العدد 2064 - الأربعاء 30 أبريل 2008م الموافق 23 ربيع الثاني 1429هـ

العزف على الكورار

في ذلك الوقت كنت أتردد على بيت الكورار الذي افتتح بالمحرق. ومنذ اللحظة الأولى فتنتني حركات يد النساء وهن ينسجن غرزات الذهب المقصب. كانت الأيدي تتحرك في انسجام مع الأجسام، وكانت أجساد الناسجات تتناغم مع بعضها بعضا. على أن الشيء الذي أذهلني هو أن تلك الحركات، والخيوط الممتدة بين الأيدي، والبكرات وسائر الأدوات، لم تأخذ بمخيلتي كموضوعات مرئية، بل كموضوع مسموع. بدت لي كلها كسيمفونيات موسيقية، وبدت لي الأصابع منغمسة كليا في عزف متسق، وبرزت الأجساد وكأنها قامات لمؤديات على مسرح ينظم حركتهن مايسترو غير مرئي. وامتدت الخيوط أمام ناظري لتطبع نفسها في قلبي والدماغ، ليست كامتدادات من الذهب المقصب ببريقه الأخاذ، وإنما كسطور لمعزوفة تأتي إشارات النوتة لتستقر في خيالي بينها وعليها.

*****

كان الانتقال من المرئي للصوتي هو انتقال من المحسوس بصريا إلى المجرد. كان الإعجاب بتلك الحركات، والتفاعل معها حتى الانصهار يتطلب طريقة مختلفة للتفاعل مع الموضوع. تركت الإعجاب، واستسلمت لسكِينة قسرية، وتركت الأمر لعقلي ليذهب في إجازة ويحاول أن يحل المشكلة بحسب وقته. كان الأمر أكثر من احتمالي، ولم تسعفني أدواتي الفنية التي بين يدي في إيجاد الحلول.

*****

كانت العمة شريفة إحدى البارعات في الكورار، وهي مهنة تتطلب بصرا قويا وعينا حادة، ولذلك شهر عن العمة احتفاظها بحاسة نظرها قوية إلى أخريات أيامها. ولكن الوالدة أخذتني إلى عوالم أكثر سحرا: كانت هناك آمنة قراطة من المنامة التي فقدت بصرها ولكنها احتفظت ببراعة لا تجارى في التطريز على الكورار عبر المشاركة الجمعية، فكأنها عازف ضرير، أدى به فقدان حاسة النظر إلى أن تحل محلها حاسة اللمس.

*****

التغير الأهم هو شعوري بأنه بات ممكنا للموسيقى أن تجد صداها في الحركات والخطوط والعلامات الموسيقية المتخيلة التي تنتثر في كل مكان. وبقدر ما كبرت اللوحات في المساحة، بقدر ما أخذت تضج بقدرتها التعبيرية، وتشعرني بأن تفاعلي معها بات مستطاعا.

*****

أخذت أشعر أنه يمكن لتلك اللوحات أن تعبر عن إجلالي لجهود مئات من النسوة اللاتي انحنين على قطع القماش لساعات وأيام في بحرين الأمس وهن ينسجن خيوطا ذهبية، وينتجن فنا، ويراكمن إبداعا. كن من جيل طرز بجهده خريطة البحرين كما عرفناها ووصلت إلينا. كانت الوالدة تقص عليّ قصصهن، فأحملهن معي في المساء، فتتهادى بطلاتها أمامي وأنا أنفذ لوحاتي.

****

كنت أجهد بدوري لكي أوجد شيئا يمكن أن يكون مادة يتشارك فيها الكثير من أبناء البحرين وبناته، ومن خارج تلك الجزر. كنت أود بعملي أن يفتح المجال ليكون نسيجا لتذوق واسع يمتد بمقدار ما ينطلق طموحي، وبمقدار ما انقدح في نفسي من مشاعر، وبقدر ما يتطلب عملي أن أنطلق من بيئتي المحلية لأتحدث بلغة عالمية، وأن أجهد للإتيان بمفردات ولغة يفهمها أي إنسان من أي مكان.

بثينة فخرو

فنانة تشكيلية ومصورة فوتوغرافية

رئيسة قسم التصوير بصحيفة «الوقت»

- بكالوريوس علم نفس لبنان.

- الدبلوما الوطنية العليا في الزجاج المعشق من نورث ويلز بريطانيا.

- طباعة جرافيك، جامعة أنجليا بولتكنيك - كيمبردج، بريطانيا.

الأعمال الفنية:

- عرضت في البحرين وإنجلترا واسكتلندا والكويت وعمان وقطر والرياض والشارقة وفرنسا.

- لها تسعة معارض منفردة وستة عشر معرضا مشتركا ما بين العام 1995 و2007.

- ساهمت في تصوير كتاب «56 امرأة» بتكليف من المجلس الأعلى للمرأة في 2006.

- تدير مشغلا فنيا في مركز الحرف في المنامة.

- اقتنيت أعمالها ضمن مجموعات خاصة في البحرين وقطر، والشارقة والمملكة المتحدة وضمن مؤسسات خاصة وعامة من بينها «مجلس الشورى، شركة البتروكيماويات، بنك التنمية، وفد البحرين لمنتدى دافوس الاقتصادي 2008، وصحيفة الوقت».

- إعداد الصور الخاصة بتقويم جمعية تنمية الطفولة في 2005.

- شاركت في تأليف كتاب «Five Women Artist +» في بريطانيا بتمويل من اليانصيب الوطني.

عضوة في جمعيات

فايف ومن أرتست - بريطانيا وجمعية الفنون التشكيلية - البحرين وجمعية البحرين بالمملكة المتحدة ونادي كيمبردج للتصوير بالمملكة المتحدة وجمعية الصحفيين بالبحرين.

الجوائز:

الجائزة الثانية لجمعية التصوير 2005.

جائزة المحافظة الوسطى بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة 2006.

العدد 2064 - الأربعاء 30 أبريل 2008م الموافق 23 ربيع الثاني 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً