ملء سبع سنوات معاناة عاشها والدا «هبة» مع فلذة كبدهما البكر.
ملء سبع سنوات... لم يهنأ والداها بالأمومة والأبوة كباقي الآباء والأمهات.
لم يسعد الأبوان بأول خطوة تخطوها وأول طعام تتناوله وأولى الكلمات التي تنطقها، فما إن نطقت كلمات قليلة حتى عادت إلى صمتها، كانت «هبة» لغزا عصيّا على الفهم والإدراك. لا تحكي هيئتها سنواتها السبع، فهي مازالت بين ذراعي والديها، محمولة حتى لا تؤذي نفسها، إذ يجعلها التوحُّد العنيف تضرب برأسها الجدار أو الأرض، أو تنهش ذراعيها بأسنانها حتى يسيل الدم منهما، ترفض المشي وتصرخ باستمرار وترفض الأكل فيما عدا شرب الحليب وقليل من الطعام المهروس، ومازالت تعاني صعوبات النطق والتحكم في عملية الإخراج، وبدأت أختها التي تعاني من التوحُّد البسيط في تقليدها وإيذاء نفسها هي الأخرى. وحيث لا علاج لها في مستشفيات وزارة الصحة، ويقف ضيق ذات اليد حائلا دون إلحاقها بالمراكز الخاصة، فيما ترفضها مراكز أخرى لشدة حالتها، لم يظل أمام والديها إلا رعاية جلالة الملك بعد الله تعالى لهذه الأسرة.
الوسط - علياء علي
ملء سبع سنوات معاناة عاشها والدا هبة مع فلذة كبدهما البكر، ملء سبع سنوات... لم يهنآ خلالها بأمومتها وأبوتها كباقي الآباء والأمهات، ملء سبع سنوات... تختنق الفرحة في قلبيهما مثلما اختنقت هبة في ولادتها فلم تطلق أول صرخة يحملها الوليد بعد أن يقذفه رحم أمه إلى رحم الحياة، لم يسعدا بأول خطوة تخطوها وأول طعام تتناوله وأولى الجمل والكلمات التي تنطقها فما إن نطقت كلمات قليلة حتى عادت إلى صمتها، كانت هبة لغزا عصيا على الفهم والإدراك.
لا تحكي هيئتها سنواتها السبع، ومازالت بين ذراعي والديها، محمولة حتى لا تؤذي نفسها، إذ يجعلها التوحد العنيف تضرب رأسها في الجدار أو الأرض، حتى وضعا حاميا على ذراعيها حتى لا تنهشهما بأسنانها فيسيل الدم منها، ترفض المشي وتصرخ باستمرار وترفض الأكل فيما عدا شرب الحليب وقليلا من الطعام المهروس، ومازالت تعاني صعوبات النطق والتحكم في عملية الإخراج، وبدأت أختها التي تعاني من التوحد البسيط في تقليدها وإيذاء نفسها هي الأخرى، ويظل جلالة الملك الأمل الأخير بعد الله تعالى لهذه الأسرة التي امتحن الله صبرها وأوصدت في وجهها جميع الأبواب.
وقفا متعبين، ليست نهاية عطائهما، فالوالدان كالنبع الذي لا ينضب، لكنهما يلتقطان الأنفاس، بعد رحلة تمر ببطء شديد، وقفا مرهقين يتطلعان لمستقبل ابنتيهما هبة وولاء، لا علاج لهما في مجمع السلمانية الطبي ومستشفى الطب النفسي، وفي الوقت الذي لم تكمل فيه هبة علاجها في الخارج عندما ابتعثتها وزارة الصحة في العام 2006 وطلبت عودتها بعد ستة أشهر بحجة إكمال العلاج في البحرين، بينما أثبت الواقع أن لا علاج لمثل حالتها في البحرين، كما أن هبة لم تتلقَ أي علاج أو متابعة منذ عودتها من الأردن إلى الآن ونحن في منتصف العام 2008، هبة التي أثبتت التقارير تحسن حالتها بعد علاج الخارج عادت إلى البحرين لتنتكس وتزداد حالتها سوءا لتبقى بلا علاج ولا تأهيل في ظل ضيق ذات اليد، بينما تطلب المراكز الخاصة هنا رسوما شهرية مستحيلة فأحدها يطلب 160 دينارا شهريا وآخر يطلب270 دينارا شهريا وثالث رفضها لأن حالتها عنيفة ولأن لا مرافقَ لها مع التأكيد أن وجودها لن يأتي بنتيجة تذكر وسيكون مجرد تمضية وقت.
