العدد 2022 - الأربعاء 19 مارس 2008م الموافق 11 ربيع الاول 1429هـ

أبي لا تجبرني على الزواج!

ساقوها إلى بيته مرغمة. فالذي طلبها هو سيد القبيلة الذي لا يرد طلبه. كان اسمها الزباء بنت علقمة، في التاسعة عشرة من عمرها، عيونها كعيون البقر الوحشي، من أجل ذلك اختارها الحارث بن سليل سيد بني أسد وفارسها المغوار الأوحد لعقود طويلة من الزمان حتى يتزوجها وهو كهل قد فاتته الفتوة التي لم تفارقه أيام شبابه. ولكن الأب المسكين انبهر بهذا النسب الغالي وأدرك أن أبواب السماء قد تفتحت له حيث الحماية والمنعة والمال الكثير في مقابل فقط التضحية بفلذة كبده.

دخل الأب هاتفا بزوجته:

- إن الحارث بن سليل سيد قومه حسبا ونسبا ومنصبا وبيتا قد خطب ابنتنا الزباء ولا يجب أن ينصرف إلا بعد موافقتها.

ودخلت الأم على ابنتها الزباء تريد أن تحصل على موافقتها بالإقناع أولا بالعقل والمنطق قبل أن تقتنع عن طريق عصا الوالد المنبهر. قالت الأم للزباء: أي بُنَيَّتي أي الرجال أحب إليك؟ الكريم العاقل الذي يمتلك كل شيء أم الشاب الذي لن يكف عن النظر إلى غيرك من النساء والقفز عليهن كلما لاحت له فرصة.

ولكن الفتاة الذكية لم تنخدع بهذه المقارنة وأعلنت رغبتها صراحة في بيت وحيد من الشعر هو ما نطقت به لأمها:

يا أماه إن الفتاة تحب الفتى

كحب الرعاء أنيق الكلا

لم تتأثر الأم بأبيات الشعر كثيرا وواصلت ترغيب ابنتها، قالت: يا بُنَيّة إن الشباب شديد الحجاب كثير العقاب. فقالت الزباء لها: يا أماه أخشى من الشيخ أن يدنس ثيابي ويضيع شبابي ويشمت بي أترابي.

ولكن كل محاولات الأم لم تنفع حيث كان منطق الزباء هو الأقوى دائما، منطق الرغبة التي مازالت متوقدة في أعماقها والحياة التي تحلم فيها بفارس أحلامها الذي يلاعبها وتلاعبه.

انسحبت الأم ليدخل الأب مهددا ومتوعدا نزع السيف من غمده والرمح من ترسه وهتف بكلمات صارخة عن العار والشنار الذي سيلحق به إن لم تتزوج هذا السيد المغوار وأمام هذا وافقت المسكينة الزباء.

وانصرف شيخ بني أسد وقد ظفر بزوجته الفتية ولم يهتم كثيرا بأنها كانت دائمة البكاء، قليلة الأكل، عسيرة النوم. كان يكفيه أن يرى وجهها الجميل حتى يشعر بانفتاح شهيته فيأكل طعامه وطعامها أيضا.

وكان في المساء يحس بجسمها الدافئ المشدود بجانبه على الفراش فينتقل الدفء إلى عظامه الباردة ليغرق في نوم عميق.

الزباء ظلت تعيش بجانب الشيخ صامتة حزينة بلا شكوى ولا تألم، لا تظهر رغبة ولا ترفض أشبه بجثة حية تتحرك ولكنها لا تحس.

الشيخ لم يحس بالفتاة إلا ذات ليلة، كانت القبيلة كلها ساهرة نارها موقدة ورجالها ونساؤها جالسين أمام الخيام، ثم أقبل شباب من بني أسد يتصارعون، أجسامهم منتصبة وعضلاتهم مفتولة مشدودة تلتحم ببعضها ثم تشد، تبرز وتسترخي كانوا يثيرون الرمال ويلعبون بالنبل والحراب، فكل حركات المصارعة ورؤية الفتيان من أترابها تثير في نفس الزباء الألم والحسرة.

وهنا لم تتمالك الزباء نفسها وانخرطت في البكاء وهنا التفت إليها الزوج الفاني وهو يسألها: ما يبكيكِ؟ لم تستطع الزباء هذه المرة إخفاء مشاعرها. لم تحاول أن تجامله. صرخت في وجهه: ما لي والشيوخ الضعاف كالفراخ؟

ذهل الشيخ من جرأتها ثم نظر إليها في عجب ثم صرف بصره تجاه الفتيان وهم يتصارعون فأحس بجسمه يابسا مرتخيا ليس فيه عضلة واحدة مشدودة. ثم أصدر الزوج الحارث بن سليل سيد بني أسد قرارا بتطليق الزباء بنت علقمة في الحال.

وأصبحت المشكلة هي: كيف سيتلقى القرار ذاك الأب الذي أجبر ابنته على مثل هذا الارتباط.

العدد 2022 - الأربعاء 19 مارس 2008م الموافق 11 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً