نصح المسئولون الأميركيون في وثائق حكومية داخلية الحكومة بتجنب الإشارة علنا إلى تنظيم «القاعدة» والجماعات الإرهابية الأخرى باعتبارها إسلامية أو مسلمة، وعدم استخدام مصطلحات مثل الجهاد أو المجاهدين التي «تضفي عن غير قصد الشرعية» على الإرهاب.
وقال أحد كبار المسئولين السابقين في الإدارة الأميركية، كان لايزال طرفا في مناقشات السياسة الأميركية حتى فترة قريبة، «ثمة اتفاق (في الإدارة) بأنه لابد من الابتعاد عن هذه اللغة».
وخلال الشهر الماضي، قام مركز «مكافحة الإرهاب الوطني» الذي يعنى بالتنسيق الاستراتيجي بشأن الحرب الأميركية على الإرهاب، بتوزيع وثيقتين حث المسئولون فيهما على استخدام مصطلحات مثل «أصوليين عنيفين» و»شموليين» و»متعبدي الموت» لوصف عناصر «القاعدة» وغيرها من المجموعات الإرهابية.
وجاء في الوثيقة التي تحمل اسم «كلمات تصلح وأخرى لا تصلح: دليل للتواصل في مسألة محاربة الإرهاب... تفادوا وصف كل شي بـ (المسلك)، لأن هذا الأمر يعزز الإطار الذي يروج له (القاعدة) وهو أميركا في مقابل الإسلام».
وقال المسئول السابق يوجد «في العالم عدد متزايد من الذين يعتنقون الإسلام، وتنفير الناس منهم بطريقة غير مقصودة لا يعتبر خطوة حكيمة».
يشار إلى أنه من أجل حث المسئولين على عدم استخدام كلمة إسلام عند الحديث عن الإرهاب، أشار الدليل إلى أنه «على رغم أن شبكة القاعدة تستغل المشاعر الدينية وتحاول استخدام الدين لتبرير أعمالها، إلاّ أنه تجب معاملتها على أنها منظمة سياسية غير شرعية وإرهابية ومجرمة».
وبدلا من نعت المجموعات الإسلامية بالمسلمة أو الإسلامية، اقترح الدليل استخدام كلمات مثل «شمولية» و»إرهابية» أو «أصولية عنيفة» وهي «مصطلحات مفهومة على نطاق واسع وتحدد عدونا بشكل صحيح وتمنعه في الوقت عينه من الحصول على أي مستوى من الشرعية».
وأعطى الدليل تعليماته بـ «عدم استخدام مصطلحات مثل (جهادي) أو (مجاهد)... لوصف الإرهابيين». وأوضح أن «وصف المجاهد، وهو محارب مقدس، هو وصف إيجابي في إطار حرب عادلة».
وتابع أن «الجهاد يعني في اللغة العربية: المجاهدة في سبيل الله، ويتم استخدامه في عدة سياقات تتخطى الحروب، لذلك فإن وصف أعدائنا بالإرهابيين وحركتهم بالجهاد الشامل يضفي شرعية على أعمالهم وإن عن غير قصد».
ومنع الدليل أيضا استخدام كلمة «الخلافة» لوصف هدف «القاعدة»، موضحا أن لهذه الكلمة «معنى ضمنيا إيجابيا للمسلمين». ورأى أن «التوصيف الأفضل لحقيقة القاعدة هو أنها تريد إقامة دولة شمولية كبرى».
وقال مدير مكتب الحقوق المدنية والحريات المدنية في وزارة الأمن الوطني دانيال ساذرلاند «ثمة مصطلحات تريدنا القاعدة أن نستخدمها لأنها تفيدها». وأضاف ساذرلاند «نحن لا نخفف ما نقوله».
وأصدر مكتب ساذرلاند وثيقة أطول وزعها أيضا مركز «مكافحة الإرهاب الوطني» الشهر الماضي وهي تقدم النصح لقادة المجتمع الإسلامي والخبراء الدينيين في الولايات المتحدة حول المصطلحات التي يتوجب على المسئولين الأميركيين تفادي استخدامها. وجاء في وثيقة «مصطلحات من أجل تحديد الإرهابيين: توصيات من المسلمين الأميركيين» أن على المسئولين استخدام مثل «عبادة الموت» و»عبادة التعصب» و»شبه عبادة» و»متعبدين عنيفين» لوصف عقيدة «القاعدة» والمجموعات الإرهابية الأخرى ومنهجيتها. وأوصت الوثيقة بتجنب مفردات إسلامي أو إسلامية، مشيرة إلى أن البعض يعتقد أنها توصيف مناسب لـ «القاعدة» التي تستمد قسما كبيرا من وحيها العقائدي من عمل الإسلامي المصري سيد قطب.
وجاء في الوثيقة «لم ينتقد الخبراء الذين استشرناهم استخدام هذه العبارات بسبب غياب الدقة وإنما حذروا من أنه قد لا يكون استراتيجيا أن يستخدم المسئولون الحكوميون الأميركيون هذه العبارات لأن الجمهور العام ومن بينهم من هم خارج الولايات المتحدة لا يقدر التفريق الأكاديمي بين الإسلام والإسلاموية». وقال المسئول السابق إن «التفريق غائب تماما لدى شريحة كبيرة جدا من الشعب الأميركي من المسلمين وغير المسلمين». وأضاف «مازالت المدارس الفكرية المتنافسة في هذه المسألة موجودة» داخل الإدارة الأميركية. وأضاف «ثمة وجهة نظر تقول إنه لابد من أن يكون وصف العدو أكثر واقعية وجوهرية في حين أن آخرين يعترفون بأن هذا العالم ليس إما أبيض أو أسود فقط ولذلك على الإدارة أن تكون حذرة وحكيمة عند غوصها في بحر المصطلحات وذلك لتفادي الإساءة غير الضرورية لشريحة كبيرة من المجتمع المسلم».
وقال ساذرلاند «في هذه المعركة الايديولوجية الواسعة، لابد من أن نكون استراتيجيين للغاية في طريقة وصف العدو... يجب استخدام لغة تجرحه ولا تساعده».
ومن أجل تحقيق هذه الغاية، حثت الوثيقة المسئولين على النظر في وصف ايديولوجيا «القاعدة» على أنها «تكفيرية» وهي ممارسة تقضي باعتبار المسلمين الذين يرفضون الأصولية مرتدين وبالتالي تحليل قتلهم.
يشار إلى أنه على عكس الجهاد، يحمل «التكفير معنى ضمنيا تاريخيا سلبيا... وغالبية القادة الدينيين المسلمين النافذين يعارضون عقيدة التكفير بشدة».
ونشر المشروع الاستقصائي بشأن الإرهاب الوثيقتين على شبكة الإنترنت الأسبوع الماضي. وتشير الوثيقتان إلى التطورات في استراتيجيات إدارة الرئيس جورج بوش في حربها ضد الإرهاب التي لم تلق انتقادات حادة من أقرب حلفائها فحسب، وإنما تجاهلها أبرز المرشحين الجمهوريين للرئاسة الأميركية السناتور جون ماكين من ولاية أريزونا.
وفي مقابلة حديثة مع صحيفة «واشنطن تايمز» الأميركية، قال أحد مساعدي جون ماكين إن السناتور سيمضي في استخدام تعبير الإرهاب الإسلامي. وأشار بعض المعلقين إلى أنه بعد خطاب حال الاتحاد الذي ألقاه الرئيس الأميركي جورج بوش في يناير/ كانون الثاني الماضي، توقف هذا الأخير عن استخدام عبارة الإرهاب الإسلامي وأخذ يصف «الإرهابيين والمتطرفين بأنهم رجال أشرار يمقتون الحرية ويحتقرون أميركا ويريدون إخضاع الملايين إلى حكمهم العنيف».
العدد 2072 - الخميس 08 مايو 2008م الموافق 02 جمادى الأولى 1429هـ