قال البيت العالمي (غلوبل هاوس - البحرين) في تقريره لشهر ديسمبر/ كانون الأول الجاري: «إن من الأهمية توجيه السيولة نحو القطاعات الإنتاجية، وخصوصا مع توافر المواد الأولية في المنطقة، والتركيز على المشروعات ذات القيمة المضافة والعوائد المجزية وقليلة المخاطر، والتي من شأنها المساهمة في التنمية المستدامة وتوفير فرص العمل».
وأشار التقرير إلى أن ما حدث في السوق العقارية هو حالة تصحيحية إيجابية للأوضاع غير الطبيعية التي كانت سائدة، و»نتوقع مزيدا من انخفاض الأسعار، كما أن ذلك سيؤثر على معدل الإيجارات، وبالتالي تحسن مستوى التضخم».
وأوضح التقرير أنه على شركات التطوير العقاري التوجه نحو المشروعات الإسكانية، التي تستهدف الطبقتين الوسطى وذوي الدخول المحدودة، كونها الفئات الأشد حاجة للمساكن، بالنظر إلى السوق السعودية المتعطشة لمثل هذه المشروعات.
وقال تقرير البيت العالمي - البحرين: «نلاحظ أن اقتصادات المنطقة، على رغم صعوبة الأزمة المالية، آخذة في النمو؛ ولكن بوتيرة أقل، لكنها تبقى الأعلى على المستوى العالمي، فهي قائمة على قاعدة متينة وتتمتع بثروات طبيعية داعمة للنمو حتى وإن تراجعت أسعار النفط.
وبيَّن التقرير أن البورصات هي من جلب تداعيات الأزمة المالية العالمية إلى دول الخليج، وبالتالي فإن التأثير كان على (الورق) وعلى (الثقة)، فالأصول والموجودات الحسية مازالت كما هي، والخسائر التي سجلتها الأسواق المالية الخليجية منذ مطلع العام حتى إعداد التقرير والبالغة نحو 47,8 في المئة من قيمتها السوقية، خير دليل على هشاشتها، وخصوصا إذا ما تمت مقارنتها بالقطاعات الأخرى التي تعطلت أو تباطأ نموها، لكنها بقيت صامدة ومستمرة. وسحبت خسائر الأسواق المالية وتدفق المستثمرين بشكل عشوائي على الإتجار بالأسهم الأزمة المالية إلى منطقتنا العربية، وخصوصا في الخليج؛ إذ يمكن القول إن المشكلة تركزت في البورصات إذا ما تمت مقارنة أداء القطاعات بعضها ببعض».
وتظهر الأرقام أن بورصات الخليج خسرت في شهري سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول الماضيين نحو 250 مليار دولار؛ الأمر الذي يؤكد مرة أخرى أهمية توجيه السيولة نحو القطاعات الإنتاجية كالصناعة مثلا، وخصوصا مع توافر المواد الأولية في المنطقة.
ويعتقد البيت العالمي - البحرين بأن من «المأساة» إبقاء الأموال (السيولة) حبيسة في أسهم وأوراق هبطت أسعارها ووصلت إلى القاع، وأصبحت تتداول بأقل من قيمها الدفترية في بعض أسواق الخليج، في وقت يمكن توظيفها في مشروعات تساهم بشكل مباشر في التنمية المستدامة، التي توفر مصادر دخل جديدة، فضلا عن قدرتها على تأمين مزيد من فرص العمل التي بات وجودها شحيحا مع تسلل الكساد نحو المنطقة.
ومازال المجال مفتوحا للإصلاح، فأسعار النفط، على رغم تراجعها منذ يوليو/ تموز الماضي بنسبة 66 في المئة؛ إلا أنها فوق تقديرات الموازنات الحكومية؛ ما يعني مزيدا من الأموال المتدفقة. والجميع يعلم بأن دول الخليج (باستثناء دبي) تعتمد على النفط كمصدر رئيسي لإيراداتها.
كما يمكن الاعتماد على بعض النماذج الناجحة في الأعمال، كقطاع الصيرفة الإسلامية، الذي بقي بمنأى عن الأزمة المالية التي تعصف بالعالم.
وتساءل التقرير: لماذا تصر معظم الشركات والمؤسسات بمختلف أنواعها على الإستثمار في البورصات والأوراق المالية في حين هناك قطاعات كثيرة توفر فرصا استثمارية ذات عوائد مجزية وثابتة وقليلة المخاطر؟ فضلا عن أنها تساهم في تنمية المجتمعات.
الأسواق المالية تجر الأزمة إلى الخليج
فقدت أسواق الأوراق المالية في دول مجلس التعاون الخليجي نحو 47,8 في المئة من قيمتها السوقية منذ مطلع العام الجاري وحتى نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول؛ إذ خسرت نحو 541 مليار دولار للتراجع من 1132,5 مليار إلى 591,5 مليار، تركزت معظمها في شهر أكتوبر الماضي بواقع 372 مليار دولار.
وجاءت السوق السعودية (أكبر بورصة في العالم العربي) على رأس المتضررين؛ إذ خسرت نحو 255,2 مليار دولار منذ مطلع العام حتى نهاية أكتوبر؛ أي من 519 مليارا إلى 263,8 مليارا، تلتها سوق الإمارات بواقع 142,1 مليار من 257,4 مليار دولار إلى 115,3 مليارا. ثم البورصة الكويتية التي فقدت 100,9 مليار دولار، متراجعة من 210,5 مليارات في مطلع العام 2008، إلى 109,6 مليارات، فقطر من 95,5 مليارا إلى 64,6 مليارا؛ أي بواقع 30,9 مليارا، ثم سلطنة عُمان التي هبطت 7,4 مليارات من 23 مليارا إلى 15,6 مليارا، وأخيرا البحرين من 27 مليارا إلى 23,1 مليارا، أي بنحو 3,9 مليارات دولار.
ويمكن وصف الأسواق المالية في المنطقة بـ «الهشة» بعد تلقيها رياح العاصفة المالية، وخصوصا أنها تفتقر إلى وجود صانعي سوق (شركات كبيرة قادرة على قيادة الأسواق وتعميق توازنها).
ويعتقد البيت العالمي - البحرين، أن الربع الرابع من العام الجاري سيكون المحك الحقيقي للأزمة؛ إذ ستظهر النتائج المالية السنوية للشركات وبالتالي رؤية الصورة بشكل أوضح.
وجاءت الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) على رأس قائمة الشركات الخاسرة على مستوى بورصات الخليج؛ إذ تراجعت قيمتها السوقية من 130,9 مليار دولار، إلى 44,6 مليارا؛ أي بنسبة 66 في المئة، تلاها مصرف الراجحي السعودي من 44,5 مليارا إلى 24,2 مليارا، (45,6 في المئة) ثم شركة اتصالات السعودية من 43,3 مليارا إلى 30 مليارا، (30,7 في المئة) فشركة الاتصالات الإماراتية (اتصالات) من 31,9 مليار دولار إلى 20,7 مليارا، (35,2 في المئة).
إرجاء الاكتتابات
وأدى تراجع أحجام السيولة في الأسواق المالية إلى إحجام الشركات عن طرح اكتتابات سواء جديدة أو عمليات زيادة رؤوس الأموال، فأسعار الأسهم وصلت إلى مستويات متدنية جدا؛ الأمر الذي حوّل جزءا كبيرا من أموال المستثمرين إلى سيولة حبيسة في أسهم هبطت أسعارها.
وبطبيعة الحال أرجأت الأزمة العالمية عشرات الاكتتابات في أسواق الخليج؛ إذ باتت الشركات تنتظر اتضاح الرؤية فضلا عن انقضاء الوقت وبدء انشغالها بإعداد الموازنات والقوائم المالية المتعلقة بنهاية العام الجاري.
