أثارت عمليات التجنيس الواسعة التي حدثت في العام 2002 والتي تزامنت مع الاستعدادات للانتخابات النيابية في ذلك العام استياء عاما من قِبل الشارع البحريني والقوى السياسية في البحرين، إذ قدر عدد الذين منحوا الجنسية في ذلك العام بـ34 ألف شخص؛ ما حدا عددا من نواب البرلمان السابق إلى تقديم عدد من الأسئلة لوزير الداخلية آنذاك الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة عن المعايير التي استندت إليها الوزارة في منح الجنسية لهذا العدد الكبير من الأشخاص، وفي رده على الأسئلة البرلمانية نفى وزير الداخلية حدوث أي تجاوز للقانون في منح الجنسية، مؤكدا أن إجمالي من حصلوا على الجنسية في تلك الفترة لا يتجاوز 10 آلاف و169 شخصا، على حين أثبتت لجنة التحقيق التي شُكِّلت فيما بعد أن الكثير من الأشخاص قد منحوا الجنسية على حين لم يقيموا في البحرين أصلا كما منح البعض منهم الجنسية بعد وصولهم إلى البحرين بفترة بسيطة؛ ما يتعارض مع قانون الجنسية البحريني الذي يشترط بقاء الأجنبي في البحرين مدة لا تقل عن 25 سنة متتالية والمواطن العربي 15 سنة متتالية. كما أثارت لجنة التحقيق قضية بيع الجواز البحريني بمبالغَ تتراوح بين 5 آلاف دينار و10 آلاف.
بينما خرجت اللجنة بعدد من التوصيات التي ركزت على أهمية قصر التجنيس على احتياجات الدولة الفعلية ووفق القانون أثار النائب حسن سلطان قضية التجنيس مرة أخرى خلال انعقاد الدور الثاني من الفصل التشريعي الثاني من خلال توجيهه سؤالا إلى وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة عن أعداد وأسماء من تم تجنيسهم حديثا وما تبع ذلك من أخذ ورد بين الوزارة وكتلة الوفاق عن هذه القضية التي تهم مستقبل الوطن وأجياله القادمة.
هل هناك عمليات تجنيس تتم بعيدا عن أعين الرقابة الشعبية وخارج إطار القانون أم أن ما يثار عن هذه القضية مجرد تخمينات لعدد من أعضاء البرلمان يهدفون من خلالها إلى الدخول في مصادمات مع الحكومة من أجل الدعاية الانتخابية؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه في هذه الندوة...
ألا تعتقد يا فاضل أن إعلان أسماء المجنسين - وهو ما تطالب به جمعيات المعارضة - قد يتسبب بإفشاء أسرار وخصوصيات المواطنين الجدد والتي على الحكومة احترامها كما جاء في رد وزير الداخلية على النائب حسن سلطان؟
- فاضل الحليبي: هذه ليست أسرارا عسكرية كما أن النائب شخصية منتخبة وتمثل السلطة التنفيذية ولا يختلف عن المسئولين في السلطة التنفيذية ومن حق النواب المطالبة بذلك.
خليل المرزوق، تتحدث جمعية الوفاق عن إجرائها دراسة مقارنة علمية كشفت أن الحكومة قامت بتجنيس 38 ألف شخص منذ العام 2002 حتى نهاية العام 2006 بهدف تغيير الواقع الديمغرافي والتركيبة السكانية إضافة إلى تعويم الجانب السياسي والانتخابي في البحرين. هل لك أن تطلعنا على ما جاء في هذه الدراسة؟
- خليل المرزوق: بداية أحب أن أعلق على السؤال الخاص بالتجنيس السياسي، فبحسب تصنيفات التجنيس فإن هناك تجنيسا قانونيا وتجنيسا خاصا بمعالجة حالات البدون وتجنيسا سياسيا. إن كل الدول تعالج حالات البدون فلا يمكن أن يكون عدد من السكان الذين عاشوا في البلد أبا عن جد ولظروف معينة لا يمتلكون أي جنسية أن يتم تجاهلهم وعدم حل مشكلتهم وهذا النوع من التجنيس يجب أن يخرج خارج إطار التجنيس السياسي أو التجنيس القانوني، كما لا يمكن الحديث عن انه مثلما تم تجنيس العجم يجب تجنيس الآخرين مع احترامنا للجميع، فالحديث عن التجنيس يجب ألا يفهم على انه انتقاص لأي عرق مع أن الدولة تضطرنا عند الحديث عن الهم السياسي وتوجه الحديث على أننا ضد الأطراف الأخرى أن حديثنا مع احترامنا لجميع الجنسيات ولكن هناك حالة وطنية وهوية وطنية يجب أن نحافظ عليها.
بخصوص هل هناك تجنيس بشكل كبير وكيفية إثبات ذلك؟ أقول إن «البعرة تدل على البعير»، فنحن من خلال تجولنا في البحرين وعندما نقرأ الصحف وعندما نذهب إلى المستشفيات والوزارات الحكومية وما نراه هناك من شواهد ظاهرة للعيان وعندما تحدث صدامات بين الطلبة المجنسين والطلبة في عدد من المدارس وبعد كل ذلك تطالب بالدليل، فهناك شواهد حية وليس من الذوق العام نفيها.
النقطة الأخرى هي من خلال ملاحظة الفرق بين قوائم الكتلة الانتخابية في العام 2006 مرورا بالعام 2002 فهناك ما يقرب من 100 ألف ناخب زيادة وجزء من هذه الزيادة هي زيادة طبيعية وهي اقل من 3 في المئة من القائمة الانتخابية والجزء الآخر خاص بخفض سن الانتخاب من 21 سنة إلى 20 سنة وبقي الفائض وهو الفرق بين 2002 و2006 بنحو 38 ألف ناخب وهذا العدد لا يمكن أن يحلل إلى من خلال وجود تجنيس خارج إطار التجنيس العادي.
النقطة الثالثة هي أن لجنة التحقيق في قضية التجنيس وجدت تجنيسا ولكن أرجعته إلى الفِقرة الثانية من المادة السادسة من قانون الجنسية والتي تتحدث عن حق صاحب الجلالة منح الجنسية وهذا هو الإثبات الثالث الذي يثبت أن هناك عمليات تجنيس خارج إطار الضوابط الموجودة في الفِقرة (أ) من المادة السادسة ونحن ذكرنا في بداية الحديث انه يجب أن نبعد جلالة الملك عن هذه الإشكالات للزيادة من حصانته، يضاف إلى كل ذلك لا توجد شفافية لا من الجهاز المركزي للمعلومات لإعطاء الرقم الصحيح لعدد السكان والتركيبة من حيث المواطنين والأجانب وجنسياتهم فالرقم الذي ذكره محمد البوعينين والمقدر بـ700 ألف نسمة غير صحيح فالحديث يدور الآن عما يقارب مليون نسمة كما أن وزير الداخلية لا يتجاوب معنا في إعطاء أرقام صحيحة عن التجنيس فجواب الوزير عن سؤال النائب حسن سلطان في دور الانعقاد الأول ذكر أن عدد المجنسين نحو ستة آلاف. فأي عاقل يمكن أن يصدق ذلك في ظل الشواهد التي نراها يوميا؟ ولذلك أقول لا يمكن الحديث عن عدم وجود أدلة للتجنيس بل توجد هذه الأدلة ولكن لا توجد لدينا أرقام محددة بسبب أن الجهاز المركزي للمعلومات يتعامل مع المعلومات على أساس أنه جهاز الأمن الوطني للمعلومات وأن هذه المعلومات سرية لأن بكشف هذه المعلومات تنكشف الكثير من الحقائق التي ستكون مزعجة للوحدة الوطنية ومزعجة لهوية البحرين والمشروع الإصلاحي لأنه لا يمكن أن يكون بناء المشروع الإصلاحي على الثقة بين الناس والمشاركة في اتخاذ القرار وبعد كل ذلك يتم تغيير التركيبة السكانية.
ازدواج الجنسية
ما يخص موضوع ازدواج الجنسية، فعلى حين تتبنى البحرين هذا الموضوع وتتحدث عن المواطنة الخليجية فهل نحتاج إلى إعطاء الجنسية للخليجيين؛ لكي نعاملهم معاملة البحريني؟ إذا ما قيمة المواطنة الخليجية إذا لم نعطِ الخليجي حقوق البحريني إلا في حال حصوله على جوازين؟
إن هذا الحديث ومن خلال جميع مفرداته تبيّن أن هناك سوء نية في هذا التجنيس، كيف نقوم بالتجنيس في حال أن جزءا كبيرا من هذا التجنيس يدخل في التركيبة الطائفية؟ أليس ذلك شحنا للبعد الطائفي، عندما يتم خلق أعراق مختلفة داخل الطائفة السنية، جزء سوري وجزء يمني وجزء أردني وجزء باكستاني وجزء بلوشي؟ ألن يخلق ذلك تنافسا بين الطائفة السنية في المستقبل وخصوصا في ظل شح الموارد والإمكانات؟ ألن يفتت ذلك الوحدة الوطنية من خلال البعد العرقي للمجنسين الجدد؟
يمكن أن نوجه هذا السؤال إلى محمد البوعينين: هل ترى أن ما يذهب إليه النائب خليل المرزوق صحيح وهل هناك تخوف لدى الطائفة السنية من عمليات التجنيس؟
- محمد البوعينين: لقد ذكرت في البداية أننا لسنا مختلفين في موضوع التجنيس. إن التجنيس موجود وشواهده موجودة، إن اختلافنا ينحصر في نوع هذا التجنيس أي أن هل هذا التجنيس قانوني أم لا، كما أننا متفقون على أهمية إيجاد قانون عصري ينظم عملية التجنيس بحسب خصوصية البحرين، ولكن في ظل القانون الموجود حاليا الذي يتيح لمن يتلك الشروط التي يتضمنها القانون فمن حقه الحصول على الجنسية، ولذلك أقول يجب الالتزام بالقانون إلى أن يغير ويوضع قانون جديد.
إن الإخوة في «الوفاق» قد تقدموا بمشروع قانون جديد ولكن للأسف لم يتم اطلاع القوى السياسية الأخرى عليه لتتم دراسته وإبداء الملاحظات عليه من قبل الجميع.
صحيح أن عمليات التجنيس تغير التركيبة الديمغرافية للبلد، ولكن أظن أن لنا دورا نحن البحرينيين للحد من ذلك. لقد ذكر الشيخ أن في السابق كانت هناك مشكلة العجم وفي المستقبل ستكون هناك مشكلة السوريين أو الأردنيين، على حين بعض المشكلات الموجودة حاليا من قبل بعض المجنسين، بسبب عزلهم عن المجتمع، فنحن لم نحاول إدماجهم في المجتمع وإنما وضعناهم في كنتونات مغلقة يعيشون لوحدهم، ودائما عندما يكون الإنسان معزولا فإنه يحاول أن يصنع له تجمعا لكي تصبح لديه قوة، المسألة أن هؤلاء الناس قد تم تجنيسهم وانتهت المسألة ولكن السؤال هو: هل نقوم بإشراكهم في المجتمع أو عزلهم عنا؟
ولكن كيف يمكن إدماجهم في المجتمع على حين أنهم يعيشون في مناطق يمنع دخولها للبحرينيين كمنطقة سافرة مثلا؟
- البوعينين: سافرة تعتبر منطقة مؤقتة للسكن ولكنهم موجودون في كل مكان في مدينة زايد وفي الرفاع وفي المحرق والمنامة ولذلك يجب علينا إشراكهم في المجتمع لكي يذوبوا في المجتمع.
- خليل المرزوق: إن المشكلة ليست في إدماجهم في المجتمع، فكل جماعة منهم لديها هوية وعادات وثقافة مختلفة. المشكلات التي تحدث الآن في المدارس وبعض المجمعات السكنية المشتركة ليس بسبب عدم إشراكهم في المجتمع ولا عدم اندماجهم وإنما بسبب أن لديهم خصائصَ معينة ليست متوافقة مع خصائص الشعب البحريني سواء كانوا سنة أو شيعة.
لو نظرنا الى الحراك السياسي بين «الوفاق» و «المنبر الإسلامي» و «الأصالة» وجميع التيارات الأخرى فإنه يحدث تنافر في بعض الأمور حتى ان داخل الطائفة الواحدة هناك تنافرا، ولأن الدولة تؤسس لمفهوم خاطئ من خلال زيادة التجنيس بدواعٍ سياسية. أليس من أساسيات هذا الموضوع أن كل كيان أو مكون سيسعى الى الحصول على أقصى المنافع له؟
إن جزءا من الخلل السياسي الموجود لدينا يكمن في أن الدولة تتحالف مع فئات معينة لحسابات أن هذه الفئات عندما تعطى منافع خاصة ستكون في صف الدولة. ألن تسعى الدولة بعد ذلك لتوفير بعض المنافع للمجنسين وبعد إدماجهم في المجتمع لكي تضرب الفئات الأصلية؟
التوتر الطائفي
- البوعينين: خلال زيارة مختلف الجمعيات السياسية للأردن اتضح أن أكثر الصداقات التي نشأت بين الأشخاص في الوفد كانت بين مندوب جمعية الأصالة ومندوب جمعية الوفاق، فما اقصده انه لا توجد أي حواجز بين الطائفتين.
