شددت قرينة عاهل البلاد رئيسة المجلس الأعلى للمرأة صاحبة السمو الشيخة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة على أن «مسألة تمكين المرأة البحرينية ليست بترف أو خيار نأخذ به اليوم ونتركه في الغد، بل هو حاجة ماسة علينا ألا نسجنها في مسار التنظير».
جاء ذلك خلال افتتاحها أمس المؤتمر الوطني حول إدماج النوع الاجتماعي في التنمية تحت عنوان «شراكة عادلة بين المرأة والرجل في التنمية الوطنية... كيف؟» .
المنامة - محرر الشئون المحلية
شددت قرينة العاهل رئيسة المجلس الأعلى للمرأة سمو الشيخة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة على أن «مسألة تمكين المرأة البحرينية ليست بترف أو خيار نأخذ به اليوم ونتركه في الغد، بل هو حاجة ماسة علينا ألا نسجنها في مسار التنظير ونبعدها عن أية إرباكات تؤدي إلى إقصاء المرأة عن محور التنمية».
جاء ذلك لدى افتتاحها المؤتمر الوطني عن إدماج النوع الاجتماعي في التنمية تحت عنوان «شراكة عادلة بين المرأة والرجل في التنمية الوطنية... كيف؟».
وأضافت «إن في سجنها في مسار التنظير إهدارا لمبدأ دستوري مهم يؤكد أن الشعب رجالا ونساء مصدر للسلطات في بناء الدولة الحديثة القائمة على مبادئ العدالة والإنصاف»، واعتبرت أن «لن يكون من صالح مجتمعاتنا اليوم تحمل عواقب ذلك، ونحن نتجه نحو تحسين حياة أفرادها كل من موقع مسئوليته، ومن منطلق التزامنا نحو التغيير».
وقالت رئيسة المجلس الأعلى للمرأة: «الحديث عن التنمية البشرية أو الإنسانية من دون الإشارة إلى الخسارة التي تتكبدها التنمية في حال غياب المرأة عنها مؤلم. ومن المؤلم أن نقول إن ليس للإنسانية من موقع إذا استغنت تنميتها عن استيعاب احتياجات أفرادها، وغفلت عن تمكينهم ليكونوا قلبها النابض، بما يملكون من إمكانات، وبما يتوافر أمامهم من خيارات».
وأشادت بـ «جهود عاهل البلاد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة راعي المؤتمر الذي يجعل من رعاية وتمكين المرأة البحرينية ومساواتها بالرجل في ميادين الحياة التزاما طالما لمسناه في فكره ورؤيته، اللذين يجعلان من البحرين نموذجا حيا يجمع احترام مبادئ الشريعة الإسلامية وحاجة التطوير والتحديث التي لا تخل بذلك الأساس الصلب الذي يحفظ اتزان المجتمع، ويواكب تطلعاته».
واعتبرت اهتمام البحرين اليوم بعقد مؤتمر ينظر في كيفية إدماج احتياجات النوع الاجتماعي في مسار التنمية «تجسيدا فعليا لالتزام الدولة ضرورة الوصول إلى التنمية الإنسانية الشاملة تطبيقا وممارسة»، وأكدت أن «المجلس الأعلى للمرأة يسعى في حدود مسئوليته الوطنية لتأسيس قواعد هذه الانطلاقة عبر توفير جميع أوجه الدعم لخلق منظمة البناء والتنفيذ؛ لتتمكن الجهات المعنية في الدولة وخصوصا السلطتين التشريعية والتنفيذية من العمل في اتجاه تضمن احتياجات المرأة في التشريعات والأنظمة والبرامج وخطط العمل، وما يتطلبه ذلك من توفير للموارد والموازنات». وبيّنت أن «المجلس الأعلى للمرأة يدعو لبدء مسار إدماج النوع الاجتماعي في التنمية الوطنية الجهود الكبيرة والمخلصة التي تبذلها السلطة التنفيذية ومجلس التنمية الاقتصادية لرسم سياسة واضحة لنظام العمل في البلاد، وما يستدعيه ذلك من وضع تفاصيل برامج عملية موازنات ترتبط بها بقصد الانتقال بالبحرين إلى حيث يكمن طموح النجاح والتميز»، وأملت أن «يكون هذا المؤتمر البداية الطيبة لعمل مستمر يأخذنا إلى حيث الشراكة العادلة التي تبدأ بحفظ الحقوق الأساسية للمرأة وتوفيرها، وما يتبعه ذلك من استقرار لها ولأبنائها ولدورها المتنامي في مساندة الرجل ودعمها دوره».
