مراحل متعددة وتطورات منوعة هي ما مرت على الأغنية العربية، فموضوعاتها تغيرت مع الزمان، فدخلت أسماء لفنانين أوساطها وخرجت أخرى، بعضهم عابث وبعضهم مبدع، وآخرون ليس لهم بهذه الصنعة أية علاقة، وكما هي الأسماء تتبدل وتتنوع، كذالك الموضوعات، فمن الموشحات الدينية لأغاني الحب والغرام، مرورا بالأغنية الوطنية، وصولا لأنواع غريبة من أنماط الموسيقى، بعضها أصيل وبعضها وافد وغريب.
ومن مبين المراحل والنماذج التي أقحمت بها الأغنية العربية، نموذج يسمى بالراب العربي، والذي اعتبر نمطا مستهجنا وشاذا لأقصى حد بداية التسعينات في الوطن العربي، فأغنية (تمر بعجوة، أبويوسف) الأردنية التي كانت تعتبر من أوائل التجارب العربية في هذا النوع، لاقت رفضا ونقدا لاذعا في حينها، على رغم تقبل البعض لها خصوصا في أوساط الشباب.
وكما هي العادة التجربة الأولى لا يمكن أن تبقى وحيدة حتى وإن فشلت، فالتجارب من بعد هذه الأغنية توالت وتطورت وتعدت في كثير من الأحيان على قيم وأشخاص ومبادئ، وكما هو الراب في بلدان الغرب فن للتمرد والعصيان و مواجهة المجتمع، استطاع الراب العربي أن يقدم نموذجه في التمرد والاعتراض على بعض القضايا.
ويقسم الراب العربي لأنواع فمنه ما يسمى (بالراب الهادف)، ومنه ما يختص بالتحديات والمنازلة عبر الأغاني كما هي المنازلات عبر أبيات الشعر قديما، أما النوع الأخير للراب العربي فهو ما يسمى (بالراب الديرتي) أو القذر باللغة العربية، وهو النوع الذي مازال مرفوضا جملة وتفصيلا من قبل الغالبية الساحقة ما لم نقل لدى الجميع.
وتجربة الراب التي نجد لها حضورا قويا كنمط فني في المغرب العربي، والتي تربع على عرش الغناء فيها الكثير من الفنانين المغاربة والجزائريين وغيرهم، وجدت لها طريقة لقطع المسافة باتجاه شرق الوطن العربي، ونقصد فلسطين والأردن وسورية بداية، ومن ثم انتقلت لتصل لأوساط بعض المغنين الشباب في دول الخليج العربي.
وإن كان الراب في فلسطين مثلا حاول أن يعرض قضاياه اليومية التي يعاني منها في ظروف احتلال أرضه، فإن (الرابرز) في الخليج (أي مؤدين أغاني الراب) كما يطلقون على أنفسهم، أدخلُ كل ما يخطر على البال من أحاديث لأغاني الراب الخليجي، فهم يتحدثون عن الفراغ والبطالة التي يعانون منها، عن مشكلاتهم وهمومهم اليومية، حتى أن بعض أغاني الراب تحولت لأغنية شتائم وكلمات بذيئة، فنكاد لا نجد في بعضها مقطعا غنائيا من دون كلمتين أو ثلاث لا يمكن تقبلها بأي شكل من الأشكال.
وعلى رغم أن التجربة الفلسطينية على سبيل المثال تمكنت من أن توجد لنفسها مكانه محترمة في هذا المجال من خلال تطرقها لقضايا المخدرات وقضايا الإرهاب، والانتماء، والتميز العنصري وغيرها من قضاياهم، فإن أغانيهم لم تسلم من الاعتراض، كونها لا تعطي اللحن والمقطع الموسيقي الغنائي قيمة أكثر من قيمتهم كوسيلة لعرض الفكرة، ففقد تناسق الكلمات والجمل الموسيقية أمر مقبول وعادي في أداء الراب، وخصوصا أن هذا الفن أساسا محاكاة لفن الراب في أميركا، والذي يركز على العبارات والأفكار من دون أن يولي الموسيقى الكثير من الاهتمام.
وبالعودة للراب الخليجي الذي بات يلقى إقبالا كبيرا لدى جيل الشباب في البحرين والسعودية والكويت والإمارات، وأسماء الفرق المنتمية لأسلوبه تتنوع وتتزايد أخيرا. فالإنترنيت يزخر بعدد كبير من أغاني الراب المؤدات باللهجات الخليجية، والتي تتحدث عن أمور وهموم تخص الشباب الخليجي، ويوازي انتشارها عبر الانترنيت تناقلها بواسطة (البلوتوث) عبر أجهزة التلفون الخليوي، والذي كانت توزع من خلاله هذه الأغاني مع بداياتها في المنطقة. على رغم هذا الإقبال فإن أغنية الراب الخليجي لم تلق ترحيبا كبيرا وتقبل كما هو حال نماذج الراب الأخرى، خصوصا من قبل الأهالي والمهتمين برقي الفنون الغنائية، ولعل أحد أهم الأسباب التي تدفع الكثيرين لشن حملة ضدها أنها تحوي كلمات وعبارات ومهاترات قد تفوق توقع أي مستمع، ففيها من التمادي ما يجعلها غير مقبولة في أي مجتمع فكيف في مجتمعاتنا المحافظة.
ولعل هذا النمط من الراب الرديء هو الذي يسيئ لأنماط أخرى من النتاج الرابي الخليجي الذي يحاول أن يجد الشباب عبره طريقة ليعبر فيها عن نفسه وحاجاته.
العدد 2080 - الجمعة 16 مايو 2008م الموافق 10 جمادى الأولى 1429هـ