يسجّل باحث مصري مشغول بدراما التاريخ كثيرا من الوقائع والأحداث عن شخصيات تولت مهام سياسية في مصر أو ساقتها الأقدار إلى أنْ تلعب أدوارا مختلفة مثل: الرئيس السابق أنور السادات الذي كان يحلم بأنْ يكون نجما سينمائيا فصار ممثلا يؤدّي دورا من موقع الرئاسة كما يذهب المؤلّف.
ويقول ياسر ثابت في كتابه (جمهورية الفوضى.. قصة انحسار الوطن وانكسار المواطن) إنّ السادات عمل في الصحافة وعشق التمثيل ونشر في مجلة (أهل الفن) في إبريل/ نيسان 1945 قصة عنوانها (ليلة خسرها الشيطان) وهي قصة كتبها السادات «ولا نعرف مصيرها الآن» مضيفا أنّ الكاتب المصري محمد حسنين هيكل قال عام 1995 إنه عندما كان رئيسا لتحرير مجلة (آخر ساعة) عرض عليه السادات مجموعة من القصص القصيرة كتبها بخطه أملا في أن ينشرها «ثم قدّم لي رواية طويلة عنوانها (أمير الجزيرة) مازلت أحتفظ بها حتى الآنَ بعد حوالي 45 سنة.»
وينقل في فصل عنوانه (أنور السادات ممثلا) عن الناقد المصري الراحل غالي شكري قوله في كتابه (الثورة المضادة في مصر): إنّ السادات «لم يكن يعشق السينما فقط وإنما كان يتمنّى أن يصبح يوما من نجومها. ومنذ فجر شبابه وهو يحلم بالوقوف أمام الكاميرات» ورغم احترافه السياسة «فإنه ظل أسيرا لهوايته» لميوله الفطرية إلى التمثيل باعتراف كثيرين.
ويسجّل أن السادات نشر يوم 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 1955 في صحيفة (الجمهورية) -لسان حال ثورة 23 يوليو/ تموز 1952- مقالا عن حبه للتمثيل وانضمامه في سن الثامنة عشرة (1936) لفرقة تمثيلية بمدرسة ثانوية ثم قرأ إعلانا تطلب فيه الفنانة أمينة محمّد وجوها جديدة لفيلمها الجديد (تيتا وونج) وتوجّه السادات إلى مقر شركة الإنتاج «حيث جاءت الفنانة أمينة محمّد واستعرضتنا جيئة وذهابا وكنا أكثر من عشرين شابا.» وأمينة محمّد (1908-1985) هي خالة الممثلة المصرية أمينة رزق. وعملت في الصحافة قبل أنْ تتجّه إلى التمثيل والإخراج وأنتجت فيلم (تيتا وونج) العام 1937. لكن ثابت يكشف جانبا لم يشر إليه السادات إذ ينقل عن مجلة (فصول) الصادرة في مايو/ آيار 1935 أنها نشرت صورا لبعض المتقدّمين للتمثيل ومنها صورة للسادات ومعها سطور من خطابه للمجلة يقول فيه «أنور السادات أفندي.. أنا شاب متقدّم للبكالوريا هذا العام. طويل. وسطي رفيع جدا وصدري مناسب وسيقاني قوية مناسبة. لوني ليس كما في الصورة؛ لانني أغمق من الصورة قليلا. والآن أصف لكم الجزء العملي.. أنا متحكّم في صوتي بمعنى الكلمة فتارة تجدني أقلّد صوت يوسف وهبي (1897-1982) وتارة تجدني أقلّد صوت أم كلثوم وهذه خاصة أظنها نادرة. لي أذن موسيقية محضة... لي شعر أسود ومجعّد ولكنه خشن. وبقية أعضاء وجههي ما في الصورة طيه.»
ويضيف أنّ مجلة (روزاليوسف) المصرية «نشرت خبر سقوط السادات أمام لجنة التحكيم في امتحان التمثيل» لكنه لم يشر إلى تاريخ الاختبار ولا تاريخ نشر خبر الرسوب فيه.
ويرى أنّ السادات كان يحلم بأن يكون ممثلا لكنه لم يعلم أنه سيقف يوما على خشبة أهم مسرح في الشرق الأوسط ليثبت موهبته التمثيلية.. رئاسة مصر.. كان كأيّ ممثل عريق يستوثق من كل شيء بدءا من الملابس وانتهاء بالإضاءة... كان لديه إحساس غريزي بكاميرات التصوير. لا تكاد أنوارها تقترب منه حتى يعد نفسه لها» مضيفا أنّ موهبته التمثيلية أفادته في دور الرئيس.
وصدر الكتاب عن دار (ميزان) في القاهرة ويقع في 363 صفحة متوسطة القطع تتناول قضايا متعددة كان يمكن أنْ يخصص لكلّ منها كتاب مستقل ومنها (أشهر الخونة في تاريخ مصر) منذ الحملة الفرنسية (1898-1801) حتى حادثة دنشواي 1906.
كما يعلق المؤلّف على حياة ملك مصر السابق فاروق آخر من حكم البلاد من أسرة محمد علي (1805-1952) وذلك عبر 88 صفحة تناول فيها «أخطاء» مسلسل (الملك فاروق) المثير للجدل والذي عرض طوال شهر رمضان الماضي وهو من تأليف المصرية لميس جابر وإخراج السوري حاتم علي وإنتاج قناة فضائية مملوكة لأمير سعودي. ويضم الكتاب كثيرا من القصص عن رجال منهم «الغامض» حسن التهامي المستشار السياسي للرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر وكيف اعتمد عليه السادات في إجراء اتصالات سرية في المغرب مع وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق موشي ديان. كما يستعرض محطات من حياة وزير الحربية المصري شمس بدران الذي حوكم عقب حرب 1967 وظل سنوات في السجن إلى أنْ غادر البلاد بطريقة غامضة إلى بريطانيا وكان لديه تسجيلات «خاصة به» لأعمال لحنها وغناها محمد عبد الوهاب. وقدّمت له أرملة عبد الوهاب «شيكا على بياض مقابل تسليمها التسجيلات» لكنه رفض.
العدد 2092 - الأربعاء 28 مايو 2008م الموافق 22 جمادى الأولى 1429هـ