بعيدا عن التحزبات الطائفية وكونك تمثل فصيلا ليبراليا. كيف تنظر إلى عملية التجنيس؟ وهل ترى أن المستهدَف من هذه العمليات طائفة معينة؟
- الحليبي: هناك توتر طائفي في البلد يمكن أن تكون أسبابه عدة ليس هناك مجال لمناقشتها الآن، ولكن هذه الأسباب أدت الى تشكيل تكوينات بشكل مذهبي، أقول ذلك مع احترامي لجميع الجمعيات السياسية الموجودة التي تمتلك تاريخا نضاليا مميزا. إن هذه الأسباب أدت الى وجود اصطفاف من قبل الطائفتين وبالتالي وجود جمعيات سياسية تمثل مذهبا معينا على حين كان من المفترض أن تكون هذه الجمعيات مختلطة، وذلك ما حدث في التيارات الديمقراطية العلمانية التي تم من خلالها انصهار مختلف مكونات الشعب البحريني، فقد ترى في داخل التنظيم السياسي الديمقراطي العلماني مختلف أطياف المجتمع ومن جميع مدن البحرين وقراها. ولذلك نحن لا نتوقف كثيرا عند جنسية هؤلاء الحاصلين على الجنسية بقدر ما نتوقف عند مؤهلاتهم وإن كانوا يستحقون فعلا الحصول على الجنسية البحرينية وإن كانت الشروط والمعايير منطبقة عليهم، نحن البحرينيين عموما لسنا شوفينيين فشعوب منطقة الخليج معروفة بالتسامح والتعايش مع الشعوب الأخرى، ومع ذلك فإننا نرى أن إذا استمر التجنيس بهذه الصورة فالمشكلات ستبرز في المستقبل وكما ذكر محمد فإن المجنسين يحاولون التجمع مع بعضهم بعضا ويتوحدون ولكن لم يقل إنهم يتوحدون ضد من، من المنطقي أنهم يتوحدون ضد البحرينيين بما معناه أبناء البلد الأصليين.
النقطة الأخرى هي: لماذا لم يتم إلى حد الآن تجنيس أكثر من 200 عائلة على رغم أنهم ينتمون الى هذا الوطن؟ هل بسبب أنهم من مذهب آخر يشكل الغالبية؟ نحن لا نريد لبلدنا أن يتصارع فيه النظام مع شعبه وبدلا من أن يكون مساهما في التلاحم الوطني والتعايش السلمي يكون سببا في الصراعات ولذلك فنحن نطالب بشدة بصدور قانون يجرّم التمييز بكل أشكاله.
السؤال للشيخ محمد علي المحفوظ، ما الأسباب الحقيقية وراء عمليات التجنيس السياسي في رأيك؟ وهل يمكن تغيير التركيبة السكانية للبحرين من خلال عمليات التجنيس لتغليب طائفة على أخرى؟
- الشيخ محمد علي المحفوظ: دعنا نتساءل: ما الذي جعل عملية التجنيس في البحرين تصل إلى حدود كونها أزمة، فهناك تجنيس يجري في جميع دول العالم، وذلك ما يقودنا الى القضية الجذرية، فنحن إما إحدى حالتين، فإما لا يوجد تخطيط سليم وذلك شيء ملاحظ فليس فقط لدينا أزمة تجنيس ولكن لدينا أيضا أزمة فقر وأزمة إسكان وقد فشلنا في حل جميع هذه الأزمات كما تراجعنا في جميع المجالات الاقتصادية فلسنا دولة زراعية ولسنا دولة صناعية وذلك يؤكد مسألة عدم وجود التخطيط، وإما الحالة الثانية وهي كما يراها الناس قضية استهداف، وهذه قضية خطيرة جدا فهذا الاستهداف إما يكون للوطن وإما لبعض الوطن فالتغير الديمغرافي خطر. فإن شعرت طائفة من الطوائف بأنها مغبونة فإنها ستنظر الى الطائفة الأخرى بعين الشك والريبة، فإذا أقررنا بإحدى هاتين الحالتين فيجب علينا أن نخرج من ذلك بشكل عقلاني، فالنسيج الاجتماعي لا يمكن بناؤه في ظل القلق.
إن قضية التجنيس يمكن أن تشكل الكثير من التهديدات بالنسبة إلى الأمن الوطني فقد سمعت أن هناك أسرارا عسكرية يتم نقلها الى إحدى الدول الأجنبية عن طريق من جنسوا، كما أن هناك خطورة على الواقع الاجتماعي للدولة فلكي توجد حالة من التناغم والانسجام بحاجة الى سنوات فإن كان المجنسون الجدد يجب أن يوضعوا في مساكن منفصلة عن المجتمع فعندما تحدث غدا أزمات اجتماعية وأخلاقية واقتصادية فكيف ستتم معالجتها، إن كان الحكم لا يريد أن يسمع لما يتم تداوله في الشارع ويعتبر ذلك خطوطا حمراءَ ولا يريد أن يناقش هذه القضية على العلن وفي ندوات مفتوحة يشارك فيها كبار المسئولين، إذ إن هذه القضية تحتاج الى مشروع وطني؟ فكيف سنتعامل غدا مع الأزمات التي يمكن أن تنفجر بسبب هذه القضية؟
نتائج سوء التخطيط
المشكلة في سوء التخطيط أنها تؤدي الى تفضيل شخص يمكن التحكم فيه أكثر من أبناء البلد لكي يعمل في مجال الأمن أو يمكن أن يتم تفضيله على المواطن؛ لأنه لا يملك رأيا في الوضع السياسي لكي يتم استغلاله بكونه كتلة انتخابية.
إن الأزمات الأمنية بدأت بالسرقات المسلحة للمصارف فالبحرين لم تعرف من قبل السرقات المسلحة، كما لم تعرف البحرين سابقا استخدام العنف بمثل هذا الحجم الذي يحدث في بعض المدارس، إن هذه الأزمات الواضحة بجانب الأزمات والمشكلات التي تتستر عليها الجهات المسئولة إذ إن هناك أحاديث عن الإخلال بالوضع الأخلاقي في البلد.
إن مثل هذه المشكلات لم تكن موجودة لدينا وإنما كانت موجودة في مجتمعات أخرى نتيجة العصبيات القبلية والعشائرية التي طغت حتى على المبادئ الإسلامية، إن مشكلتنا مع التجنيس هي عدم وجود رؤية واضحة بالنسبة إليها.
المواطنون البحرينيون لا يوجد لديهم قلق من بعضهم بعضا كما توحي السلطة، إن القلق من التشكيلات الطائفية التي تكون السلطة مسئولة عنها تماما وهي التي كونتها وإلا كانت مناطق البحرين في السابق جميعها مفتوحة على بعضها، فالمحرق التي تعتبر اكبر المدن البحرينية لا توجد فيها مشكلة الطائفية ولكن السلطة خلقت حواجزَ بين مناطقها كما خلقت حواجزَ بين بني جمرة والبديع إذ جعلت من البديع والجسرة والزلاق منطقة واحدة، فلماذا تم عزل البديع عن باقي القرى على رغم أننا تعايشنا سابقا بصفتنا نسيجا واحدا وكان الجميع يعيش في مجتمع واحد ويدرس في مدارسَ مشتركة.
بالرجوع الى قضية التجنيس إن مواطني دول الخليج بدأوا يستهزئون بالبحرينيين ويتساءلون إن كنت مواطنا بحرينيا أصيلا أم مجنسا؟
- المرزوق: إن هذا الكلام دقيق جدا، إذ حدثت أكثر من حادثة تم فيها سؤال البحرينيين إن كانوا بحرينيين من أصل بنغالي أو بحرينيين من أصل باكستاني، إن الهوية البحرينية التي كانت في السابق يتم الاعتزاز بها أصبحت محلا للتندر والسخرية.
هل تعتبرون من جُنِّس بشكل غير قانوني مواطنا بحرينيا له جميع الحقوق وعليه جميع الواجبات؟ وهل يجب التعامل معه على هذا الأساس؟ بمعنى آخر هل نجحت الحكومة في فرض الأمر الواقع وأن من تم منحهم الجنسية أصبحوا مواطنين بحرينيين ولا يمكن سحب الجنسية منهم؟
- البوعينين: سأعيد ما قلته سابقا: نظرا إلى ضيق مساحة البحرين الجغرافية وشح الموارد فمن المؤكد أن التجنيس سيؤثر سلبا على المواطنين، ولكنْ الآن لدينا أناس قد تم تجنيسهم وقد ذكر الشيخ أن من جنس سابقا قد أصبح مواطنا الآن، ولذلك يجب أن نتعامل مع المجنسين على أنهم بحرينيون لهم ما لنا وعليهم ما علينا ولذلك يجب إدماجهم في المجتمع وأعني بذلك إدماجا حقيقيا، ويجب أن نلاحظ أن هناك أعدادا كبيرة من المجنسين ممن جنسوا في السابق قد اندمجوا بشكل كامل في المجتمع، وخصوصا بعض الإخوة الفلسطينيين، وبعض من كان يحمل الجنسية الأردنية ولكنه من أصول فلسطينية حتى بعض الإخوة السوريين فإنهم موجودون في المجتمع وأصبحوا اليوم في مراكز مهمة في الدولة سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص وذلك ما يجب أن يتم مع الإخوة المجنسين حاليا كما يجب أن نوجه طاقاتهم وقدراتهم لما فيه مصلحة المجتمع.
هذا يحل جزءا من المشكلة. أما الحل الثاني فيجب أن يقوم به الإخوة في مجلس النواب من خلال تعديل القانون أو إيجاد قانون عصري للتجنيس يتضمن متطلبات الخصوصية البحرينية ونحن سندعم هذا القانون.
التجنيس والانتخابات
بالحديث عن النواحي القانونية ففي دراسة أعدها حسين البحارنة أكد أن الأجانب الذين اكتسبوا الجنسية البحرينية لم يكن لهم الحق في التصويت في الانتخابات إلا بعد عشر سنوات من منحهم الجنسية. ألا تعتقد بأن إشراك المجنسين الجدد في انتخابات 2006 هو تجاوز للقانون والدستور؟
- البوعينين: إن هذا الكلام غير دقيق، فلو رجعنا الى قانون الجنسية لسنة 1963 لوجدنا مثل هذا الشرط ولكن لو رجعنا الى قانون مباشرة الحقوق السياسية لاختلف الأمر اختلافا تاما، فبالرجوع لقانون مباشرة الحقوق السياسية فمن تجنس له حق الترشح والانتخاب مباشرة وبما أن قانون مباشرة الحقوق السياسية قانون لاحق لقانون الجنسية فلذلك يجب الأخذ به.
- المرزوق: لا أظن أن ذلك صحيح، فهناك قانون عام وهناك قانون خاص، والقانون العام لا يلغي القانون الخاص، والمادة الخاصة بعدم اكتساب الأهلية السياسية للمجنس إلا بعد عشر سنوات تمضي على جميع القوانين؛ لأنها ضمن قانون خاص وذلك ما يقول به الفقه الدستوري والقانوني، والقانون العام إذا لم يلغِ صراحة هذا النص فلا يلغي هذه المادة، فلا يمكن إلغاء نص قانوني إلا بنص قانوني، أما عموم القانون فإنه ينص على أن للمواطنين البحرينيين حق الانتخاب والترشح فهناك قانون خاص بيّن أن المتجنس لا يكتسب الحق السياسي إلا بعد مرور عشر سنوات من حصوله على الجنسية، ولذلك فإني أؤكد أن كانت هناك مخالفة صريحة للقانون من خلال إشراك المجنسين حديثا في العملية الانتخابية وهذا ما يشير الى احد دوافع التجنيس السياسي وخصوصا ازدواج الجنسية التي يمكن أن ينتج منها أن يكون احد ممثلي المجالس البلدية من الذين لا يسكنون في البحرين وإنما لديه ازدواج للجنسية فقط.
إن الخطر من عملية ازدواج الجنسية هو أن كل مواطن خليجي يكون عمره فوق العشرين عاما يكون من حقه الحصول على الجنسية البحرينية ومن ثم من حقه التصويت في الانتخابات ولنتخيل أن في السعودية 20 مليون مواطن وفي الإمارات 13 مليون مواطن...
البوعينين: ولكننا نسعى إلى وحدة خليجية؟
- خليل المرزوق: إن مواطني البحرين لا يتجاوزون 500 ألف نسمة وإن فتحنا ازدواج الجنسية وأعطينا الخليجيين الحق السياسي فإنه لا بقاء لشعب البحرين وإن لم يبقَ شعب البحرين فإنه لا بقاء أيضا للمشروع الإصلاحي، ألسنا مملكة دستورية تقوم على المشاركة، إن كنا نريد تحقيق المواطنة الخليجية فإن ذلك لا يحتاج إلى ازدواج الجنسية، فبمجرد أن نفكر في ازدواج الجنسية فإننا نلغي المواطنة الخليجية بسبب أن ذلك يعني أن الخليجي لن يعامل معاملة البحريني إلا إذا حمل الجنسية البحرينية.
والآن نرجع إلى السؤال الخاص بمستقبل المجنسين، هناك من جنسوا بشكل قانوني ونحن لسنا ضدهم وهناك من فئة البدون ونحن لسنا ضدهم أيضا ولكن هناك أيضا من جنس بشكل عشوائي ولم يخضع لأي قانون أو ضوابط ولا إلى تحديد حاجتنا.
وقبل الإجابة على هذا السؤال فإننا نحتاج إلى مصارحة ومكاشفة عن هذا الموضوع، فإن هذا الموضوع مقلق جدا وله تداعيات على المشروع الإصلاحي ومشروع المواطنة ومستقبل الدولة ومستقبل الأجيال، فإن كنا نقول إن هناك ما يقارب من 50 إلى 60 ألف شخص جنسوا بشكل عشوائي وهؤلاء سيتكاثرون، فماذا عن الجيل المقبل والجيل الثاني وخصوصا أنه من المعروف أن الكثير منهم يتزوج بأكثر من امرأة وينجب أكثر من عشرة أولاد، لذلك فإن عددهم سيصل من 200 إلى 300 ألف شخص بعد سنين قليلة والدولة ملزمة أن تعطيهم حقوقا معينة، فمن أين ستلبي الدولة جميع احتياجاتهم في ظل عدم قدرة الدولة تلبية احتياجات المواطنين الحاليين، فعندما يتعطل ما يقارب من 50 ألف طلب إسكاني في حين نجنس 50 ألف عائلة، إذ يعني ذلك أننا نخلق أزمة مضاعفة للطلبات الإسكانية، ألن يخلق ذلك حاجة إلى إنشاء المزيد من الجامعات والمدارس.
قبل الحديث عن سحب الجنسية يجب أن نتصارح فإن الموضوع كارثي من جميع الأبعاد ولذلك قبل دغدغة مشاعر البعض أو إزعاج البعض الآخر لنشخص هذا الموضوع وهل البحرين شعبا وحكومة تستوعب هذه المشكلات الكارثية أم لا، كما نحتاج من السلطة أن تحدد مسئوليتها عن تثبيت المواطنة، ولا يمكن أن نثبت المواطنة إلا من خلال العدالة والمساواة والابتعاد عن التجنيس العشوائي الذي يخلق توترات طائفية وعرقية.
التجنيس والبرلمان
هل هناك توافق بين الكتل البرلمانية عن هذا الموضوع؟ وهل تستطيعون أن تطرحوا هذا الموضوع بمثل هذه الحدة في البرلمان؟
- المرزوق: هناك ملفان هما التجنيس والتمييز إذا تحدثنا عنهما يرد الإخوان في المجلس بأنه لا يجب فتح الجروح وذلك سيشكل علينا ضغطا في الشارع وأن هناك حساسية طائفية فيهما، فحتى في موضوع التمييز الذي نطالب فيه بإيجاد تكافؤ للفرص لجميع البحرينيين، يقال لنا إن هذا الموضوع خطير وله أبعاد طائفية، فما هو البعد الطائفي لموضوع يراد منه تكريس تكافؤ الفرص لجميع المواطنين، الفهم السائد هو الدخول في مساحة المكتسبات لطائفة معينة.
لا يوجد توافق بسبب أن الكل ينظر للموضوع من مساحات الطوائف التي إن فتحت قد تؤثر على التوازنات الموجودة، في حين أن هدفنا من طرح مثل هذه الموضوعات هو تكريس المواطنة وأن المواطن سواء كان شيعيا أم سنيا له حقوق وعليه واجبات يجب أن ينالها بعنوان المواطنة وليس بالعنوان المذهبي أو العرقي.
سنلاحظ بعد أيام قليلة نوعا من التوتر بسبب طرح موضوع التمييز، كما تحول موضوع استجواب الوزير عطية الله من موضوع سياسي خطير الى موضوع طائفي وكأن طرح الموضوع في المجلس النيابي يوتر الوجود الطائفي في المجلس ويتحول النواب وكأنهم يدافعون عن وزير من طائفة معينة، ويتحول النواب وكأنهم يدافعون عن طائفة في حين أن الموضوع ليس طائفة شيعية وطائفة سنية.
الشيخ المحفوظ، ما هو مستقبل من تم تجنيسهم بشكل عشوائي وهل سيقبل المجتمع البحريني بهم كأحد مكوناته؟
- المحفوظ: كما أسلفت سابقا أن عملية التجنيس إما تكون نتيجة سوء التخطيط أو استهداف وفي كلا الأمرين نحن بحاجة إلى دراسة هذا الموضوع على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي وبشكل مستفيض، القضية متصلة بالماضي والحاضر والمستقبل، المشكلة أن لدينا عادة تمرير الأشياء، من دون شك أن الموضوع تحول إلى أزمة ومشكلات المجنسين أنفسهم بدأت تظهر في الصحف على رغم محاولة الجهات المختصة التستر على الموضوع، إن هذا الموضوع يجب أن يدرس ويعالج من خلال الشجاعة والشفافية فإن كانت القضية مخالفة للضوابط فهناك القوانين التي تحكم ذلك وإن كانت القضية تمثل خطرا على الأمن القومي فالخطر القومي لا يتمثل في تظاهر عدد قليل من الأشخاص وإنما الخطر القومي ينبع من الفقر الذي تحول إلى حالات فساد وسرقات وإن كان التجنيس يشكل خطرا على الوضع التعليمي والأخلاقي والسكاني، فيجب أن يتم حل هذه القضية قبل أن يصل الوضع إلى ما لا تحمد عقباه.
إن الجميع متفق على أن عمليات التجنيس قضية غير مدروسة وغير عقلائية ومع ذلك فإننا نحترم شعور المجنسين ونشعر بقلقهم إلى الحد الذي يجعلنا نتساءل لماذا لا يتم استيعابهم في المجتمع، ولكن إن كانت فئة من المجتمع تشعر بأنها مستهدفة من ذلك فيجب حل هذه المشكلة بالحكمة وإن لم تكن لدينا القدرة على حلها بشفافية تامة وأمام الملأ وفي البرلمان وكان ذلك يشكل إحراجا للسلطة فلتتم معالجتها بالطريقة التي بدأت بها وبشكل خفي «على رغم تحفظنا على ذلك» إن شجاعة الحكم هي في فتح هذا الموضوع قبل فوات الأوان إذ إن المسألة خطيرة جدا وهي ليست استهدافا لطائفة معينة وإنما هي استهداف للوطن بأكمله وهي استهداف للاستقرار السياسي والاجتماعي.
إن كانت عملية التجنيس قد بدأت منذ فترة طويلة نسبيا فإن الناس قد بدأوا يشعرون بنتائج هذه الأزمة خلال الفترة البسيطة الماضية، ففي كل يوم ترصد الأحداث والأخبار أزمات ومشكلات كبيرة غير المغطى منها والمخفي الذي لا يراد إفشاؤه، وهنا فإنني أحمل السلطة مسئولية كبيرة جدا، إذ لا ينبغي أن يحمل الشعب البحريني بما لا طاقة له به، والمسألة هنا ليست مرتبطة بالقضايا المعيشية، فذلك يمكن تسويته أو الصبر عليه ولكن المسألة مرتبطة بتغيير أخلاقيات هذا الشعب من شعب مسالم ومتسامح إلى شعب يكره الآخرين، نحن ليست لدينا حساسية طائفية أو عنصرية ولا عرقية، ولكن عندما يشعر المواطنون أن قضية التجنيس قد تحولت إلى غول يهدد مصالحهم ومعيشتهم ووجودهم فإنهم سيبدأون بكرة الآخرين.
- المرزوق: لو لا حظنا دولتي الإمارات وقطر فإن عدد المواطنين في كل منهما لا يتجاوز العشرة في المئة وعلى رغم الطفرة العمرانية فيهما وحجم التنمية فإن قانون الجنسية في قطر يفرض أن لا يتجاوز عدد المجنسين سنويا 50 فردا سواء كان ذلك بالقانون أو بالاستثناء في حين تفرض الإمارات في الوقت الحالي على كل أجنبي أن لا يقيم فيها لأكثر من عدد معين من السنوات لكيلا يكتسب حق التجنيس. إن جميع الدولة تحافظ على تركيبتها وهويتها على رغم حاجتها للمواطنين، ولكننا في البحرين على رغم مواردنا الشحيحة وصغر مساحتنا وظروفنا الصعبة والتوتر الطائفي الذي لا يوجد في الدول الأخرى ونجنس أعدادا كبيرة، علينا أن نعود الى رؤية وطنية واضحة بخصوص هويتنا الوطنية.
- البوعينين: إنني أدعو مجلس النواب إلى مراجعة قانون الجنسية أو التعديل الذي تقدمت به الحكومة وكذلك مقترح القانون الذي تقدمت به كتلة الوفاق، فالمشكلة لدينا تكمن في القانون/ فكما ذكر الأخ خليل المرزوق فإن القانون في قطر يحدد عددا معينا من المجنسين في كل سنة، فلماذا لا يسن لدينا مثل هذا القانون، إن ذلك من واجب المجلس النيابي.
- خليل المرزوق: إننا لا نختلف في ذلك ولكن المشكلة أن الجزء الأكبر من عمليات التجنيس في البحرين هي مخالفة للقانون ونص المواد التي تضبط عملية التجنيس.
العدد 1965 - الثلثاء 22 يناير 2008م الموافق 13 محرم 1429هـ