ويتوقع التقرير بأن إرجاء الإكتتابات إلى الربع الأول من العام المقبل، والذي سيشهد زخما في الطروحات، وبالتالي الكثير من الأمل، قرارا صائبا وحكيما سيجنب المؤسسات بعض الإخفاق.
يذكر ان أسواق الخليج شهدت في الربع الأول من العام الجاري 8 إصدارات أولية بلغت قيمتها حوالي 4 مليارات دولار، استقطبت سوق الأسهم السعودية 5 طروحات منها بقيمة وصلت إلى 3,3 مليارات دولار، فيما استحوذت الإمارات على اكتتابين بقيمة 176 مليون دولار، وقطر اكتتاب واحد بقيمة 511 مليون دولار.
أما العام 2007 فقد تم طرح 33 اكتتابا على مستوى الخليج بقيمة بلغت 12 مليار دولار.
العقارات في مركز الضغط
قد يكون القطاع العقاري الأكثر تضررا من الأزمة المالية، فهو لم يعد قادرا على الاقتراض بسهولة في ظل رفع وتيرة احتياطيات البنوك والتشدد في الضمانات، فضلا عن غياب السيولة من الأسواق.
ولم نسمع، كما في النصف الأول من العام الجاري، والسنوات الماضية، عن مشروعات ضخمة تطلق هنا أو هناك، كما أن الحكومات هي الأخرى قررت التريث - على ما يبدو - في تنفيذ المشروعات الخدمية والبنية التحتية سواء التي سبق إعلانها أو أخرى جديدة.
وإن المزيد من أفكار المشروعات ستتوقف منتظرة تطورات الأسواق العالمية، وخصوصا في قطاع التمويل.
ولكن ما حدث في السوق العقارية هو حالة تصحيحية إيجابية للأوضاع غير الطبيعية «الجنونية» التي سادت منطقة الخليج، سواء من حيث الأسعار أو نوعية المشروعات والفئة الموجهة إليها. «فرب ضارة نافعة».
ومن المعلوم أن أسعار المباني والمواد الإنشائية فاقت في الفترة الأخيرة المنطق، ووصلت إلى سقف غير مبرر، ساهمت فيه - بشكل رئيسي - المضاربات غير الطبيعية، وخصوصا مع دخول البنوك والشركات المالية ومن ثم تبعهم بعض الأفراد المقتدرين إلى اللعبة التي أضرت بالمستهلك النهائي الباحث عن بيت ومسكن يأويه، أو حتى بيت سياحي - إن جاز التعبير -.
وفي خضم هذه التفاصيل، دعا التقرير شركات التطوير العقاري إلى التوجه نحو المشروعات الإسكانية بدلا من التركيز على الأنواع الأخرى كالتجارية والسياحية، واستهداف الطبقة الوسطى وذوي الدخول المحدودة في المجتمعات، وبإستغلال خدمات الرهن العقاري؛ الأمر الذي يساهم بشكل فعّال في التنمية، فضلا عن تحقيق هامش ربحي معقول كون هذه الفئات هي الأشد حاجة للمساكن.
وتشير الإحصاءات إلى أن منطقة الخليج تحتاج إلى ما يعادل 5 ملايين وحدة سكنية خلال السنوات العشر المقبلة.
وبحسب تقرير لـ «غلف نيوز» فإن النقص في العقار السكني سيبلغ نحو 2,1 مليون وحدة، إذا ما علمنا أن هناك نحو 2,9 مليون وحدة من المنتظر تسليمها خلال الفترة نفسها (5 سنوات).
وقال بحث لـ «الفاينانشال تايمز» إن الوحدات العقارية الفخمة باتت متوافرة بل وأشبعت السوق، بينما لايزال نقص ملحوظ في الوحدات السكنية لذوي الدخل المتوسط والمحدود، والتي تشهد طلبا كبيرا.
