العدد 2092 - الأربعاء 28 مايو 2008م الموافق 22 جمادى الأولى 1429هـ

الشيخ علي بن حسن آل موسى

ولد وعاش الشيخ علي بن حسن آل موسى في عهد إمارة آل سعود. وفي أثناء أو بعد حرب القطيف بفترة وجيزة احتلها حاكم البحرين فترة قصيرة من الزمن «في العام 1249هـ تجدد الخلاف بين الشيخ عبدالله حاكم البحرين وبين تركي بن عبدالله أمير نجد فجهز الأول جيشا بحريا وسار به إلى «دارين» ففتحها ثم تقدم إلى «تاروت» فاحتلها أيضا ثم سار بسفنه إلى بلدة «سيهات» وهي بلدة من ملحقات القطيف - وكان أهالي سيهات دعوا حاكم البحرين لذلك - فحاصرها فجهز تركي بن عبدالله جيشا تحت قيادة ابنه فيصل فسار به حتى نزل «المريقيب» وهو موضع غربي سيهات وبدأ القتال بين الفريقين فصار جيش البحرين ينزلون إلى البر نهارا للقتال ويعودون إلى سفنهم ليلا... وتسمى هذه الحرب «وقعة سيهات» ويسميها أهل نجد «حرب القطيف» ولكن «وقعة الحويلة» في قطر اضطرت حاكم البحرين للانسحاب من القطيف وهي كانت السبب في تقهقر الشيخ عبدالله عن الزحف نحو القطيف وآل الأمر إلى ضياع سيهات. (التحفة النبهانية ص 105)

وتضم واحة القطيف عدة مدن وقرى بعضها قد اندثر مثل (الجرها أو الجرعاء) عند خليج القطيف قرب ميناء العقير وإليها ينتسب (الجرهائيون) ومنها (لبانا أو بيلانا) التي تطل على ساحل الخليج العربي ومدينة (الزارة) التي أحرقها القرامطة عندما فتحوها ثم نشأت في مكانها قرية «العوامية» التي بناها وعمرّها (أبوالبهلول). وذكرها صاحب «تقويم البلدان»: والقطيف بلدة بناحية الأحساء وهي على شط بحر ولها مغاص وهي في شرق الأحساء بشمال على نحو مرحلتين منها ولها نخيل دون نخيل الاحساء. كما ذكرها سليمان الدخيل في كتابه «تحفة الألباء»: أهالي القطيف أغنى من أهالي الاحساء وذلك بسبب قرب مغاص اللؤلؤ منها.

وهواؤها رديء والحميات فيها كثيرة... لأن طقسها حار شديد الحرارة قريبا من هواء البحر وأرضها سبخة إلا جزيرة دارين فإنها على مقربة منها وهي بالجملة أحسن منها نظافة ومسكنا وهواء وماء وهي مسكن المترفين منهم وفيها كبار أغنياء اللؤلؤ وتجاره ويجتمع فيها (أي دارين كثير من التجار في أيام الغوص من الإحساء والبحرين وغيرهما). أما أشهر قرى القطيف في الوقت الحاضر: القلعة - سيهات - العوامية - القديح - الشويكة - التوبي - الجش - سنابس - الدبابية - صفوى - عنك - دارين - تاروت... بالإضافة إلى المدن الحديثة كالظهران والدمام والخبر وهي من أهم المدن في المنطقة الشرقية للسعودية وتتميز القطيف بكثرة بساتينها التي كان يزرع فيها الكثير من أنواع الحبوب والخضار والفواكه لاسيما التمور لخصوبة تربتها وكثرة عيون المياه العذبة فيها التي من أشهرها: الرواسية، صفواء - داروش، الديسمية، الوسطى، أم جدير، طيبة... وقد اندثر معظمها وغار ماؤها في الوقت الحاضر.

وبعد سنوات قليلة سيكون الذهاب إلى القطيف والجزر التابعة لها أسهل وأسرع نظرا للشوارع التي أنشأتها المملكة ومازالت وخصوصا طريق الكورنيش السريع الذي يمتد عشرات الكيلومترات على طول البحر من مدينة الخبر إلى مفترق دارين - تاروت، وقد زرعته البلدية وهيأته للناس هناك بحيث يجدون فيه ملاذا ومتنفسا لهم ولأطفالهم في الأمسيات وفي أيام الإجازات وهذا الكورنيش يتصل بطريق الخليج وكذلك يتصل بشارع الرياض الذي يربط مدينة الدمام بالجزر بعدة جسور بحرية، والعمل جار في الوقت الراهن على قدم وساق في الشارع الدائري الداخلي. إن الزائر لتاروت يجد أن مساحتها قد زادت عن السابق زيادة كبيرة نتيجة عمليات دفان البحر وقد قامت الحكومة بتوزيع الأراضي والقروض على الأهالي المستحقين مجانا، ولذلك فإن كثيرا من أهالي تاروت القديمة قد نزحوا إلى المناطق الجديدة حتى أن بعض الأحياء الشعبية تكاد تكون خالية من الناس بسبب حصول الأهالي على قسائم سكنية في المناطق المدفونة. ولاشك في أن معالم تاروت بعد عقد أو عقدين من الزمن ستكون مختلفة تماما عن تاروت اليوم.

هيئته وصفاته

كان الشيخ علي بن حسن معتدل الجسم، حنطي اللون، وعندما تقدّم به العمر هزل بدنه وضعف بصره ففقد إحدى عينيه (كريم العين) وقد أشار (تشارلز بلجريف) في عموده الشخصي إلى هذه الصفة ولكنه لم يذكره بالاسم وكان يستعين بأحد الأفراد عندما كان يسير من بيته إلى مسجد خميس بالمنامة القريب حيث كان يؤم صلاة الجماعة. أو عندما كان يذهب إلى مأتم العجم حيث كان يستمع الى الملا حسن بن الشيخ - كاتبه في المحكمة - عصرا باللغة العربية وكان لهذا المأتم مجلس آخر صباحا باللغة الفارسية. وقد ابتلي في السنوات الأخيرة من حياته بمرض الرعاش - وقيل بالفالج - وقد عالجه ابنه الشيخ عيسى ولكن ظلت الرعشة تلازمه إلى حين وفاته وعندما نقل القضاء إلى مبنى المحكمة الجديد عيّنت له الحكومة سيّارة خاصة لنقله من والى المحكمة وكان سائقه المرحوم (السيّد أمين العلوي). وكان يلبس الجبّة والعباءة (البشت) ويعتم بعمامة بيضاء وينتعل (المدارس) وله لحية بيضاء ولم يكن يصبغ أو يخضب كريمته، وكان لا يخلو كلامه من قصة أو حكمة أو آية أو حديث فكان طيب المعشر حلو الحديث ملما بأخبار العرب حاضر النادرة قلّما ينسى ما حفظ حتى أنّ أحد أصحاب التراجم أطلق عليه لقب (المحدّث)! ومن صفاته الكرم فقد كانت له عادة حسنة أنْ يقيم مأدبة عشاء للعرسان وأهاليهم في بيته عندما يذهبون لصلاة ركعتي الشكر في مسجد خميس القريب من بيته.

كعادة العرسان في تلك الأيام، وكان عادلا ونزيها، صافي السريرة نقي الضمير، ولم يذكر أحدٌ من الرواة أنه اتخذ وظيفته مطيّة؛ لتحقيق مآرب شخصية أبدا سواء في البحرين أو القطيف، وما عرف به أنه لا يقبل هدية من أحدٍ لا يعرفه ويعتبر (هدية الغرباء) من نوع الرشوة ووسيلة لتحقيق غاية غير مشروعة وهي استدراجه للقضاء بالجور والحكم بالباطل خصوصا أنه قاضي الشرع وهو مركز مهم وحسّاس يجب أن يكون على مسافة واحدة من كلّ الأطراف وهو العارف بقول الإمام الصادق (ع): «الحكم حكمان حكم الله وحكم الجاهلية، فمن أخطأ حكم الله حكم بحكم الجاهلية». ومما يذكر عنه أيضا أنه يرفض تصويره رغم وجود آلة التصوير في أيامه ولهذا السبب لا توجد له صورة شخصية لدى أحد من أهله أو معارفه وربما يرجع السبب في ذلك أنّ الناس في تلك الأيام كانوا ينظرون إلى المخترعات الحديثة بشىء من الريبة والحذر كالراديو وآلة التصوير والطائرة... حتى أنّ الحاكم نفسه رفض تحليق الطائرة في سماء البحرين لنقل البريد حتى لا تكشف المنازل؛ لأنّها مكشوفة وليست كمنازل هذا اليوم وأنها قد تكون بنية التمهيد لإقامة قاعدة عسكرية في البحرين مستقبلا!

مراحل حياته

إنّ الباحث المتتبع لسيرة الشيخ علي بن حسن آل موسى يستطيع أنْ يحدد أربع مراحل أو محطات رئيسية في حياته خلال عمره المديد الذي تجاوز القرن وذلك على الوجه الآتي:

1 - مرحلة الطفولة والشباب

ولد في جزيرة «تاروت» وفيها نشأ تحت رعاية والده وجدّه فربياه تربية دينية فتعلّم منذ نعومة أظفاره القراءة والكتابة وتلاوة القرآن الكريم في الكتاتيب كعادة الناس في تلك الأيام ثم قام جده الشيخ عبدالعزيز؛ وهو رجل دين متفقه بتعليمه مبادىء العلوم كالنحو والصرف والبيان، وظهرت عليه علامات الفطنة والذكاء والرغبة في طلب العلم. وكان خلال هذه المرحلة يساعد والده في عمله في مزارع النخيل التي كان يمتلكها والده في القطيف، وعندما اشتد عوده تحوّل إلى عمل آخر هو أقرب إلى نفسه فبدأ بتعليم الصبيان تلاوة القرآن الكريم وحفظه بما كان يطلق عليه معلّم / مطوّع، مصداقا لقول الرسول الأكرم (ص): «خيركم مَنْ تعلّم القرآن وعلّمه» وكان يبتغي بذلك الأجر والثواب من الله تعالى فقد كان ميسورا بما لديه من أملاك كثيرة (المصدر: بنت صاحب الترجمة) وفي هذه المرحلة تزوّج بزوجتيه الأولى والثانية وسنأتي على ذكر زوجاته.