قالت المديرة الإقليمية لمكتب الدول العربية التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) أمة العليم السوسوة في ورقتها التي حملت عنوان «الأدوار الاجتماعية للمرأة والرجل من منظور دولي ومجتمعي» إن «البحرين شهدت تقدما مؤثرا نحو المساواة بين المرأة والرجل في حقوق التعليم والصحة وسوق العمل والتمكين السياسي، كما ازداد تمثيل المرأة ومشاركتها في المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية».
وأوضحت أن «هذا التقدم الجدير بالإطراء نابع من جهود المجلس الأعلى للمرأة، كما هو نابع من الجهود التي تقوم بها نساء البحرين ورجالها، من خلال مؤسساتهم الحكومية وغير الحكومية، ووسائل الإعلام، ومؤسسات البحث، ومن خلال مساهماتهم الفردية»، وأكدت أن «استراتيجية المجلس لتمكين المرأة وضعت البحرين على طريق واضح نحو تمكينها في المجالات الحكومية والاقتصادية والمجتمع المدني والتعليم والصحة والبيئة».
وأضافت السوسوة أن «البحرين مع كل هذا التقدم تشهد - كسائر المنطقة العربية - تحديات صعبة وخاصة على صعيد مشاركة المرأة في مواقع القرار، وتستمر هذه التحديات في توحيدنا لأجل الوصول إلى أهدافنا المشتركة. فبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في البحرين شرع في العمل مع المجلس عن كثب لتعزيز دور المرأة في مجال العمل السياسي واتخاذ القرار».
واعتبرت استثمار الموارد البشرية والمادية لمساعدة الرجال والنساء في مجتمعاتنا على اتخاذ القرارات - بمحض اختيارهم، وبكرامة وثقة - والاستفادة من إمكاناتهم الفردية والمجتمعية «أمرا في غاية الأهمية. فإدماج هذه المقاربة يعدّ بمثابة إطار تحليلي يساعد على فهم أوجه التكامل والتمييز بين الأدوار الاجتماعية للنساء والرجال، ومصادرها، والعوامل المؤثرة فيها، واستخدام ذلك من أجل الحد من أوجه الظلم وعدم المساواة بينهما باستخدام مجموعة أدوات (...) ومراعاة أثر الموازنة العامة للدولة على النساء والرجال في وضعها ورصد الآثار المتفاوتة للسياسات على كل من الرجل والمرأة».
وذكرت أن «هذه الأدوات تساهم في فهم أوجه الاختلاف والتشابه بين الرجل والمرأة وتحليلها، وفهم العادات والتقاليد، والسياق التاريخي والاجتماعي والثقافي للمجتمع، والأدوار الاجتماعية للجنسين»، وبيّنت بعض نتائج تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2005 والمعنون «نحو نهوض المرأة في الوطن العربي»، موضحة أنها «تشير إلى أن المرأة العربية عموما تحرز مكاسب مهمة، وعلى رغم ذلك لم تحقق بعدُ الاستفادة الكاملة من إمكاناتها، فلاتزال أعداد كبيرة من النساء يحرمن من تكافؤ الفرص في مجالات اجتماعية واقتصادية وسياسية رئيسة؛ بسبب القوانين أو العرف أو معا بدرجات متفاوتة».
وقالت المديرة الإقليمية لمكتب الدول العربية التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي إن «الصراعات والأزمات في المنطقة أدت إلى مزيد من التدهور في الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمرأة والرجل، وتنعكس هذه التوجهات في تأخر ترتيب الدول العربية في تقرير التنمية البشرية للعام 2006 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بخصوص مقياس تمكين المرأة»، مؤكدة أن «معظم البيانات الحديثة توضح أن قيم هذه المؤشرات في الدول العربية لاتزال أقل مما هي في بقية دول العالم، على رغم أن معدل التغير الايجابي في المنطقة أعلى بشكل طفيف من المعدل العالمي في السنوات المشار إليها في الدراسة؛ مما يدل على وجود جهود كبيرة تبذل في الاتجاه الصحيح».
واستدركت «وتوصلت التقارير الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ووكالات الأمم المتحدة الأخرى، والتقرير العالمي للفجوة بين الجنسين، وتقرير البنك الدولي إلى استنتاجات مشتركة تفيد أن المنطقة العربية وصلت إلى المتوسط العالمي من حيث الإنجاز التعليمي، والصحة، والبقاء على قيد الحياة»، لافتة إلى كونها «مازالت تقل عن المتوسط العالمي في مجالات المشاركة، والفرص الاقتصادية، والتمكين السياسي»، كاشفة في هذه الشأن أنه «يجب مراعاة أن النساء لسن مجموعة متجانسة، والمكاسب تختلف من دولة لأخرى بل في داخل الدولة الواحدة بحسب الاعتبارات الجغرافية، ومنها المناطق الحضرية والريفية وغيرها».
وعطفت على ذلك أن «إدماج الأدوار الاجتماعية للرجل والمرأة أثناء التحليل وتصميم السياسات والبرامج، وفي مختلف مراحل التنفيذ والرصد والتقويم يشكل عنصرا أساسيا في النشاطات التي قام بها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي حديثا في المنطقة، بما فيها الاستراتجيات والبرامج الإقليمية».
وأوضحت السوسوة أن نشاطات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ركزت على «التزام السلطة العليا دعم العمل على تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة وتمكين المرأة، وتنمية القدرات وتوظيف الإعلام لخدمة هذه التوجهات وتوفير الموارد اللازمة لدعم البرامج التي تتعامل مع الأدوار الاجتماعية للنساء و الرجال»، مؤكدة أن «برنامج الأمم المتحدة والمكتب الإقليمي للدول العربية يسعى إلى تعزيز شراكته مع الأطراف الفاعلة الرئيسة، على المستوى الدولي والإقليمي والوطني، من أجل العمل معا بشكل أفضل؛ تحقيقا لتنمية بشرية مستدامة تعتمد منظور حقوق الإنسان، بما فيها الحق في التنمية، وتحقق المساواة بين الرجال والنساء، وتمكن المرأة، وتحترم البيئة، وتلتزم تحقيق أعلى مستويات المشاركة لجميع المواطنين والمواطنات ولاسيما الفقراء منهم، والشباب والنساء».
اعتبر المدير العام لوكالة بيت مال القدس الشريف وزير الأوقاف والشئون الإسلامية سابقا بالمملكة المغربية عبدالكريم العلوي المدغيري في ورقته بعنوان «مفهوم النوع الاجتماعي من المنظور الإسلامي» أن «الثقافة الشعبية المغشوشة المنتشرة في المجتمعات الإسلامية تحتوي على نظرة دونية للمرأة تنقص من قدرتها وتبعدها عن كل مقام فيه تشريف أو اعتبار وتتشاءم منها وتتخوف من شرها وكيدها وتنصح بعدم مضيعة المال والوقت في تعليمها وتثقيفها»، متسائلا: «هل الإسلام مع تحقيق المساواة والشراكة بين الرجل والمرأة أو ضده ؟ هل يفرض الإسلام أي تميز أو تفاضل بين الرجل والمرأة في الفرص المتاحة للعمل في مختلف أوجه الحياة؟ وهل الإسلام مسئول عن الفجوة الموجودة في النوع الاجتماعي بخصوص التنمية؟ وهل له دور في تأخير المرأة والقعود بها عن المشاركة الندية في التنمية الشاملة؟».