وسيؤدي ذلك - أي عقب إنتهاء حركة التصحيح في الأسواق - إلى التأثير وبشكل مباشر وإيجابي على مستوى كلفة تأجير المساكن والمكاتب، التي زادت هي الأخرى بنسبة فلكية؛ إذ سيزداد العرض وبالتالي انخفاض الأسعار؛ ما يؤثر على مستوى التضخم الذي تعاني منه دول الخليج.
وطال الهبوط أسعار العقارات في مختلف المناطق بالخليج، وقد تكون دبي مثالا لهذه الحالة؛ إذ قال تقرير حديث لبنك «اتش إس بي سي» إن أسعار الشقق السكنية في مركز دبي المالي العالمي تراجعت بنسبة 30 في المئة، وهو ما أكدته بعض الشركات العقارية نفسها، فمثلا قالت شركة الجبل العقارية إن أسعار العقارات تراجعت بين 30 في المئة و35 في المئة في دبي منذ سبتمبر.
قوة اقتصادات المنطقة
تتمتع اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بقاعدة اقتصادية متينة قائمة على قواعد ثابتة ما يجعلها قادرة على مواصلة النمو.
وتظهر بيانات صندوق النقد الدولي التي عدّلها مؤخرا تماشيا مع تداعيات الأزمة المالية، أن المنطقة ستواصل نموها ولكن بوتيرة أقل عن التوقعات السابقة؛ إذ توقع نمو اقتصادات دول الخليج بنسبة تتراوح بين 5 في المئة و8 في المئة، وهي أقل من التوقعات السابقة التي كانت تشير إلى 10 و12 في المئة؛ لكنها ستبقى أكثر بكثير من توقعات النمو في الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية التي ستنخفض إلى ما بين صفر و1 في المئة على أكبر تقدير.
وتشير البيانات إلى أن حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ستنمو إلى 5 في المئة في العام 2008، قياسا بنحو 3 في المئة في مطلع العام 2001، فضلا عن اعتدال التضخم في الربع الأخير من العام الجاري وفي 2009؛ إذ من المتوقع له أن ينخفض العام المقبل في دول الخليج من 11,5 في المئة إلى 10 في المئة، ومن 14,4 في المئة إلى 12,7 في المئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عموما.
وسيؤدي هذا النشاط إلى تحفيز الإنفاق الاستهلاكي التي شهدت تباطؤا مؤقتا هذا العام، كما سيخفف من آثار انخفاض صادرات المنتجات السلعية.
وتعتبر النظم المالية في دول المنطقة أكثر متانة من مثيلاتها في الدول المتقدمة وتلك الناشئة الأخرى، وذلك بفضل ضآلة تعرضها لمخاطر الأسواق العالمية والأصول العالية المخاطر، فضلا عن تركيزها على الأنشطة المصرفية الأساسية مع تطبيق معايير ائتمانية رصينة.
ويظهر ذلك جليا من خلال انخفاض معدل القروض غير العاملة (وخصوصا في دول الخليج) مقارنة بأسواق العالم الأخرى، يضاف إلى ذلك صعود فوائض الحساب الجاري لدول الخليج ليبلغ 368 مليار دولار في العام الجاري ونحو 312 مليارا في العام 2009؛ الأمر الذي يكفل توافر السيولة، وبالتالي يقلل تأثير الأزمة المالية على الإنفاق الحكومي.
ومن المعلوم أن دول الخليج تعتمد بشكل كبير - مع بعض الاستثناءات كما في دبي - على صادرات النفط كمصدر رئيسي لإيراداتها، وعلى رغم تراجع الأسعار بمستويات قياسية بلغت منذ يوليو/ تموز الماضي 66 في المئة، (من 147 دولارا للبرميل إلى 50 دولارا) إلا أنها مازالت فوق الأرقام المقدرة في الموازنات العامة لدول الخليج والتي قدرت (وسط حسابي) عند مستوى 47 دولارا
العدد 2284 - السبت 06 ديسمبر 2008م الموافق 07 ذي الحجة 1429هـ