منذ نحو 33 عاما، وتحديدا في العام 1975، كان يعمل متأخرا على إنجاز بعض الأوراق في مقر حزب العمال البريطاني في مسقط رأسه سكتلندا. سمع فجأة طرقا على باب مبنى الحزب، وعندما فتح الباب وجد شابا وسيما ملامحه غريبة عليه، هو الذي اعتاد في مدينته على الملامح البريطانية الأصلية. حدثه الشاب قائلا إنه من فلسطين، وقد جاء ليشرح لقادة الحزب قضية فلسطين، ولأن أحدا من قادة الحزب لم يكون موجودا حينذاك، ولأنه كان بدوره شابا في عمر 21 عاما يغمره الفضول، طلب من ضيفه أن يجلس معه ليشرح له قضيته. غادره ذلك الشاب الفلسطيني الوسيم بعد ساعتين من الشرح، غير أن قضية فلسطين لم تغادره منذ ذلك المساء وعلى مدى الثلاثة والثلاثين عاما التالية، تشربها حتى أصبحت في دمه، وأصبحت منذ ذلك المساء السبعيني قضيته، لازمته في حله وترحاله، وبقيت معه وهو يترأس حزبه، وهو يترقى في مناصب حزبه، وهو يشغل عضوية البرلمان البريطاني، نائبا عن منطقة بثناو غرين اند باو الانتخابية.
إنه النائب البريطاني جورج غالوي الذي ألقى محاضرة في البحرين بعنوان «فلسطين هي المفتاح» مساء أمس الأول في فندق الكراون بلازا عبر استضافة من قبل جمعية مناصرة الشعب الفلسطيني البحرينية، وذلك في حفل خيري أقامته الجمعية لرفع تبرعات للفلسطينيين المحاصرين في غزة، ونجحت من خلاله في جمع ما يقارب 30 ألف دينار بحريني، وسط حضور عدد كبير من الشخصيات، على رأسها نواب كتلة المنبر الإسلامي والنائبة لطيفة القعود.
وفي محاضرته التي ألقاها بالمناسبة قال غالوي: «على رغم أنها المرة الأولى التي أزور فيها البحرين، فإنني أذكرها في كل موقف أتحدث فيه عن فلسطين، عندما أقول عبارة شعب عربي واحد من مراكش إلى البحرين». وأضاف متهكما عن بريطانيا «عندما كنت صغيرا كنت أسأل والدي الايرلندي الأصل لماذا تسمى بريطانيا بالإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، فأجابني قائلا: لأن الله لا يمكن أن يثق بالبريطانيين في الظلام». وقاده ذلك للحديث عن أزمة فلسطين بقوله: «وعد بلفور كان جريمة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فكيف يمكن لشخص أن يعطي نيابة عن فئة من الناس، وعدا لأشخاص آخرين نيابة عن فئة أخرى من الناس، بمنحهم أرضا ليست لهم أو له؟... قام بلفور من خلال ذلك بمحو فلسطين من خارطة العالم، وقد سمعنا ما ذكره الرئيس الإيراني من تهديد بمسح «إسرائيل» من خريطة العالم، غير أنه لا يستطيع ذلك، بل إن «إسرائيل» هي التي تستطيع أن تمحو إيران من الخريطة نتيجة الدعم الدولي لها». وتحدث غالوي بحماسة عن معاناة الشعب الفلسطيني، بشكل يؤكد ما ذكره بأن القضية لم تعد بالنسبة إليه سياسية، وإنما شخصية، فقال: «عندما أسمع ما يقومون به من وصف الضحايا بالإرهابيين، أدرك كيف هو التناقض الذي أصبح أساسا في عالمنا اليوم. فمن يصفونهم بالإرهابيين هم اللاجئون، الذين لايزال أطفالهم يجيبونك عندما تسألهم عن مدينتهم بالقول إنهم من حيفا أو يافا أو القدس، على رغم أنهم لم يروها يوما. ولاتزال كل عائلة منهم تحتفظ بمفاتيح منازلهم التي سلبت منهم بين ليلة وضحاها، ويحلمون بالعودة إليها». وركز غالوي في حديثه على المعاناة في غزة فقال: «ما يصلكم عن غزة قليل من كثير، لقد رأيت بعيني عائلات تبحث في القمامة عن بقايا فاكهة تأكلها، لأنها لا تملك كسرة خبز، في مدينة تعتبر الأكثر كثافة سكانية في العالم، والأكثر فقرا... كل ما نراه يبين لنا أن الدم الإسرائيلي أغلى من الفلسطيني، فعندما يقتل مئات الفلسطينيين غالبيتهم من الأطفال لا يحرك المجتمع الدولي ساكنا، وعندما يقتل 8 طلبة إسرائيليين يتقدم السفير البريطاني منكسا رأسه بوافر التعزية... هذه هي المعايير غير الثابتة أو العادلة في العالم».
العدد 2021 - الثلثاء 18 مارس 2008م الموافق 10 ربيع الاول 1429هـ