ولفت المدغيري إلى أن «هناك أمرين مهمين. الأول هو أن هناك ازدواجية بين ما هو إسلام صحيح وما هو ثقافة شعبية مغشوشة منتشرة في المجتمعات الإسلامية، والآخر هو أن هناك خطأ عاما في منهجية البحث في هذا الميدان. فالثقافة الشعبية المغشوشة هي التي تعمدت وضع الأحاديث ونسبها إلى النبي (ص) وترويج الأحاديث الضعيفة والموضوعة والمنكرة حتى المخالفة للقرآن الكريم ترسيخا لهذه الثقافة السخيفة التي هي من أسباب تخلف الأمة(...) وهي مع الأسف الشديد أحاديث كثيرة اعتنى براويتها على الخصوص العجلوني في كشف الخفاء فأساء بذلك إلى الحديث الشريف خصوصا والإسلام عموما».
وأضاف «أما الأمر الثاني، وهو الخطأ العام في المنهج فنحن إذ نتناول حقوق المرأة في الإسلام وخصوصا الحقوق الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية تجدنا نتتبع بالبحث والتنقيب نصوص الآيات والأحاديث والأقوال التي تنص صراحة على المرأة فنجدها قليلة. لذلك نحس بالغبن ونشعر بأن المرأة لم تحظَ بالعناية التي حظي بها الرجل ونظن بالإسلام الظنون»، وأردف «إن هذا ناتج فقط من الخطأ الجسيم الذي نرتكبه في منهجية البحث والصواب التي لا تقبل الرد وهي أن جميع النصوص الشرعية في القرآن والسنة وأحكام الفقه من أولها إلى آخرها هي نصوص وأحكام خاصة بالنساء كما هي خاصة بالرجال ولا تميز في الخطاب الشرعي بين النوع الاجتماعي وخاطبه بالرسالة والتكليف وأمره بعمارة الأرض».
وأكد أن «القرآن لم يفصل المرأة والرجل في الخطاب؛ لأنهما معا يمثلان النوع الاجتماعي المخاطَب بالشريعة، وعند مراجعتنا الأحكام الشرعية وتصفحنا أبواب العبادات والمعاملات في كتب الفقه نجد المرأة مخاطبة بالأحكام مثل الرجل تماما ولها الحقوق نفسها وعليها الواجبات نفسها؛ مما يدل على أن الإسلام قائم على مقارنة النوع الاجتماعي وما فيها من إشراك المرأة في بناء المجتمع وعملية التنمية»، وعبّر عن اعتقاده بأن «أهم ما نستخلصه من تلك الأحكام أن المرأة في الإسلام لها ذمة مالية مستقلة شأنها شأن الرجل ولها حق التملك وتتمتع باستقلال اقتصادي كامل، كما أن الإسلام اعترف للمرأة بحقها في الإرث وهو مصدر من أهم مصادر الثروة».
وذكر المدير العام لوكالة بيت مال القدس الشريف أن «هذا الاستقلال الاقتصادي للمرأة بحقها في الكسب والتملك والإرث من شأنه أن يفتح لها المجال لممارسة جميع النشاطات الاقتصادية والمالية بما فيها إنشاء المقاولات وفتح الشركات وتعاطي أعمال التجارة والصناعة والفلاحة دون أن تحتاج إلى إذن الزوج ودون قيد ولا شرط إلا قيد الالتزام بالمشروعية والأخلاق»، موضحا أن «ثمرة جهود المرأة محفوظة سواء في حياتها أو بعد مماتها فلا يجوز لأحد غصب أموالها أو الاعتداء على حقوقها وإذا ماتت ورثها ورثتها الشرعيون ولا يرث زوجها منها إلا نصيبه المعروف ولا يحق له أن يستولي على ثروتها دون بقية ورثتها الشرعيين.