وكان خلال هذه الفترة يتردد على الحوزة العلمية للعلاّمة الشيخ أحمد بن صالح آل طعان (قدس سره) الذي استوطن القطيف بعد عودته من العراق العام 1869هـ (المتوفى العام 1315هـ الموافق 1897م وقد دفن في مسجد الشيخ ميثم بحسب وصيته) فقرأ عليه بعض الكتب والمراجع الفقهية والأصولية ولكن طموحه لم يقف عند هذا الحد خصوصا بعد وفاة أستاذه فقد اشتاقت نفسه للاستزاده من طلب العلوم الشرعية وكان قد أشار عليه من قبل استاذه بالسفر الى النجف الأشرف مدينة العلم والعلماء إذ مقام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) كما أشار على غيره من طلبة العلم. وهكذا كان.

إطلالة على النجف الأشرف

يجدر بنا أنْ نسلّط الأضواء أوّلا على مدينة النجف الأشرف تلك الجامعة الإسلامية العريقة التي خرّجت كبار العلماء والقضاة والفقهاء والأدباء على مر العصور وذلك للتعرف إلى البيئة التي كان يعيش فيها طلبة العلوم الدينية.

في كتابه الممتع (ذكريات غير متناثرة من النجف الأشرف) يقول منصور الجمري ما نصه: النجف مدينة الإمام علي (ع) صعبة جدا من جوانب كثيرة... فهي مركز للعلوم الدينية ولمراجع الدين منذ ألف عام وكثير من منشآتها تحمل أسماء ترتبط بالهنود مثل: (الجامع الهندي والقناة الهندية.. الخ) وذلك لأنّ الهنود الشيعة الذين كانوا يحكمون إحدى الولايات الهندية (ولاية عوض في شمال الهند) حتى القرن التاسع عشر الميلادي كانوا يدفعون الأموال الطائلة للمراجع ولمد قنوات المياه وتعمير المساجد وتوفير الخدمات في النجف الأشرف وفي كربلاء المقدّسة أيضا».

ويقول: النجف الأشرف كانت مزدحمة بالعراقيين والإيرانيين والأفغانيين والخليجيين وحتى الصينيين (من التبت) وغيرهم الذين كانوا يفدون إلى مدينة الإمام علي (ع) إمّا للدراسة أو للزيارة وأسواقها لها أجواء خاصة وتحتوي على ما يحتاج إليه الدارس أو الزائر أو المقيم. وأجمل ما تشاهده في النجف السوق المخصصة لبيع الكتب والتي تتفرع من سوق الحويش والسوق الكبير وسوق العمارة. وكنا نعيش بالقرب من سوق الحويش والعمارة».

ومن الجدير ذكره أنّ المجاهد الكبير فضيلة الشيخ عبدالامير الجمري (قدس سره) كان يعيش في حي الحويش أثناء الدراسة في النجف الأشرف خلال الفترة 1962 - 1972م.

(ومنذ حلّ في النجف شيخ الطائفة أبو جعفر محمد الطوسي العام 448 ه (المتوفى العام 460 هـ) أسس فيها مدرسة عليا كانت لها مكانتها العلمية الخالدة حتى صارت تقصد وتشد إليها الرحال من سائر الأقطار فزيدت شرفا فوق شرفها السامي ومحلها الراقي لاحتوائها على جثمان سيّد الوصيين وباب مدينة علم سيّد المرسلين.

والنجف مكونة من خمس محلات العمارة والحويش والبراق والمشراق والخامسة (الغازية) خارجة عن السور التاريخي القديم الذي ازيل تماما وفي النجف أربعة أسواق عامّة (سوق القاضي) يبتدئ من باب الصحن الغربي وينتهي إلى محلة العمارة و(سوق الحويش) يبتدئ من باب الصحن القبلي وينتهي الى محلة الحويش و(السوق الكبير) يبتدئ بخط مستقيم من باب الصحن الشرقي وينتهي إلى خارج البلدة وهو الفاصل بين محلتي البراق والمشراق فالجهة التي تكون على يمين الخارج منه إلى خارج البلدة تسمى محلة البراق والتي على يساره تسمى محلة المشراق و(سوق المشراق) يبتدئ من باب الصحن الشرقي الثاني الذي يفضي إلى قيسارية الخياطين وينتهي إلى محلة المشراق وهو مجاور للسوق الكبير. وقد ظهرت في العصر الحديث أحياء جديدة في مدينة النجف.

العدد 2092 - الأربعاء 28 مايو 2008م الموافق 22 جمادى الأولى 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً