العدد 2040 - الأحد 06 أبريل 2008م الموافق 29 ربيع الاول 1429هـ

محمد خير الورى

هناك حيث وقف رجلان يغشى وجهيهما نور غريب، رجل وابنه تميزت بهما صحراء قاحلة، وأمامهما بيت شاء الله أن يكون بيتا لهما. توجها نحو السماء وخلفهما صلت الملائكة ورددت معهما بانسجام وخشوع: «رب اجعل هذا البلد آمنا وأرزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر»، فصعدت في ذلك اليوم كلمات استجاب الله لها... حشد من البشر تراصوا حول ذلك البيت فبدوا وكأنهم شلال ابيض من التسبح والصلاة، إذ سبحت الأرض معهم وزاحمتهم الملائكة، وعلى مقربة من هذا الزحام، أنبئت آمنة بخير يغمر روحها فيفيض من ثناياها ويهطل على البشر نورا، وعهدا من الرحمة.

أحست بتواضع الارض لها، واقتراب السماء منها، عند ذلك أبصرت الشياطين ترجم بلهيب النجوم، وتلقى في كبد الارض مذعورة مما حوت آمنة، فرمقت ولدا للتو وضعته بهدوء وابتسمت، فنادى منادٍ في السماء العلى ولد سيد الخلق وأطهرهم وسجدت أرواح الأنبياء بقدوم آخرهم، فهوت الأصنام ترتعد فيها الحجارة، وقال أبو طالبٍ: أسميت هذا اليتيم (محمد) فتفجر في الأرض نور أبصره المؤمنون...

ذاع صيت محمد ذلك الفتى الأمين، ما أروع محياه، وما أحلى طلته، وقالت خديجة: «اخترتك فهل تقبلني؟» فتدفقت فاطمة من هذه الكلمات، وتدفق من روحه في خلاء من الناس وفي حضورٍ للحجارة خوف، فعاد وقال: «دثروني» وبدأت قصة الرحمة تنساب من دعوة الله لنبيه.

هذا محمد، يمسك بيد صبي لم يتجاوز العاشرة ويتفوه بكلمات تشبه الدعوة إلى الخير والصلاح، ويقابل بأكوام من الكفر والحجارة، إلا أصحاب الله ورسوله فقد حملتهم قافلة نحو مدينة نورها الله بمحمد (ص)، وأصبحوا منذ ذلك اليوم مهاجرين إلى الجنة.

حطت القافلة، انسابت من الأفواه كلمات فرح وحب واعتزاز فقالت: «طلع البدر علينا من ثنيات الوداع، وجب الشكر علينا ما دعا لله داع، أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع، جئت شرفت المدينة مرحبا يا خير داع...» حتى بركت ناقة الله في أرض فأصبحت مسجدا... تمضي أيام الأرض بسرعة ويكبر محمد فيها بروحه الكبيرة أكثر، وتتجاوز رسالته حد قلوب المهاجرين والأنصار، فتجري في الأرض كماء طهور يطهر ما حوت من عظام نخرة، فباتت يد الله ترمي الكفر وتمسك نصفا من كرة الأرض كتبت له رحمة ومغفرة، ليعتلي منه اسم «لا إله إلا الله ومحمد عبده ورسوله»... اليوم يقف محمد حيث وقف الرجلان منذ أمد بعيد، ومعه رجل أحبه الله ورسوله، يكسو ملامح وجهه سكون محير، وتعتلي شفتيه ابتسامة، وهو يقول بوحي من الله: «وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين»، وبعد ذلك بسنتين كسا الأرض سكون موحش وبللت الأفئدة دموع تنعى الحبيب.

شيماء الجزيري

العدد 2040 - الأحد 06 أبريل 2008م الموافق 29 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً