هل تفكر في التخلص من هاتفك المحمول؟ فكر ثانية... فربما ينبغي عليك أولا أن تنقب فيه عن الذهب والفضة والنحاس ومجموعة من المعادن الأخرى الداخلة في تركيب الالكترونيات والتي ارتفعت أسعار كثير منها إلى مستويات شبه قياسية.
ويطلق على هذا النشاط اسم «التعدين الحضري» وهو البحث في المعادن الخردة في المنتجات الالكترونية القديمة عن معادن مثل الذهب والايريديوم وهو (البحث) صناعة متنامية في أنحاء العالم مع صعود أسعار المعادن إلى مستويات قياسية.
وتستخدم المعادن التي يتم استخلاصها في صناعة أجزاء الكترونية جديدة ويتم صهر الذهب وغيره من المعادن الثمينة وبيعها لصانعي المجوهرات والمستثمرين وكذلك المصنعين الذين يستخدمون الذهب في صناعة لوحات الدوائر الكهربية بالهواتف المحمولة نظرا لأن الذهب موصل فائق للكهرباء بدرجة أفضل حتى من النحاس.
وقال رئيس شركة «إيكو سيستم ريسيكلينغ» تاداهيكو سيكيغاوا وهي شركة لتدوير المعادن تابعة إلى شركة «دوا» القابضة «يمكن أن تكون معادن نفيسة أو رخيصة... نريد تدوير كل ما بوسعنا تدويره». وتشير دراسة لشركة «يوكوهاما ميتال» وهي شركة أخرى تعمل في مجال التدوير إن الطن الواحد من الخام المستخرج من منجم للذهب ينتج 5 غرامات فقط من المعدن الثمين في حين أن الطن من الهواتف المحمولة المهملة يمكن أن ينتج 150 غراما أي نحو 5,3 أوقيات (أونصة) أو أكثر.
كما يحتوي الطن من الهواتف المحمولة المهملة على نحو 100 كيلوغرام من النحاس وثلاثة كيلوغرامات من الفضة من بين معادن أخرى. واكتسبت صناعة التدوير أهمية مع صعود أسعار المعادن إلى مستويات قياسية. فالذهب يجري تداوله قرب 890 دولارا للأوقية (الاونصة) بعدما وصل إلى مستوى قياسي بلغ 1030,8 دولارا في مارس/ آذار.
كما يجري تداول النحاس والقصدير قرب مستويات قياسية فيما تجاوزت الفضة متوسطات أسعار طويلة الأجل.
وتدوير الالكترونيات أمر منطقي بالنسبة إلى اليابان التي تملك موارد طبيعية قليلة لتغذية صناعة الالكترونيات لديها البالغ حجمها مليار دولار في حين توجد بها سنويا عشرات الملايين من الهواتف المحمولة القديمة وغيرها من الآلات الالكترونية الاستهلاكية المهملة.
وقال مدير مصنع التدوير التابع إلى شركة «إيكو سيستم»، إذ يتم تفكيك أكوام من الهواتف المحمولة المهملة وغيرها من الآلات الالكترونية بسبب قيمتها المعدنية، نوزومو ياماناكا: «بالنسبة إلى البعض... ما هي إلا جبل من القمامة... لكن بالنسبة إلى آخرين فهي منجم ذهب». وفي المصنع الكائن في هونغو على بعد 80 كيلومترا جنوب غربي العاصمة (طوكيو) يحصد سوسومو أراي بعضا من تلك الثروة. وينساب شريط من الذهب المصهور إلى قالب إذ تلفحه النار لبضع دقائق قبل أن يتحول إلى الحالة الصلبة ليتشكل قالب يزن ثلاثة كيلوغرامات من الذهب بقيمة تبلغ نحو 90 ألف دولار بالأسعار الحالية. وقال أراي الذي كان يرتدي نظارة واقية لحماية عينيه أثناء العمل: «إنه امتلأ رعبا عندما بدأ عمله هذا قبل نحو عامين». لكنه أضاف «أما الآن فإنني استمتع بالقدرة على استخلاص ليس الذهب فحسب وإنما جميع أنواع المعادن».
ويتم أولا فرز وتفكيك الالكترونيات المهملة وغيرها من المخلفات الصناعية الأخرى باليد. ثم يتم وضعها في مواد كيميائية لإذابة المواد غير المرغوب فيها ثم يتم بعد ذلك تكرير المعادن المتبقية.
وتأسست «ايكو سيستم» قبل نحو 20 عاما قرب طوكيو وتنتج شهريا ما بين 200 و300 قالب من الذهب بدرجة نقاء 99,99 في المئة وبقيمة تتراوح بين 5,9 و8,8 ملايين دولار. ويعادل هذا تقريبا إنتاج منجم ذهب صغير. وتستخلص «ايكو سيستم» الذهب أيضا من رقائق الذاكرات القديمة والكابلات وحتى الحبر الأسود الذي يحتوي على الفضة والبلاديوم.
غير أنه على رغم تزايد الاهتمام بالبيئة وإعادة التدوير إلا أن هذه الصناعة تواجه مصاعب جمة في الحصول على ما يكفي من الهواتف المحمولة المهملة لتغذية مصانعها.
ويستخدم سكان اليابان البالغ عددهم 128 مليون نسمة الهواتف المحمولة لمدة تبلغ في المتوسط عامين وثمانية أشهر.
وقال المدير بوزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة اليابانية يوشينوري ياجيما: «إنه على رغم أن عددا كبيرا من الهواتف المحمولة يتخلى عنها أصحابها سنويا إلا أن ما بين 10 و20 في المئة فقط يعاد تدويرها لأن الناس عادة يفضلون الاحتفاظ بها في خزانات ملابسهم بسبب مخاوف بشأن البيانات الشخصية المخزنة عليها».
وتشير أرقام صناعية إلى أنه تم جمع 558 طنا من الهواتف المحمولة القديمة بهدف تدويرها في العام الذي انتهى في مارس/ آذار بانخفاض بلغ الثلث عما تم جمعه قبل ذلك بثلاث سنوات.
ومع ارتفاع أسعار المعادن تواجه الصناعة اليابانية منافسة متزايدة على الخردة وهو ما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها. وقال المسئول بشركة «دوا» تاكاشي موريس: «نواجه مزيدا من المنافسة من جانب شركات صينية... وبالطبع تتجه البضائع إلى حيث توجد النقود».
وفي مواجهة ذلك تقوم الشركات اليابانية باستيراد لوحات الدوائر الكهربية المستعملة من سنغافورة وإندونيسيا نظرا لأنها تحتوي أيضا على معادن رخيصة تحرص اليابان على استخلاصها. وهذه المعادن مثل الانديوم - وهو عنصر أساسي في إنتاج التلفزيونات ذات الشاشات المسطحة وشاشات الكمبيوتر - والانتيمون والبزموت لا غنى عنها في صناعة كثير من المنتجات عالية التقنية. غير أنه ليس من السهل دائما الحصول عليها إذ شددت الصين القيود على الصادرات ما جعل من الصعب على المصنعين اليابانيين شراؤها. وهذا سبب دخول شركات «التعدين الحضري» هذا المجال. وقال سيكيغاوا رئيس «إيكو سيستم»: «نأمل أن نكون قادرين على مساعدة المصنعين اليابانيين الذين يحتاجون تلك المعادن».
العدد 2061 - الأحد 27 أبريل 2008م الموافق 20 ربيع الثاني 1429هـ