المواطنين، غير أن لها آثار غير حميدة على مجمل الاقتصاد العراقي ولذلك يجب إصلاحها وترشيدها (علاج المشكلة الاقتصادية أولى من تخفيف آثارها). مؤكدا «أن التوجه السليم هو أن يكون الدعم موجها إلى الفقراء وأن يكون دعما نقديا». مشيرا إلى أنه بدأت معالجة سياسة الدعم اعتبارا من موازنة العام 2006 من خلال رفع الدعم (تدريجيا) عن أسعار المشتقات النفطية وتخفيض تخصيصات برنامج دعم البطاقة التموينية بنسبة 25 في المئة. وبسب ضعف النشاط الاقتصادي وحالة الفقر المتفشية أصبح من الصعب الاستمرار في سياسة الإصلاح وبالوتيرة نفسها.
وفيما يتعلق باستطاعة الموازنة الإيفاء بتعهدات العراق الدولية، قال الخبير الاقتصادي كمال البصري: «إلى حد بعيد هناك تطابق بين منهج الدولة وتعهدات العراق الخارجية (الاتفاقيات الاقتصادية)، وإن الاختلاف هو في الأولويات والتوقيت. لقد قطع العراق شوطا كبيرا في مجال اتفاقيتي نادي باريس وصندوق النقد الدولي. كما أن اتفاقية العهد الدولي لا تختلف عن اتفاقية صندوق النقد الدولي ولكنها أكثر شمولية. إن التوجه الجديد هو العمل على اعطاء القطاع الخاص فرصة النمو والعمل على انسحاب الدولة عن الإدارة المباشرة للمرافق الاقتصادية غير الاستراتيجية. وكجز من تلك السياسة قامت الدولة العام 2006 بدعم المحافظات والأقاليم في مشاريع إعادة الاعمار. وتقوم تلك الأجهزة المحلية بالتعاقد مع القطاع الخاص لإنجاز الأهداف المخططة. وأثبتت تجربة العام 2006 والعام 2007 بأن برنامج تنمية الأقاليم وتسريع إعمار المحافظات يمكن أن يتم بشكل أفضل وبكفاءة عالية من قبل السلطات المحلية لذلك تضمنت موازنة العام 2008 زيادة في تخصيصات المحافظات والأقاليم وصلت إلى 3,333 مليارات دولار (عدا حصة اقليم كردستان) إضافة إلى تدوير المبالغ التي لم يتم صرفها العام 2007. ومن الصور الأخرى لدعم وجود القطاع الخاص، هي منح قروض صغيرة ميسرة للخريجين العاطلين لغرض تمكينهم من إيجاد فرص استثمار، ولكن لا زالت هذه الاجراءات محدودة ودون مستوى الطموح.
العدد 1964 - الإثنين 21 يناير 2008م الموافق 12 محرم 1429هـ