وتروي والدة هبة: «الاستشاري المشرف على ابنتي في السلمانية قال إن هبة تحتاج إلى متابعة في الطب النفسي، وكان عمرها ثلاث سنوات وحملتها إلى هناك في العام 2004 وعرضت على طبيبة نفسية وشخصتها بحالة توحد شديدة، وأخبرتنا أنه لا يمكنهم فعل شيء لها لأنه ليس لديهم تخصص توحد وأعطتنا رسالة إلى وزارة العمل، وعندما تابعنا مع الباحثة أخبرتنا بدورها أنه من الصعب إدخالها مركز التأهيل لأنها لا تكف عن ضرب نفسها ولا تسكت عن الصراخ، لم أيأس ولكن نقلتها إلى مركز آخر رفضوها بدورهم لأن حالتها شديدة وقالوا إنها لن تستفيد وسيكون وجودها مجرد تمضية وقت، وبعدها وافقوا على مضض شريطة وجود مرافق على أن توضع على قائمة الانتظار».
وتساءلت أم هبة «كيف أرافقها في المركز وأترك ابنتي الأخرى الأصغر سنا منها وهي أيضا مصابة بالتوحد ولا أستطيع تركها؟».
وواصلت «وبعد تفاصيل كثيرة أرسلت ابنتي للعلاج في أحد مراكز الأردن على حساب وزارة الصحة وبعد ستة أشهر أصرت لجنة العلاج في الخارج على عودتها على رغم وصايا الأطباء بمواصلة علاجها نتيجة لتحسنها، وبعد عودتنا عرضناها على الطبيبة النفسية ذاتها التي عاينتها وقالت فعلا إنها تحسنت، ورفعت تقريرا بذلك للجنة العلاج في الخارج، وجاء قرار اللجنة في نهاية العام 2006 مخيبا لكل الآمال برفض إرسالها إلى الخارج مرة أخرى على رغم التقارير التي تثبت تحسن حالتها ووصايا الأطباء هناك باستمرارها، وكتبت اللجنة تبريرا بأن تحسنها بسيط واستجابتها ضعيفة وبأنها أرسلت للخارج مراعاة لظروف أمها الصحية التي كانت حاملا في ذلك الوقت، وذلك غير صحيح وبعيد عن الحقيقة فلم أكن حاملا وقتها وخاطبت وزيرة الصحة السابقة ندى حفاظ وجاءها الرد ذاته منهم».
وأضافت «منذ أن عدنا من الأردن منذ عامين لم تتم مواصلة علاج ابنتي في مستشفيات وزارة الصحة لأنه لا علاج لها، ثم خاطبنا وزير الصحة فيصل الحمر وطلبنا لقاءه وأعطانا السكرتير 12 مايو/أيار موعدا إلا أنه تم تأجيل الموعد قبل ساعة واحدة منه فقط على رغم أننا نحسب الساعات ليأتي ذلك اليوم لنعرض على الوزير المشكلة التي أرهقتنا، لا نستطيع إكمال علاج ابنتنا في الأردن للكلفة المالية التي يتطلبها العلاج وظروفنا المادية صعبة».
وبحسب التقرير النمائي الشامل الصادر عن المركز الأردني الذي عولجت فيه هبة «يشير التشخيص النهائي إلى أن هبة تعاني من اضطرابات توحدية مصحوبة بتأخر نمائي، وقد أدخلت المركز وعمرها أربع سنوات وأربعة أشهر وبالرجوع إلى تاريخ الحالة تشير التقارير الطبية إلى تعرض الأم خلال فترة الحمل إلى ارتفاع في ضغط الدم، واستمرت فترة الحمل ثمانية أشهر، واحتاجت الأم في عملية الولادة إلى طلق اصطناعي وتم استخدام أدوات الشفط ما أدى إلى كسر في الأكتاف لدى الطفلة، ولم تصرخ هبة صرختها الأولى وأصيبت باليرقان في اليوم الثالث بعد الولادة واستمر لمدة أسبوعين، وبعد شهرين من ولادتها لاحظ الأطباء أن هناك صغرا في حجم الجمجمة لديها وعزا الأطباء السبب في إعاقتها إلى نقص الأوكسجين أثناء الولادة».
وواصل التقرير «وفيما يتعلق بنموها الحركي زحفت وجلست في عمر السنتين واستطاعت الوقوف في عمر السنتين وخمسة أشهر، ومشت في عمر السنتين وسبعة أشهر واستخدمت قبضة يدها اليمنى في عمر الستة أشهر، وفي نموها اللغوي بدأت بالمناغاة في عمر التسعة أشهر ونطقت كلمات بسيطة «بابا، ماما، هبه» وبعد الشهر التاسع توقفت عن الكلام وحاليا تصدر الأصوات فقط، في بداية دخولها المركز لم تكن قد ضبطت عملية الإخراج بعد وهي ترفض تناول الطعام ولا تتناول سوى الحليب، وهي تعاني من مشكلات سلوكية تتمثل في الصراخ والبكاء ومص الأصبع وإيذاء الذات والعدوانية وإصدار الأصوات بشكل متكرر ومشكلات النوم والانطوائية والخوف والقلق الشديدين وصرير الأسنان، وقد تلقت هبة في مجمع السلمانية الطبي خدمات العلاج الطبيعي لمدة سنة للمساعدة على الجلوس ولم تتلقَ أية خدمات أخرى».
وأضاف التقرير «بعد إخضاع هبة لتقييم شامل والملاحظة لمدة أسبوعين وجمع البيانات المتعلقة بنموها أشارت النتائج إلى أن هبة تقع ضمن فئة «العجز التكيفي الشديد» فهي تعاني من ضعف في مهارات السلوك الاجتماعي وضعف جميع المهارات المتعلقة بالعناية الذاتية وضعف مهارات الاتصال، وضعف مهارات المعرفة الأساسية، وضعف مهارات استعمال الجسم، وضعف في مهارات التكيف الاجتماعي والشخصي وضعف في مهارات الانتباه والذاكرة وضعف مهارات المفاهيم وضعف مهارات اللعب التمثيلي والإدراك البصري بالإضافة إلى ضعف شديد في جميع مهارات اللغة التعبيرية والاستقبالية ومهارات تحمل المسئولية وضعف مهارات مفهوم الذات والمهارات الحركية البصرية».
ويشير تقرير آخر للمركز نفسه مؤرخ بتاريخ 6 يونيو/ حزيران 2006 «أدخلت الطفلة بسبب حالة التوحد الشديدة ونقص في الانتباه والقدرات العقلية والاضطرابات السلوكية وإيذاء الذات، وتم في المركز تصميم برامج تعديل سلوك لها وتنفيذها وخصوصا لسلوكيات إيذاء الذات والآخرين والخوف والقلق الشديدين والانعزال والخوف والانطواء على نفسها والصراخ والبكاء بشكل متواصل ومن دون سبب بالإضافة إلى تنفيذ برامج لرفضها المشي وإصرارها على البقاء محمولة ورفضها لبس الحذاء وخلعه ورميه إذا أجبرت على لباسه، وإصدار صوت متكرر وصك الأسنان ومص الأصبع، وتم تعديل معظم السلوكيات المذكورة».
ويبين التقرير «هناك تحسن واضح في قدرة الطفلة على البلع، إذ أصبحت تأكل الطعام مهروسا بعد أن كانت لا تأخذ إلا السوائل كغذاء لها وبدأ تطوير قدرتها على أكل الطعام الصلب، كما تحسنت قدرتها على التواصل الاجتماعي فأصبحت أقل خوفا وقلقا وانعزالا عن الآخرين وأكثر جرأة للاختلاط ومازالت بحاجة إلى المزيد من التدريب للمساعدة على اندماجها اجتماعيا بشكل كامل، والعمل على تقوية انتباه الطفلة وزيادة التركيز لديها وتطوير مهاراتها الحركية الدقيقة وقدرتها على الاستجابة للأوامر البسيطة تمهيدا للبدء في العمل معها على أهداف جديدة تشمل تطوير قدراتها المعرفية والإدراكية وتدريبها على العناية الذاتية البسيطة وتطوير قدرتها على الاستجابة للتعليمات والاستمرار في تعديل السلوكيات غير المرغوبة التي مازالت بحاجة إلى تعديل، ويتم تنفيذ برامج لتفعيل أعضاء النطق لديها للبدء بتدريبها على أهداف نطقية مناسبة وقد أتقنت الطفلة مجموعة من لأهداف الموضوعة لها ويجري تعديل الخطة الفردية للطفلة آخذين في الاعتبار التقدم الذي أحرزته والأهداف المرجو تحقيقها للعام المقبل، عموما فإن استفادة هبة من البرامج المقدمة لها ملحوظة ومازالت بحاجة ماسة إلى تقديم الخدمات التي تساعد في تطويرها النمائي».
العدد 2082 - الأحد 18 مايو 2008م الموافق 12 جمادى الأولى 1429هـ