ونوه إلى أن «جميع الحقوق الاقتصادية والمالية التي يتمتع بها الرجل تتمتع بها المرأة على حد السواء. فالمرأة البالغة العاقلة الرشيدة لها الشخصية القانونية الكاملة في أن تتصرف في ما تملكه شأنها شأن الرجل تماما، وليس لزوجها ولا لأبيها أو ابنها منعها ذلك»، مؤكدا أن «النوع الاجتماعي أو الجندر في الإسلام ليس فيه أي جزء معطل وليست فيه فجوة بسبب التفاوت والتميز وكل ما لحق هذا النوع على مر القرون من خلل وعيوب وتمييز وتنقيص للمرأة وهضم لحقوقها وتعطيل لقدراتها فهو مما ألصق للإسلام».
المنامة - محرر الشئون المحلية
قال المفكر أحمد كمال أبو المجد في ورقته التي قدمها بعنوان «دور المرأة المسلمة في الأسرة والمجتمع وفق مقاصد الشريعة وثوابتها» إن «الرجال غلبوا المرأة على أمرها، وفسروا دورها في إطار فرضين نابعين من التقاليد القديمة المستقرة، فالفرضية الأولى أن المرأة دون الرجل في القدرة والمكانة، ومن ثم لا يجوز أن تكون بينها وبينه مساواة كاملة في الحقوق والواجبات»، وأضاف «كما أن الفرضية الثانية تزعم أن هناك شواهد في النصوص الدينية، وفي التصور الديني العام تؤيد تفوق الرجل واستحقاقه لدور مجتمعي متميز لا تشاركه المرأة في بعض جوانبه»، معتبرا أن «هذا المدخل غير سوي، وهو يتناول قضية كبيرة في إطار اعتبار جانبي صغير، جاعلا هدفه الأساسي هو «مواجهة الرجال» والتصادم معهم، سعيا لاسترداد حقوق مغتصبة للمرأة عبر عصور تاريخية متعاقبة».
وبين أبو المجد أن: المدخل الإسلامي للقضية كلها يدور بشأن قضيتين تحلان السعي للتعاون في إطار المساواة محل الصدام بين قطبين لا يتصور التصادم بينهما، والقضية الثانية أن «ساحة» البحث كلها تدور في التصور الإسلامي بشأن الأسرة والمجتمع. ولا تدور حول مبارزة تصادمية بين الرجال والنساء، وفي إطار مصالح الأسرة، يدور البحث بشأن توزيع الأدوار بين الزوج والزوجة، وفي إطار مصالح المجتمع وشروط تنميته يدور البحث بشأن دور المرأة في المجتمع وفي مؤسساته السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، ومن المؤكد أن الاهتمام بقضية تنمية المجتمع، والأبحاث العالمية الكثيرة التي تعالج قضية التنمية كان لها الدور المهم في تطور المدخل لمناقشة وبحث قضايا المرأة المعاصرة، والمرأة العربية والمسلمة بصفة خاصة. وأوضح أن «النظرة العامة للشريعة الإسلامية لمكانة المرأة ودورها وعلاقتها بالرجل ترجع إلى مصدرين أساسيين من مصادر التشريع الإسلامي وهما النصوص الواضحة الدلالة أو التي لا تحتمل تأويلا من نصوص القرآن والسنة الصحيحة، وأما المصدر الثاني فهي المصادر التكميلية للأحكام الشرعية»، وأعتبر أن «ليس من الصحيح أن كل حكم جزئي يقرره العلماء الثقاة لابد أن يكون ترديدا لنصوص من القرآن والسنة، إذ هناك مصادر تكميلية يتحقق بها «كمال الشريعة» من حيث قدرتها على الاستجابة لتغير «الوقائع» وطروء المستجدات العديدة، عن طريق تقديرات علمية وفقهية جديدة تعرف الواقع، وتعرف المبادئ العامة والمقاصد الكلية للشريعة»، وأشار إلى أن «غير المتخصصين في العلوم الإسلامية من الممكن أن لا يعرفون أن من هذه المصادر ما يتصل مباشرة أو يرجع في النهاية إلى النصوص، وهي الاجتماع، والقياس، ومنها ما يتصل أساسا بواقع الجماعة التي يراد تقديم الحكم الشرعي لأفرادها»، واستعرض قوله تعالى «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالا كثيرا ونساء» (النساء:1)، متوقفا في الآية على كلمتين:الأولى: كلمة (نفس) فالنفس واحدة للرجل والمرأة، وتجهيل الجنس (Gender) في هذا السياق له دلالة لا يتصور الغفلة عنها، وهي أن الجنس هنا لا اعتبار له ولا وزن ولا دلالة فيه على شيء، أما الكلمة الثانية فهي (زوجها) فالزوج في لغتنا العربية تطلق على المرأة كما تطلق على الرجل، يشهد لذلك قوله تعالى «وان أردتم استبدال زوج مكان زوج»(النساء:20)، ومن الموافقات التي تستلفت النظر ان كلمة «Spouse» في اللغة الإنجليزية مقابل كلمة (زوج) في لغتنا العربية.
ولفت أبوالمجد إلى أن «النص الثاني في قوله تعالى «يأيها الناس أنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله اتقاكم» (الحجرات: 13)، فهذا النص المحكم الوجيز يقرر في عبارة واحدة ثلاث حقائق كبرى هي وحدة أصل الناس جميعا «من ذكر وأنثى»، والثانية هي التنوع والتعدد في أوضاع الناس وأجناسهم وثقافاتهم «وجعلناكم شعوبا وقبائل»، وأخيرا التنوع نعمة ينبغي أن توظف توظيفا نافعا وهو قوله تعالى «لتعارفوا»، أي تبادلوا المعرفة بالآخرين»، وذكر أن «فقيه مجدد معاصر يجمع نتائج هذه المساواة بعبارة واضحة دقيقة المعنى إذ يقول: (ومن أظهر صور المساواة بين الرجال والنساء أن يتساويا في التمتع بالحقوق العامة في أداء الواجبات العامة، وهي المساواة التي حاصلها، الذي تؤهلها له مكانتها العقلية والشخصية في حياة مجتمعها شأنها في ذلك شأن الرجل سواء بسواء)»، وبين أن «معنى هذا كله أن الإسلام يعتمد المساواة العامة أصلا لتحديد دور النساء داخل الأسرة وفي المجتمع، ومع ذلك فإن الدقة العلمية تقتضينا أن نتوقف مليا لنحدد المعنى الحقيقي للمساواة، ذلك أن التشريع بطبيعته وطبيعة وظيفته يقرر عددا من التقسيمات والتصنيفات في تنظيمه للعلاقات الاجتماعية وتقريره وتنظيمه للحقوق والواجبات والاختصاصات»، وأعتبر أن المساواة بمعناها العام تتكون من جزئين:هما التسوية في المعاملة القانونية بين أصحاب المراكز المتماثلة قانونا أو فعلا. والمخالفة في المعاملة القانونية بين أصحاب المراكز المختلفة قانونا أو فعلا، ولكن التفرقة في المعاملة لمجرد الاختلاف في الجنس جندر أو اللون أو العرق أو الجاه أو أي اعتبار آخر لا تربطه بالنتيجة رابطة منطقية، فإنه يعتبر من قبيل التمييز غير الجائز، وأن التقسيم والتصنيف جائزان إذ قد تقتضى الاختلافات العضوية أو العاطفية إيثار احد الجنسين ببعض الوظائف التي تمتنع على الجنس الآخر من دون أن يكون هذا تعبيرا عن اختلاف في قيمة أيهما - ومثله أن يثبت بالاستقراء والتجربة أن المرأة اقدر على القيام داخل الأسرة بمهمة معينة، مما يجعل لها أولوية في أداء هذه المهمة، مع الانتباه إلى أن توزيع الوظائف داخل الأسرة وفي المجتمع لا يخل بالضرورة بمبدأ المساواة .
تولي المرأة للوظائف العامة مفسدة حجة سخيفة
وأوضح أبو المجد أن «من أسخف ما يقال اعتراضا على المشاركة السياسية للمرأة هو أن المرأة مكانها الوحيد المشروع هو البيت ورعاية أهلها، وتبعه في ذلك الاعتراض على مشاركتها السياسية أو توليها الوظائف العامة، تفضي إلى مفاسد أخلاقية واجتماعية ناتجة عن الاختلاط بين الرجال والنساء، وهو اختلاط غير جائز شرعا في تصورهم، وتلك حجة بالغة السخافة»، مشيرا إلى أن «الحجة الأولى هي أظهر ما يحتج به المانعون، وهي حجة مرسلة تكاسل القائلون بها عن تفصيلها أو الإدلاء بكلام جاد أمين في شأنها، ولن نتوقف عند أسخف السخف في هذه القضية بالاستناد إلى حديث ما أظن أولئك المجادلين إلا عالمين بعدم صحته، وهو الحديث الذي يقول للرجال في شأن النساء (شاوروهن وخالفوهن)»، مؤكدا أن «هذا الحديث، لا يصلح البتة مانعا من تولي المرأة منصب الرئاسة بعد أن تغيرت «الواقعة» وصارت الرئاسة منصبا مختلفا عما كانت عليه يوم ورد الحديث النبوي الشريف، وأي أمر حين يدخل دائرة الإباحة على فرض الاقتناع بهذه الإباحة، يظل محكوما بملائمات واعتبارات تحتاج إلى مزيد تأمل»، كما نوه إلى أن «الفقه السياسي والدستوري قديما يقول إن تكوين هيئة الناخبين وشروط الأهلية لمباشرة الانتخاب ليست مسألة قانونية خالصة وإنما هي مسألة مركبة تتوقف على الملابسات الاجتماعية والعرف السائد في كل حالة، والأولى أن يقال مثل ذلك عن مسألة تولي المرأة للرئاسة العامة في الدولة».
شهادة المرأة عولجت في إطار فاسد
واعتبر أبو المجد أن «قضية شهادة المرأة اختلط فيها الأمر على أكثر الناس، وصارت تعالج في إطار عنوان فاسد يقول: «إن شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل»، والمدخل الحاسم لمعالجة هذا التقرير الفاسد يتمثل في استقراء النصوص القرآنية والنبوية التي تناولت موضوع الشهادة، وسيتضح على الفور بغير حاجة إلى كلام كثير أو قليل، أنه لا توجد البتة قاعدة تشريعية إسلامية بهذا المعنى»، وأضاف :بل أن أكثر النصوص المتعلقة بالشهادة تساوي بين شهادة المرأة وشهادة الرجل، والأصل العام في الشهادة وفقا للشريعة الإسلامية هو وجوب أدائها تطوعا إذا لم تسبقها دعوة من أحد، واستجابة لدعوة القيام بها سواء صدرت الدعوة من ولي الأمر أو من جهة قضائية، أو خلال إجراء من إجراءات التحقيق أيا كان القائم»، لافتا إلى أن «الأصل في الشهادة هو المساواة بين الرجال في احتساب نصاب تلك الشهادة، فتشهد له آيتان من سورة النساء هما الآيتان 13، 15، تقول الآية الأولى: «واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم، فاستشهدوا عليهم أربعة منكم» من دون إشارة إلى الذكورة أو الأنوثة(...) وتقول الآية الثانية: «والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء».
