ثلاث وردات بيضاء وثلاث وردات حمراء، باقة جميلة لأمي في عيد ميلادها الخمسين. كم تمنيت لو تكون كل وردة بلا شوك.
أتذكر قطتنا البيضاء التي عاشت معنا منذ فترة طويلة.
اتصلت بأختي وطلبت منها صنع بعض الكعك والحلويات البسيطة لحفل الليلة، واتصلت بأخي وطلبت منه أن يشتري بعض العصائر. ثم اتصلت لأمي وأخبرتها أننا سنحتفل هذه الليلة بعيد ميلادها وعليها الحضور في البيت.
أتذكر قطتنا البيضاء ومعها صغارها الثلاثة.
حين وصلت البيت مساء ذهبت للمطبخ مباشرة لأرى ماذا صنعت أختي. كعكة تحتاج بعض السكر، ينقصها جمال التزيين، تبدو غير مناسبة مطلقا لعيد ميلاد أمي الغالية.
«ما هذا؟» سألت أختي باستغراب وشيء من الحدة والغضب.
«آسفة، توقعت أن تكون أفضل من ذلك ولكن...».
«ولكن ماذا؟ هل هذا ما تستحقه أمك منك؟ هل هذا جزاء ثقتي في طبخك؟ انصرفي الآن، اغربي عن وجهي».
خرجت من المطبخ وهي تبكي متجهة لغرفتها وأمي تراقبها باهتمام من دون أن تنبس ببنت شفة.
أتذكر قطتنا البيضاء كم كانت تحب صغارها كثيرا.
حين جاء أخي للمنزل كان قد نسي ما طلبته منه.
«أين العصير؟»
«آه، نسيت، سأذهب الآن لأشتري. مجرد دقائق و...».
«لا داعي لأن تتعب نفسك، لو كان الحفل حفل عيد ميلادك أنت لما نسيت ولكن أن يكون حفل ميلاد أمك فأنت لا تكترث به. المهم اخرج من البيت الآن، لا أريد رؤية وجهك أمامي، اخرج الآن وإلا ...».
«سأخرج، سأخرج».
خرج من البيت وأمي تراقبه باهتمام من دون أن تنبس ببنت شفه. منذ أن توفي والدي قبل سنوات وأمي لا تمارس معي أسلوب النقد حين أوبخ أخي أو أختي. تعلم أنني الآن خليفة أبي ومن حقي أن أوبخ من أشاء ساعة أشاء.
أتذكر قطتنا البيضاء وكيف كانت تلهو مع أطفالها بعض الأحيان.
بعد أن طردت أختي من المطبخ وطردت أخي من البيت، اكتشفت أنني قد بقيت وحيدا مع أمي في ليلة عيد ميلادها. تمنيت أن يكون الحفل عامرا بإخوتي وبالحلويات والعصائر اللذيذة، تمنيت أن يسود المرح الليل كله، فمن أغلى من أمي.
جلست بقربها وباقة الورد بيدي وصرت أهون عليها. أعلم أنها لا تحب طريقة معاملتي لأخوتي ولكني لم أقم بذلك إلا من أجلها. أحب أمي كثيرا، أقبل رأسها كل يوم أراها فيه، أدعو لها في كل مساء قبل النوم، أتذكرها كثيرا حين أصاب بأي مكروه أو ينتابني مرض ما، أشتاق لسماع صوتها كثيرا وخصوصا حين أكون خارج الوطن. حبي هذا لها هو الذي يجعلني قاسيا تجاه أخوتي. ولكن باقة الورد الجميلة التي بيدي الآن ستزيل كل عبوس وجهها الآن. يا لها من باقة جميلة، ثلاث وردات بيضاء وثلاث وردات حمراء، كل وردة بيضاء تعني صفاء قلب كل واحد منا نحن الإخوة الثلاثة تجاه أمي، وكل وردة حمراء ترمز لحب كل واحد منا لها.
لا أذكر يوما أن طفلا من أطفال قطتنا الجميلة آذاها يوما.
هذه الباقة الجميلة ستزيل هم أمي الآن. ستغنيها عن كل الكعك والعصير وستفرح بي وتستغني بي عن أخي وأختي. حين سلمتها الباقة لم تبتسم، ولم تنبس ببنت شفة أيضا. لاحظت أنها لم تنظر للورود، لا الورود البيضاء ولا الورود الحمراء، صارت تتأمل الشوك الذي كانت تحسه بكلتا يديها. كنت أنتظر منها ابتسامة لم تأتِ بعد، كنت أنتظر منها فرحة لم أرها منذ زمن. هل تحولت باقة الورد التي كانت بيدي إلى باقة شوك بيديها؟
حسن سعيد
العدد 2085 - الأربعاء 21 مايو 2008م الموافق 15 جمادى الأولى 1429هـ