وتعاظم النفوذ الإيراني على بغداد بدرجة ملحوظة منذ الهجوم الذي قادته الولايات المتحدة على العراق العام 2003 والذي أطاح بخصم طهران القديم صدام حسين وحزب البعث السني وهو الرجل الذي خاضت إيران ضده حربا استمرت ثماني سنوات في ثمانينيات القرن الماضي. إلا أن مدى هذا النفوذ ليس واضحا حتى الآن. ويجادل بعض الخبراء بأن طهران تريد الهيمنة على جارها من الوجهة السياسية والاقتصادية والدينية أيضا، فيما يقول آخرون إن طهران لا ترغب في ذلك ناهيك عن أنها لا تقدر على تحقيق مثل هذه الأهداف.
والدلائل على ذلك غير حاسمة ومبهمة، ما يعكس الطبيعة التي غالبا ما تتصف بالغموض للسياسة الإيرانية ذاتها.
وقال رئيس حزب الفضيلة العراقي الصغير حسن الشمري إن بمقدور إيران زعزعة الوضع السياسي في العراق من خلال «إثارة أعمال العنف» وعن طريق مساعدة وتسليح بعض الميليشيات ومن خلال نفوذها على الحكومة العراقية.
وأضاف ان النظام السياسي في العراق لم ينضج بعد بدرجة كافية وهو ما يعطي الفرصة لإيران للتدخل في الشئون العراقية.
ويقول مسئولون أميركيون إن إيران تمارس قدرا معقولا من النفوذ على الزعيم الديني مقتدى الصدر الذي يحظى بأتباع كثيرين بين الشيعة الفقراء في العراق كما يتزعم ميليشيا قوية هي «جيش المهدي». ويعتقد على نطاق واسع أن إيران كانت وراء اتفاقي وقف إطلاق النار اللذين دعا إليهما الصدر في أغسطس/ آب الماضي ومرة أخرى الشهر الماضي.
وقال مركز أبحاث تشاتام هاوس المرموق في لندن في تقرير العام 2006 إن لدى طهران الآن قدرا أكبر من التأثير على العراق من الولايات المتحدة ذاتها ليس فقط فيما يتعلق بالدوائر الحكومية بل أيضا على مستوى الشارع العراقي.
ويرتكز هذا الاستدلال المنطقي على الروابط الاجتماعية الراسخة منذ القدم بين الأحزاب الشيعية التي تهيمن على الحكومة في العراق وبين إيران ذات الغالبية الشيعية حيث كان لحزب المجلس الأعلى الإسلامي العراقي وأحزاب شيعية أخرى قواعد في إيران إبان عهد الرئيس المخلوع صدام.
وقال والي ناصر وهو خبير رفيع المستوى في مجلس العلاقات الخارجية بواشنطن إن ذلك منح إيران درجة من النفوذ ولاسيما في جنوب العراق ذي الغالبية الشيعية فضلا عن القدرة على التأثير على صنع القرار.
وقال ناصر لوكالة رويترز «تريد إيران حماية مصالحها القومية في العراق وهو ما يعني إقامة أواصر الود والعلاقات السلسة مع العراق وإلا يعود البعثيون إلى سابق نفوذهم وان يهيمن الشيعة على العراق ليفتحوا مجالات الأعمال والتجارة والنفوذ أمام إيران». إلا أن آخرين لا يتفقون مع هذا الرأي إذ يقول لـ «رويترز» بيتر هارلنغ وهو محلل لدى المجموعة الدولية للأزمات يتخذ من دمشق مقرا له «لا أرى أي إشارة إلى أن إيران تريد تشكيل العراق سياسيا». وأضاف «الانطباع الذي تكون لدينا هو أن إيران تخفي رهانها حتى يتسنى لها الرد على أي سيناريو في المستقبل بدلا من المضي في تنفيذ برنامجها الخاص في العراق».
إذا لماذا تتباين الآراء إلى هذا الحد في هذا الشأن؟
تقول كبيرة الباحثين ببرنامج الشرق الأوسط بالمعهد الملكي للشئون الدولية (تشاتام هاوس) روزماري هوليس إن جزءا من المشكلة يكمن في الإيرانيين ذاتهم ليس لديهم سياسة منسجمة. يريد فريق في طهران عراقا مستقرا يمكن أن يفيدهم سياسيا واقتصاديا إلا أن فريقا آخر يهتم بأن تنسحب القوات الأميركية من العراق بعد أن تدحر وتلحق بها المهانة.
وقال باقر معين وهو محلل إيراني مقره لندن «هذا هو دليل الانقسام في سياستهم». وتتهم واشنطن طهران بأنها تشن حربا بالوكالة في العراق من خلال تدريب وتسليح الميليشيات الشيعية ولاسيما العناصر المارقة التابعة لـ «جيش المهدي» وذلك بغية استمرار بقاء حكومة العراق ضعيفة وهو اتهام تنفيه إيران.
ويقول ناصر إن طهران توسطت في اتفاق بين الصدر - الذي يعتقد انه يقضي قسطا كبيرا من وقته في إيران - ومنافسه الرئيسي المجلس الأعلى الإسلامي العراقي للحيلولة دون نشوب نزاع بين الجانبين في ميناء النفط الجنوبي في البصرة. إلا أن العلاقات القديمة لا تعني أن بوسع إيران التأثير لدى هذه الجماعات كما أنه لا يمكن أن تعتمد الجماعات على إيران
العدد 2003 - الجمعة 29 فبراير 2008م الموافق 21 صفر 1429هـ