إن مفهوم التمكين يتضمن جانبا مهما من الممارسة والتطبيق على أرض الواقع، ويجذبنا هذا التمكين إلى حال الوجود من عدم وإلى وضعية الاشتقاق من ضمن.
لعل الكلام في بدايته مبهم والأسطر السابقة غامضة، من ذلك آتي إلى إبداء رأيي بشأن هذا الموضوع بجانب من الوضوح والتحليل بصورة أكبر، وفق منطلق حاجة المرأة إلى الوجود بصورة أكثر جدية في سلطات الدولة الثلاث وأهمها التشريعية.
إن الإشكال العميق الذي يواجه المرأة في حنايا مجتمعاتنا العربية، وخصوصا الخليجية منها، هو النظرة الناقصة التي تتلقف منجزات النساء ودورهن من قبل الرجال المثقفين والمتعلمين قبل غير المتعلمين أو المثقفين، إذ يتم حصر المرأة في النواحي الاجتماعية فقط.
إشكالات قانونية كثيرة تلكم التي تلوح وتشوه التمكين للمرأة، وهي:
أولا: المشكلة القانونية في التمكين للمرأة متى ما سلمنا بأن التمكين يبدأ بالتمثيل البرلماني: إن إتاحة التمثيل بصورة أفضل للمرأة في البرلمان لتمارس دورها الرقابي والتشريعي يتطلب نظرة محايدة من قبل المجتمع، وتفهما عميقا لإمكانات المرأة في التطوير والنهوض، من ذلك فالضرورة ملحة لإيجاد منفذ لدخول النساء للبرلمان، وهو ينحصر في النواحي الآتية:
- إيجاد حد أدنى للمقاعد التي تشغلها النساء في البرلمان وهنا نسوق الآتي:
إن الدول متباينة في طريقة تعاملها مع موضوع تمثيل المرأة في البرلمان، فهناك:
(أ) نظام الحصة (الكوته): وهو تخصيص نسبة مقاعد معينه للمرأة، والنص على ذلك في الدستور، ولكن هذا الاعتبار بات غير ذي جدوى لأنه يتناقض مع مبدأ المساواة بين المواطنين، ويظهر هذا التناقض من خلال تمييز فئة على أخرى في الدستور.
(ب) ضمان التمثيل من خلال الدوائر الانتخابية: ويكون ذلك بتخصيص مقاعد معينة للتنافس بين المترشحات النساء فقط، فيما تسمى بـ (دوائر المرأة)، ولعل هذا الاعتبار هو الأقوم للتطبيق في مملكة البحرين إن أردنا تمثيلا مناسبا للمرأة في البرلمان.
(ج) نظام القوائم: وذلك بتحديد ترتيب وتدرج معين للمرأة في القوائم الانتخابية للجمعيات السياسية.
ولعل ما قد يضاف إلى النقطة (ب) هو الحاجة الاستباقية إلى تفهم المجتمع لهذه النوعية من الدوائر الانتخابية التي يكون الغرض منها تقويم المساواة لا المساواة في ذاتها.
ثانيا: مشكلة التمثيل في الجمعيات السياسية:
ويقصد من ذلك إيجاد نوع من التفهم والقبول لدى قيادات الجمعيات السياسية بضرورة وجود المرأة في مجلس النواب من خلال الدعم اللوجستي بكل طرائقه لمترشحات هذه الجمعيات من الجنس اللطيف، ويمكن أن يتم ذلك من خلال:
- مبدأ التحفيز والترغيب: ويكون ذلك من خلال تقديم حوافز للجمعيات السياسية في حال ترشيح المرأة.
- أن يلزم قانون الجمعيات السياسية هذه الجمعيات بعدد محدد كحد أدنى للمترشحات من الجمعية.
ولكن رغما عن ذلك فإنه لا مانع من أن نطرح الأسئلة الآتية بوجوه ملؤها الاستغراب والذهول: لماذا لا تنتخب المرأة نفسها فتذهب أصواتها إلى الرجال؟ وهل الأسرة والزوج يمثلان عائقا في وجه طموح المرأة في العمل السياسي؟ ثم لماذا يتنامى النشاط النسائي في المنظمات الأهلية بصورة أكبر بكثير مقارنة بالعمل السياسي؟
عل هذه الأسئلة تبين أن المشكلة ليست قانونية أو مجتمعية فقط، بل هي مشكلة نابعة من المرأة نفسها ونظرتها إلى ذاتها، إذ لا تكون المرأة متحمسة ومندفعة للتصويت لأخرى من بنات جنسها، ولا تتحرج في التصويت للرجال ظنا منها أن الرجال هم أقوم عقلا وفق مدلول الإطلاق وأبين قدرة من النساء، وهو ظن قاصر.
أسوق في خضم هذا المقال ما حدث في التجربة المصرية التي مرت بالكثير من التحولات فيما يخص التمكين للمرأة، إذ نص القانون رقم 41 للعام 1979 بتخصيص 30 مقعدا كحد أدنى لضمان تمثيل المرأة في البرلمان، ثم صدر القانون رقم 114 للعام 1983 الذي رفع عدد مقاعد المرأة بمجلس الشعب إلى 31 مقعدا، ثم صدر القانون رقم 188 لسنة 1986 الذي لم يخصص أي مقاعد للمرأة بمجلس العبء (مجلس الشعب) تخوفا من الطعن بعدم الدستورية لهذا التخصيص.
ختاما، إن التمثيل البرلماني للمرأة هو نقطة البداية للتمكين، ولعل التمكين للمرأة يتطلب الوعي الذاتي لدى النساء بقدرات بنات جنسهن أولا، ومن ثم الانطلاق للتمكين عن طريق التشريع والبرلمان.
عبدالجبار أحمد الطيب
رئيس العلاقات العامة والإعلام بجمعية الحقوقيين البحرينية
العدد 2044 - الخميس 10 أبريل 2008م الموافق 03 ربيع الثاني 1429هـ