طالب اقتصاديون وناشطون بحرينيون النيابة العامة البحرينية بالتحرك بسرعة وإجراء عملية تحرٍّ لكشف الضالعين في الدعوى التي رفعتها شركة «ألمنيوم البحرين» (ألبا) ضد الشركة الأميركية العملاقة (الكوا) في الوقت الذي بدأت فيه وزارة العدل الأميركية إجراء تحقيق جنائي في القضية التي اتهمت فيها «الكوا» بدفع رشا إلى مسئول بحريني رفيع المستوى (وزير سابق) في أكبر قضية فساد تشهدها البلاد.
كما عبروا عن تخوفهم من إمكانية لجوء «ألبا»، المملوكة بنسبة 77 في المئة إلى شركة «ممتلكات» الحكومية إلى «تسوية ودية» للخلاف مع شركة «الكوا» والحصول على تعويضات خارج نطاق القضاء بغية عدم توريط مزيد من المسئولين الحكوميين بعد كشف صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية اسم الوزير البحريني السابق الذي يعمل مستشارا في الوقت الحاضر واتهامه بالتورط في الفضيحة.
وقد حاولت «الوسط» الحصول على تعليق من المسئول المذكور عبر الاتصال به شخصيّا إلا أنه طلب الاتصال به في وقت لاحق.
وتشهد البحرين حملة ضد الفساد يقودها نائب جلالة الملك نائب القائد الأعلى صاحب السمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة الذي أعلن في وقت سابق من العام الماضي «مواصلة القيادة البحرينية للإصلاحات»، مضيفا «سنصل إلى أي وزير متورط في قضايا الفساد».
وقالت صحيفة «وول ستريت جورنال» أمس الأول إن وزارة العدل الأميركية فتحت تحقيقا جنائيّا في ادعاءات شركة ألمنيوم البحرين (ألبا) بأن شركة «ألكوا» متورطة في تقديم رشا على مدى 15 عاما بهدف رفع سعر الألومينا على «ألبا»مقابل عمولات تصل إلى صالح وزير سابق.
وذكر رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب عبدالجليل خليل أن جميع الخيارات مفتوحة الآن لدى مجلس النواب لاتخاذ ما يكفل الحفاظ على المال العام لكن مع استكمال البيانات المطلوبة.
وقال: «يجب عدم الانشغال عن قضايا الفساد بقضايا هامشية ما يعني إضاعة الأموال العامة التي يمكن أن تستخدم في خدمة المشروعات التنموية بدلا من أن تدخل جيوب المتنفذين».
من جانبه، قال الأمين العام لجمعية «وعد» إبراهيم شريف: «من الغرابة جدّا أن يتم الحديث في الصحف وتفتح السلطات الأميركية تحقيقا عن تورط مسئولين بحرينيين في قضية رشا بمليار دولار وتقف النيابة العامة في البحرين مكتوفة الأيدي من دون فتح أي تحقيق في الأمر. بينما تفتح وزارة العدل الأميركية تحقيقا وهي ليست صاحبة هذه الأموال لأن الأموال أموالنا».
وأضاف شريف : «النيابة تلاحق قضايا فساد صغيرة بملايين الدنانير فيما تسكت عن قضايا فساد بمئات الملايين من الدنانير... ليس من المقبول ألا تقوم النيابة العامة بأي تحرك لفتح تحقيق في ملف فساد كبير وتلاعب في المال العام».
ومضى شريف «القضية المرفوعة من قبل ألبا ضد الكوا قد تستغرق حتى 5 سنوات في المحاكم الأميركية كما أنه قد يكون لألكوا الحق في الاطلاع على دفاتر شركة ألبا ما يعني ظهور حالات فساد مستورة أكبر وتورط المزيد من المسئولين ... لذلك قد تلجأ ألبا لتسوية مع الشركة الأميركية والحصول على تعويضات بعيدا عن القضاء».