وفي مقام الطلاق والمراجعة نقرأ قوله تعالى في سورة الطلاق (2): «واشهدوا ذوي عدل منكم»(...) بل أن الإشارة إلى العدل في هذا السياق تقتضى أن الاعتبار الوحيد الملحوظ في قبول الشهادة هو أن يكون الشاهد معروفا بالعدل، ولا عبرة بكونه رجلا أو امرأة».
وذكر أن :الميدان الوحيد الذي جرى فيه التمييز بين شهادة الرجال وشهادة النساء، فهو الشهادة على الحقوق المالية المصاحبة للمعاملات المدنية والتجارية، وما يتصل بها من أمر الديون واستحقاقها وإثبات الوفاء بها، وهو الأمر الذي عالجته الآية (282) من سورة البقرة، وهو نص يتحدث عن الشهادة على الديون الآجلة والفرق فيها وقوع فاصل زمني بين الواقعة التي يراد تحقيق وقوعها وبين وقوع الشك أو الإنكار في شأنها، مما يحتاج إلى خبرة خاصة وذاكرة تحفظ بتفاصيل المعاملة أو الواقعة التي يراد إثباتها، وتحدث العلماء القدامى والمحدثون في علة هذا الحكم الاستثنائي الذي انعطف عن قاعدة المساواة بين الرجل والمرأة في الشهادة، وقدر أكثرهم أن هذه العلة تتمثل في أن الأمر الغالب في زمن النبوة كان اختصاص الرجال بعقد الصفقات التجارية والإلمام بشأن المال والتجارة، بحيث تستقر تفاصيل المعاملات في ذاكرتهم، وأن ذلك لم يكن من شأن النساء في غالب الأحوال، نعم كانت هناك سيدات تاجرات، ولكن ذلك كان استثناء نادرا، والنادر في الفقه الإسلامي - لا حكم له ولا وزن - وإنما تقوم الشريعة على قيام «الغالب الأكثري» مقام «العام القطعي»... لذلك نقوم إن الشأن في المعاملات - خلافا للعبادات - أن يدور الحكم مع علته المحققة وجودا وعدما. وأكد أن «ذلك يصدق على الشهادة كما يصدق على غيرها من وسائل الإثبات، إذ يظل الإثبات وسيلة للاستيثاق من أمر الحقوق والالتزامات، وكلما نشأن لهذا الاستيثاق أدوات ووسائل أوضح وأقطع في دلالتها، كان الأخذ بها جائزا، بل لم يعد العدول عنها إلى وسائل قديمة أقل منها في قوة الإثبات أمرا جائزا عقلا ولا شرعا»،
التعميم في ميراث المرأة خطأ جسيم
وتحدث أبو المجد في ورقته عن ميراث المرأة، مشيرا إلى أن «التعميم في هذه القضية خطأ علمي جسيم، والأقوال المرسلة في شأنه لا تغني عن الحق شيئا، ولابد لذلك من التدقيق واستقراء جميع حالات الاستحقاق في الإرث»، مؤكدا أن «الإسلام حرص على ضبط أمر المواريث تصحيحا لأوضاع فاسدة كانت سائدة في الجاهلية، ودرءا للنزاع بين الورثة بعد موت مورثهم، وإقرارا للعدل في أتم صوره، وإنه إعمالا لهذه الاعتبارات كلها، رتب المستحقين في تركة المورث إلى أصحاب فروض حددت أنصبتهم في التركة تحديدا واضحا، وإلى مستحقين للإرث بالتعصيب، وهؤلاء ليس لهم نصيب معلوم، وإنما يأتي دورهم بعد استيفاء نصاب أصحاب الفروض،
العدد 2104 - الإثنين 09 يونيو 2008م الموافق 04 جمادى الآخرة 1429هـ