قالت مصادر أميركية إن شركة ألمنيوم البحرين (ألبا)، التي رفعت قضية في المحاكم ضد الشركة الأميركية العملاقة «الكوا» تتهمها بتقديم رشا إلى مسئولين بحرينيين وأجانب وتطالبها بدفع مليار دولار، «لن تعارض بقاء القضية مدنية»، وهو ما أثار مخاوف من أن تلجأ شركة «ألبا» إلى التوصل إلى اتفاق مع «الكوا» خارج المحكمة وإنهاء الموضوع.
ويأتي هذا بعد أن قررت وزارة العدل الأميركية تحويل القضية من مرافعة «مدنية» إلى تحقيق «جنائي» بحسب القانون الأميركي «The Foreign Corruption Practices Act (FCPA)»، وهو قانون يمنع الشركات الأميركية من تقديم أية رشا إلى مسئولين في بلد آخر بهدف تسهيل مهماتها.
وكانت صحيفة «وول ستريت جورنا» الأميركية قد نسبت في 21 مارس / آذار الجاري تصريحا إلى محامي الحكومة البحرينية مارك مكدوغال قال فيه «إن (ألبا) لن تعارض بقاء القضية في المحكمة المدنية». غير أن مراقبين قالوا لـ «الوسط» إن المحاكمة المدنية تعني إمكانية الوصول إلى تصالح خارج المحكمة، بحيث تسترجع شركة «ألبا» جزءا مما طالبت به، ويمكن بعد ذلك إلغاء القضية. ولكن المصالحة لن تكون ممكنة في حال كان الملف بيد وزارة العدل التي تتولى تحقيقا جنائيا يعاقب عليه القانون في حال ثبتت التهمة. هذا في الوقت الذي طالب فيه اقتصاديون وبرلمانيون وناشطون بحرينيون «النيابة العامة البحرينية التحرك بسرعة وكشف الضالعين في القضية بصفتها لجنائية، تماما كما بدأت وزارة العدل الأميركية تحقيقها الجنائي».
وقد أوضحت الدعوى التي رفعتها «ألبا» أن شركة «الكوا», وعلى مدى 15 عاما, خصصت عقود التزويد إلى مجموعة من الشركات التي أسسها مستشار يحمل الجواز الكندي ويعيش في بريطانيا ومولود في الأردن، وهو شريك لـ «الكوا»، كطريقة سرية لدفع رشا وعمولات غير قانونية كجزء من إطار للحصول على مناقصات تزويد «ألبا» بمادة الألومينا، وان «ألبا» دفعت ملياري دولار أكثر من سعر السوق، في مقابل تحويل جزء من ذلك المال إلى مسئول بحريني.
وقالت الدعوى التي رفعت «ألبا» نهاية شهر فبراير/ شباط الماضي في محكمة بولاية بنسلفانيا الأميركية إنها دفعت ملياري دولار منذ العام 1993 وكانت هذه تذهب إلى شركات صغيرة في سنغافورة وسويسرا وجزيرة غيرنسي، طبقا لسجلات المصارف والفواتير، وان بعضا من هذه الأموال كانت تعود في شكل مدفوعات رشا إلى مسئولين حكوميين في البحرين كانوا مسئولين ومشرفين على توقيع العقود وإرساء المناقصات مع الشركة الأميركية.
وكان نائب جلالة الملك سمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة قد صرح في سبتمبر/ أيلول الماضي بأن «يد المحاسبة ستطال أي وزير يثبت تورطه في قضايا الفساد، وأن حملة مواجهة الفساد لن تستثني أحدا»، واعتبرت الفعاليات السياسية والاقتصادية تصريح سموه بمثابة برنامج عمل ومخطط ضد الفساد، ووسيلة اطمئنان للمواطنين والمستثمرين المحليين والأجانب على المال. كما أكدوا أن « تفعيل مثل هذه التصريحات يمكن أن يتم عبر دعم السلطة التشريعية والرقابية في محاولاتها للكشف عن الفساد»، داعين إلى «عدم السماح للأشخاص المتنفذين بإيقاف محاولات الكشف عن مواطن الفساد، معتبرين أن مكافحة الفساد إنما هي مسئولية كل الأطراف في الدولة، وأنها لن تتحقق إلا من خلال تحديد آليات محددة يتم العمل في إطارها».
وكان «البنك الدولي» قد أصدر مؤشرات الحكم الصالح في 10 يوليو/ تموز الماضي وغطى أكثر من 200 دولة في أنحاء العالم، وأوضحت المؤشرات أن البحرين شهدت تراجعا في العام 2006 في مستوى الشفافية ومكافحة الفساد عند مقارنتها بالعام 2002. كما طرحت المؤشرات مستوى نزاهة القضاء وسرعته وفاعليته وطرق تطبيق العدالة، والأساليب المتبعة من قِبل قوات الأمن لضبط الالتزام بالقانون، ضمن تقييمها للوضع في البحرين.
وفي مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي كشف وزير شئون النفط والغاز ورئيس مجلس المناقصات عبدالحسين ميرزا عن «تشكيل لجنة حكومية لبحث ملابسات تراجع مستوى مملكة البحرين في مكافحة الفساد وفق مؤشر مدركات الفساد» الذي صدر عن منظمة الشفافية الدولية وسجل تراجعا للبحرين من المرتبة 36 في 2006 إلى المرتبة 46 في 2007. وأضاف ميرزا حينها أن «الاجتماع الأخير لمجلس التنمية الاقتصادية ناقش هذه المسألة، وأعددنا بحثا خاصا وتبيّن لنا أنّ هناك الكثير من سوء الفهم في طريقة طرح المعلومات، وأقر المجلس لجنة تختص في كيفية تصنيف الجهات الحكومية وفق الآليات التي يتطلبها التقرير الدولي».
وأوضح ميرزا «نحن في البحرين قمنا بجهود كبيرة لتحسين الشفافية من خلال خلق مؤسسات ومن خلال حملة متابعة لضمان النزاهة، وبذلنا جهدا كبيرا في هذا الصعيد، وليس من المنطقي أن يتراجع موقع البحرين في تقرير مؤشرات مكافحة الفساد، وخصوصا نحن نعلم جيدا أن ما قمنا به من جهد كبير لم تقم به حكومات أخرى، على رغم أن التقرير صنفها في مراتب أعلى من الدرجة التي منحها للمملكة، وهذا يكشف وجود خلل في توصيل قنوات المعلومات إلى المنظمة، وسنعمل على تدارك ذلك».
وكان عدد غير قليل من النواب قد طالب بالتصديق على الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، وان مثل هذه الاتفاقية وضع وتنفيذ أو ترسيخ سياسات فعالة منسقة لمكافحة الفساد، تعزز مشاركة المجتمع وتجسد مبادئ سيادة القانون وحسن إدارة الشئون والممتلكات العمومية والنزاهة والشفافية والمساءلة، وان تسعى الدولة إلى إرساء وترويج ممارسات فعالة تستهدف منع الفساد، وان تعمد إلى إجراء تقييم دوري للصكوك القانونية والتدابير الإدارية ذات الصلة، بغية تقرير مدى كفايتها لمنع الفساد ومكافحته، وان تتعاون مع الدول ومع المنظمات الدولية والإقليمية ذات الصلة بهدف تعزيز وتطوير التدابير الرامية إلى منع الفساد.
العدد 2026 - الأحد 23 مارس 2008م الموافق 15 ربيع الاول 1429هـ