وعن التحقيق الجنائي الذي تقوم به وزارة العدل الأميركية بشأن دفع «الكوا» رشا وهو ما يخالف القوانين الأميركية؛ أوضح شريف «من المعروف أن الكوا هي إحدى أكبر الشركات الأميركية العملاقة ولها اتصالات مع إدارة بوش والجمهوريين وتقدم مساعدات إلى الحزب الجمهوري كما أن التحقيق قد لا يفضي بتورط الشركة لعدم كفاية أدلة، إذ إن التحقيق الجنائي سيحتاج إلى أدلة وإثباتات قوية وواضحة».
وأردف «على البحرينيين حماية أموالهم بأنفسهم والوضع الطبيعي في أي مكان أن تقوم النيابة العامة في أي بلد بالتحقيق في أي ادعاءات بوجود عمليات تعدي على المال العام بغض النظر عن سير القضاء في بلاد أخرى ... سريان قضية في الاتجاه نفسه في بلد آخر لا يعفي النيابة العامة البحرينية من القيام بدورها ولا يعفي شركة ممتلكات من التقدم بدعوى هنا ضد المرتشين».
وتحدث شريف عن قضية فساد سابقة لمسئولين في قسم التسويق في شركة «ألبا» قائلا: «المتهمون في هذه القضية يخضعون للتحقيق منذ نحو 6 أشهر وللتو تم تمديد حبس المتهمين على ذمة القضية 45 يوما إضافيّا وذلك بحجة جمع الأدلة. ألم تكف 6 شهور لجمع هذه الأدلة؟... هل من المنطقي يسجن المتهمون لفترات طويلة على ذمة القضية بسبب عدم كفاية المعلومات؟ لماذا لا يتم الإفراج عنهم بكفالة ماداموا لا يشكلون تهديدا مباشرا للمجتمع؟، إن هذا الوضع يعني أن يقضي المتهم سنوات في السجن ما يجبر المتهم على الإدلاء باعترافات غير حقيقية تحت ضغط هذه الظروف».
وأشار شريف إلى أن « قضايا الفساد الصغيرة ربما تجد طريقها إلى القضاء البحريني لكن من الصعب وصول قضايا الفساد الكبيرة إلى القضاء أو حتى العلن بسبب وجود مسئولين كبار خلفها».
وطالب شريف مجلس النواب البحريني بممارسة دوره، لافتا إلى أن تجارب فساد سابقة طلب من مجلس النواب عدم التدخل فيها لأخذها مسار التحقيق والقضاء ليبقى المتورطون في الفساد في مأمن من يد العدالة.
وتابع «أي مسئول فاسد يريد الخروج من طائلة أعماله ليس عليه سوى تحويل قضيته إلى القضاء بعيدا عن مجلس النواب لتستغرق هناك (في القضاء) سنوات قبل (موتها) وهذا ما حدث في عدد من القضايا».
وأردف «الحكومة تحاول إقناع مجلس النواب بأن الموضوع لدى القضاء وهذا خطأ ارتكبه النواب في السابق بسكوتهم وقبولهم بذلك».
وأشار شريف إلى أن المليار دولار التي يجري الحديث عن تقديمها رشا إلى المسئولين، قد تحل الكثير من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين فيما لو أنفقت من أجلهم.
وأضاف «مليار دولار في وسعها تحسين الأجور وتوفير السكن للمواطنين، فالوحدة السكنية تكلف 100 ألف دولار وهذا يعني أن هذا المال يوفر 10 آلاف وحدة سكنية للمواطنين ويعني كذلك تقديم علاوة الغلاء لعشر سنوات».
ووفقا لتقرير صحيفة «وول ستريت جورنال»، فإن «نحو ملياري دولار من المدفوعات من ألبا مقابل مادة الألومينا كانت تذهب إلى شركات صغيرة في سنغافورة وسويسرا وأيسل جورني, وفقا لسجلات المصارف والفواتير... وبعض من هذه الأموال كانت تعود في شكل مدفوعات رشا إلى مسئولين حكوميين في البحرين».
وتحدث رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب عبدالجليل خليل عن بعض الخطوات التي اتخذتها اللجنة فيما يتعلق بقضية الفساد في «ألبا» قائلا: «درسنا في اللجنة المالية تقرير ديوان الرقابة المالية للعام 2005 الذي أشار إلى ملاحظات تتعلق بمشتريات ألبا من الخام وخصوصا الأمونيا التي تضاعفت من العام 2004 إلى 2005، وعندما ظهرت قضية شركة الكوا ... تقدمت اللجنة المالية بطلب لدراسة الموضوع مع وزارة المالية وشركة ممتلكات للاطلاع على حيثيات القضية وتفاصيلها».
وأضاف «التقينا قبل نحو أسبوعين إذ انتدبت وزارة المالية طلال الزين لشرح الموضوع لكن الشركة طلبت من اللجنة المالية التحفظ على نشر أي معلومة حاليّا قد تضر بالقضية وطلبت بدلا عن هذا الاجتماع أن يكون هناك اجتماع مختصر بعيدا عن الإعلام مع رئيس اللجنة المالية أو فريق من اللجنة وحصلت الموافقة على ذلك لمتابعة الموضوع ... لأن اللجنة لا تريد أن تتأثر القضية المرفوعة ضد الشركة الأميركية بجوانب قد تضر بالموضوع».
وأضاف «كنا في اللجنة المالية نريد أن نتأكد من تفاصيل الدعوى المرفوعة في المحاكم الأميركية والجهات المتهمة في القضية على اعتبار أننا كنا نخشى ألا تشمل القضية المرفوعة جميع الجوانب وخصوصا أن المبالغ التي تحدثت عنها الصحافة الأميركية تصل إلى ملياري دولار فيما المبلغ المرفوع في القضية يبلغ مليار دولار».
وأكد خليل متابعة اللجنة المالية للقضية التي وصفها بأنها «من القضايا الأساسية في حماية المال العام».
وعلق خليل على ما نشرته الصحافة الأميركية بشأن قضية رشا «الكوا» لمسئولين في «ألبا» قائلا: «فتح وزارة العدل الأميركية تحقيقا في قضية فساد ألبا يعطي الموضوع بعدا آخر وأهمية كبرى على اعتبار أن القضية الأولى كانت من البحرين في محكمة مدنية أميركية ضد شركة الكوا أما اليوم فوزارة العدل الأميركية نفسها تقوم بالتحقيق في الموضوع نفسه وهناك أسماء بحرينية ذكرت الأمر الذي ينبغي متابعته».
ومن ضمن التهم الموجهة إلى شركة «الكوا» تقديم رشا إلى مسئولين حكوميين في الشركة والاحتيال، بهدف إرساء الصفقات بأسعار أعلى من أسعار السوق.
وقالت «ألبا» في دعواها ضد «الكوا» إن الشركة الأميركية كانت تزيد أسعار الألمونيا بنحو 65 مليون دولار سنويّا عن السعر الحقيقي ولمدة 15 عاما من 1993 إلى 2007، ما يعني أن ألبا خسرت مليار دولار خلال هذه السنوات وهو المبلغ الذي تطالب به.
ورفعت «ألبا» دعوى قضائية إلى المحكمة الفيدرالية المختصة في ولاية بنسلفانيا ضد «الكوا» تطالب بتعويضات تبلغ مليار دولار.
من جانبه، أشار النائب عبدالعزيز أبل إلى أن قضية فساد «ألبا» تحظى بمتابعة شركة «ممتلكات» والجهات المعنية وأن القضية تأخذ مسارها القانوني في القضاء الأميركي، لافتا إلى أن تدخل وزارة العدل الأميركية في الموضوع يشير إلى وجود أسس قانونية قوية للقضية.
وشدد أبل على أهمية أن تعاد الأموال العامة المسلوبة إلى الخزانة العامة للدولة لإنفاقها على المشروعات العامة.
ودعا أبل إلى تعميم تجربة «ممتلكات» ومجلس التنمية في استجلاب شركة «كول» المعروفة عالميّا في التدقيق الجنائي لمكافحة الفساد في بعض الشركات، مضيفا أن ذلك «يدلل على نية ممتلكات الصادقة في مكافحة الفساد».
أما بشأن السرعة التي تقوم بها «ممتلكات» لمواجهة الفساد، فقد قال أبل: «هناك تدرج بسيط ... لكن أعتقد أن ممتلكات بدأت بخطوات إيجابية تشكر عليها في قضايا في ألبا وطيران الخليج، هذه الخطوات قد تتطلب بعض التدرج».
ولفت إلى أن مجلس النواب طالب بأن تستخدم جهود «كول» في كشف عدد من الحوادث التي تنامت إلى سمع المجلس.
وتحدث أبل عن أهمية أن يرصد ديوان الرقابة المالية حالات الفساد التي حدثت، مقدرا خصوصية الديوان بوصفه «جهاز تدقيق إداري ومالي» فيما تعتبر «كول» جهاز تدقيق جنائيّا.
كما نوه أبل إلى أهمية تطوير قوانين تصب في مكافحة الفساد ووضعها حيز التطبيق.
يذكر أن فعاليات سياسية واجتماعية وعمالية وممثلين عن مؤسسات المجتمع المدني دعت إلى ضرورة الإسراع في تصديق حكومة البحرين على الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، في الوقت الذي أكدوا فيه ضرورة إنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد، تمثل فيها مؤسسات الدولة ذات العلاقة ومؤسسات المجتمع المدني علاوة على القطاع الخاص.
وكان عضو لجنة الشئون الخارجية والدفاع والأمن الوطني عضو كتلة «الوفاق» النائب جلال فيروز طالب الحكومة بالبدء في عمل الإجراءات اللازمة لانضمام البحرين إلى الاتفاق الدولي لمكافحة الفساد.
وقال فيروز: «إن انضمام البحرين إلى الاتفاق الدولي لمكافحة الفساد أو انضمام أية دولة من شأنه أن يرفع الرصيد الدولي للدولة الموقعة ويبين جدية الحكومات في مكافحة الفساد».
وأشاد المسئولون بالطريقة التي تعاملت بها «ممتلكات» التي يعين مجلس إدارتها «مجلس التنمية الاقتصادية» مع ملف الفساد وقيامها بخطوات وصفت بـ»الجريئة» في فضح حالات الفساد وآخرها قضية رشا «الكوا».
وعبر النائب خليل عن تضامنه مع خطوات مكافحة الفساد قائلا: «نحن نقف مع الخطوات التي يقودها نائب جلالة الملك في مكافحة الفساد التي يجب أن يمتد مفعولها ويحاكم من تورط في اللعب بأموال المواطنين».
وثمن خليل الخطوات التي تقدمت بها شركة «ممتلكات» في مكافحة الفساد منوها إلى حاجة هذه الخطوات إلى دعم ومتابعة السلطة التشريعية.
وكان نواب وناشطون أكدوا في وقت سابق أن الإصلاح السياسي والاقتصادي مدخل لمحاربة الفساد، بينما أشادوا بالخطوات التي بذلتها مملكة البحرين على صعيد مكافحة الفساد.
لكنهم ذكروا أن البحرين لم تنجح حتى الآن في محاسبة أي وزير قضائيّا عن قضايا الفساد والتلاعب بالمال العام على رغم صدور 3 تقارير لديوان الرقابة المالية.
وأوضح هؤلاء أن البحرين شهدت خطوات مختلفة على صعيد مكافحة الفساد، وأعلن كبار المسئولين أن المملكة ماضية قدما في مواجهة غول الفساد المالي والإداري الذي يستنزف الكثير من الموارد.
وكان أكثر التصريحات المحاربة للفساد هذا العام ما صرّح به نائب جلالة الملك سمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة لـ «الوسط» أن «يد مواجهة الفساد ستطول أي وزير متورط في الفساد»، وذلك، في أعقاب تأسيس شركة «ممتلكات» لإدارة الحصص الحكومية في الشركات الوطنية وعلى رأسها «طيران الخليج» التي تخضع لعملية هيكلة واسعة في أعقاب الخسائر المليونية التي تكبدتها الشركة في عهد الإدارات الأجنبية السابقة.
ويقود مجلس التنمية الاقتصادية خططا طموحة من أجل تعزيز الاقتصاد البحريني وترويج البحرين لتكون جاذبة للاستثمارات الأجنبية.
العدد 2025 - السبت 22 مارس 2008م الموافق 14 ربيع الاول 1429هـ