العدد 2106 - الأربعاء 11 يونيو 2008م الموافق 06 جمادى الآخرة 1429هـ

الشيخ علي بن حسن آل موسى

إعداد الباحث: فؤاد جعفر عيسى 

11 يونيو 2008

3 - مرحلة العودة إلى القطيف

وتوليه القضاء 1309 - 1346هـ / 1891 - 1927م

بعد عودته من النجف إلى مسقط رأسه اختاره الأهالي؛ ليكون قاضيا شرعيا في تاروت فقد وجدوا فيه الرجل المناسب في المكان المناسب لما يتمتع به من العلم والحلم والعدل بالإضافة الى انه كان - يرحمه الله - دمث الأخلاق، نقي السريرة، لطيف المعشر، محبوبا بين الناس، وهذا الذي كان يطلق عليه القاضي الأهلي، بينما كان زميله فضيلة الشيخ عبدالله بن معتوق هو القاضي الرسمي في تاروت حتى وفاته العام 1362 هـ. والفرق بينهما أنّ القاضي الأهلي يختاره الناس فينظر في القضايا التي ترفع إليه من الأهالي مباشرة بينما القاضي الرسمي فيتم تعيينه من قبل الحكومة فينظر في القضايا التي ترفع إليه من الجهات الرسمية.

وظل الشيخ علي بن حسن آل موسى يتولى منصب القضاء في تاروت قرابة 36 عاما وتعد هذه المرحلة أكثر فترات حياته خصوبة وثراء وهي مدة طويلة اكتسب خلالها بلا ريب خبرة كبيرة فقد مارس جميع مهام القضاء الشرعي المتعلقة بالأحوال الشخصية كالزواج والطلاق والنفقة والميراث وفض المنازعات والخصومات وكان يتخذ من بيته مجلسا للقضاء أو في براحة قريبة من بيته قد اشتراها لهذا الغرض - وقد بنى عليها مسجدا فيما بعد فأطلق الناس عليه مسجد الشيخ علي ولا يزال هذا المسجد يحمل اسم المؤسس إلى اليوم) وفي خلال هذه المرحلة من حياته تزوج بعدد من زوجاته وأعقب عددا كبيرا من الأبناء والبنات، كما أنه قام بتوسيع ممتلكاته فاشترى عددا من البساتين والحظور وضمها إلى ما كان قد ورثه من أبيه ومن أشهرها نخل الخطيب) ونخل حيالة) وفي القطيف نخل عمامرة، وهو بستان كبير جدا... وقد بيعت هذه البساتين بعضها عندما رجع الشيخ من البحرين وبعضها بعد وفاته وبعضها استملكته الحكومة لإقامة مشروعات البنية التحتية في القطيف المصدر: حفيدة المترجم له.

وكان في خلال هذه الفترة يتردد على البحرين وله فيها أصدقاء ومعارف كثر منهم المرحوم الحاج أحمد بن خميس مؤسس مأتم بن خميس في السنابس وهو من كبار تجّار اللؤلؤ المعروفين وقد أشار إليه البعض أن يتزوّج من البحرين فتزوج - صاحب الترجمة - من قرية باربار وبعد فترة تزوّج بأخرى من قرية السنابس واشترى فيها قطعة أرض كبيرة تطل على البحر وبنى لها بيتاّ وسكن فيه مع جميع أفراد عائلته بعد قدومهم إلى البحرين ولاتزال عائلة الشيخ من العوائل المعروفة في السنابس منهم الحاج حميد والحاج سلمان ابني الشيخ نسبة إلى مكانة والدهما الدينية.

ويُشار أن بعض الزيجات - كما تذكر إحدى بنات المترجم له - كانت عبارة عن زواج بركة فيطلب أحد الرجال المقربين المريدين- من الشيخ أن يزوجه بإحدى بناته قد تكون مطلقة أو أرملة) وذلك طلبا للتبرك والنسب بمهر رمزي، لكن المصدر لم يذكر أيّ من هذه الزيجات كانت من هذا النوع.

ومع أنّ سنوات هذه المرحلة من حياته طويلة إذا قورنت بالمرحلة السابقة أو التي بعدها إلا أننا لم نقف على أي ّمصنفات قام بتأليفها خلال هذه الفترة من العمر والأرجح أنه قام بتأليف كتاب واحد ظل عليه عاكفا - ولم يذكر المصدر عنوان الكتاب ولا موضوعه إلا كلمة جامع...!) ويبدو أنّ هذا الكتاب فقد مع ما فقد من الوثائق حتى أنّ مكتبته العامرة بالكتب والمراجع قد اهملت - بعد وفاته - بوضعها في صناديق خشبية في حجرة قديمة في منزل أحد أبنائه في السنابس وقد سقط سقف الحجرة عليها حتى تلفت وقد يكون من بينها هذا الكتاب وقد شاهدها كاتب هذه السطور في الستينيات على هذه الحالة المذكورة. كما أنّ جزءا آخر من كتبه أهداها الورثة إلى أخيهم المرحوم الشيخ عيسى بن الشيخ علي آل موسى وبعد وفاة هذا الأخير العام 1971 م بيعت كتبه مع كتب والده - ومن ضمنها بعض المخطوطات - في مأتم السنابس ولايزال كاتب هذه السطور يحتفظ ببعضها إلى اليوم.

نبذة عن القضاء في البحرين:

في الماضي كان قضاة الشرع ينظرون في مختلف أنواع القضايا التي كانت تحال إليهم من قبل الأهالي من مختلف مناطق البلاد، فكان لكل قرية أو مجموعة قرى متقاربة قاضٍ يختاره الأهالي - من دون علم الحاكم - على سبيل المثال العلامة السيدهاشم التوبلاني (المتوفى العام 1109 هـ) في توبلي وقراها والعلامة الشيخ حسين العصفور (المتوفي 1216هـ) في الشاخورة والعلامة الشيخ محمد بن ماجد (المتوفى العام 1105) في البلاد القديم والعلامة السيدعبدالرؤوف العلوي الموسوي (المتوفى العام 1060 هـ) في جدحفص وقراها والشيخ محمد بن راشد الحسيني في المنامة والشيخ شرف اليماني في المحرق.

وممن تقلد منصب (شيخ الإسلام) ويعني قاضي القضاة في البلد كل من السيدعبدالرؤوف الموسوي والشيخ سليمان الماحوزي (المتوفى العام 1121هـ) والشيخ عبدلله السماهيجي (المتوفى العام 1135 ه) والشيخ يوسف البحراني (المتوفى العام 1186هـ) وينحصر هذا المنصب في من بلغ درجة الاجتهاد وهم مراجع التقليد فيصبح مرجعا للأحكام عندما يكون قادرا على إصدار الفتوى واستنباط الحكم الشرعي من الدليل (كتاب الله والسنة النبوية).

وكان قاضي الشرع - آنذاك - يتولى الأمور الحسبية عامة بما فيها الأوقاف والجباية والحراسة فينظر ويحكم فيها بحسب الشريعة الإسلامية ثم أصبح دوره فيما بعد مقتصرا على قضايا الأحوال الشخصية لفض المنازعات بين الخصوم، وكان الأهالي يرفعون قضاياهم الشرعية إلى أي قاضٍ يطمئنون إليه حيث كانت تعقد المحاكمات علنا بحضور الخصوم والشهود وبعض الأهالي الذين يرغبون بمتابعة المحاكمات. لكن بعد فترة من الزمن أصبح القاضي الشرعي يعين بعلم الحاكم سواء كان رسميا أو غير رسمي فقد تم تعيين فضيلة الشيخ قاسم المهزع قاضيا للمنامة للطائفة السنية العام 1875م بأمر من حاكم البلاد الشيخ علي بن خليفة آل خليفة واستمر في القضاء حتى اعتزاله العام 1927م كما تم تعيين فضيلة الشيخ خلف العصفور قاضيا رسميا للمنامة للطائفة الشيعية من قبل الحاكم الشيخ عيسى بن علي آل خليفة بعدما وقع عليه اختيار الأهالي العام 1898م وكذلك تم تعيين الشيخ أحمد بن حرز قاضيا رسميا لجدحفص، وبعد وفاته قام بمركز قضاء جدحفص ابنه الشيخ سليمان العام 1923م لمدة أربع سنوات فقط بسبب وفاته، وفي هذه السنة حدث تطور جديد في القضاء وذلك بتدخل الإنجليز في شئون القضاء فأمروا بتطبيق نظام القضاء المدني الوضعي في البلاد وبذلك تم فصل القضاء الشرعي عن القضاء المدني فأصبح لكل منهما محكمته وقضاته فاختص القضاء الشرعي بالنظر في القضايا المرفوعة إليه من الجهات الرسمية ومن المواطنين فقط وتطبق عليها أحكام الشريعة الإسلامية، أما القضايا الخاصة بالأجانب المقيمين في البلاد فتكون من اختصاص السلطة البريطانية المتمثلة بدار الاعتماد البريطاني وقاضيها من الإنجليز كما أنشئت محكمة خاصة تسمى (المحكمة المشتركة) التي يكون أحد طرفيها من الأجانب - استمر هذا النظام مطبقا حتى العام 1952م - أما القضاء المدني فأصبح يبت في القضايا المدنية بحسب القانون الوضعي كالجرائم والمنازعات المدنية أما بالنسبة إلى المنازعات المتعلقة ببحارة الغوص فقد تم إنشاء مجلس يسمى «سالفة الغوص» كما تم إنشاء مجلس آخر لشئون التجار يسمى «مجلس التجارة» وبهذا الفرز فقد تم تنظيم القضاء إداريا.

وبعد وفاة الشيخ سليمان بن حرز قامت الحكومة بتعيين فضيلة الشيخ سيدعدنان الموسوي قاضيا شرعيا مكانه العام 1927م وأناطت به في الوقت نفسه مسئولية تأسيس دائرة الأوقاف الجعفرية التي كانت من ضمن صلاحيات القاضي الشرعي آنذاك، وذلك لحماية أملاك الوقف والتركات ولاسيما تلك المتعلقة بالأيتام من سوء تصرف الأوصياء فيها، ولكنه لم يمكث في القضاء طويلا فقد لحق بجوار ربه العام 1928م.

في كتابه «الأوضاع السياسية في البحرين» يذكر عبدالرحمن الباكر شيئا عن القضاء في البحرين «تنقسم محاكم البحرين إلى محاكم شرعية وأخرى مدنية، فأما الشرعية فتنظر في الدعاوى الشرعية المحضة إذ يستمد قضاتها الأحكام من الشريعة الإسلامية بما يتناسب مع كفاءاتهم. أما المحاكم المدنية فتجد فيها الفوضى العجيبة في تناقض الأحكام واضطراب حيثيات جميع الإجراءات التي تتخذ باسم القانون وهو منها براء. تحكم هذه المحاكم في القضايا المدنية التي لا تتصل بالشرع اتصالا مباشرا والقضايا الجنائية على اختلافها وهي على ثلاث درجات: صغرى وكبرى واستئناف». وقد أضيفت إليها فيما بعد محاكم التمييز، العسكرية، المستعجلة مع ملاحظة أن الصغرى ابتدائية ثلاث أو أربع درجات!.

وفي العام 1927 بالذات وكنتيجة لمطالبة أهالي السنابس أن يكون لهم قاضٍ في قريتهم قام تاجر اللؤلؤ الوجيه أحمد بن علي بن خميس (المتوفى العام 1941م) بالطلب من الشيخ علي بن حسن بن موسى بتولي القضاء الشرعي في السنابس بعد موافقة المستشار بلغريف ونظرا للعلاقة الطيبة التي تربطه بالحاج أحمد فقد لبى هذه الدعوة فقدم إلى البحرين العام 1927م وولي القضاء الشرعي في السنابس بعلم الحكومة واستمر في قضاء السنابس خلال الأعوام 1927 - 1935م.

«إنه في العام 1927م أصدر حاكم البلاد الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة قرارا بتعيين ثلاثة قضاة للمحكمة الشرعية للطائفة السنية وهم أصحاب الفضيلة: الشيخ عبداللطيف المحمود والشيخ عبداللطيف السعد والشيخ عبداللطيف الجودر فأصبح مجلس القضاء متعدد الأقطاب بعد أن كان منفردا، ويحكمون في القضايا الشرعية في جميع المقدمات التي تصدر من بيت الدولة ومحكمة البحرين ويكون الحضور في كل أسبوع أربعة أيام يومين في المنامة ويومين في المحرق - بحسب ما جاء في القرار -.

يشار إلى أن المترجم قد استوطن قرية السنابس وتزوج من إحدى بنات الأسر المعروفة في السنابس وهي آخر زوجاته وقد اكتسب خلال هذه الفترة سمعة طيبة لما تميز به من العلم والعدالة والنزاهة في إصدار الأحكام حتى وصلت شهرته إلى علم المستشار تشارلز بلغريف وفي هذه الأثناء كان أهالي المنامة يطالبون بشدة بإصلاح القضاء بعد عزل قاضي الشرع الشيخ عبدالله بن الشيخ محمد صالح عن قضاء المنامة وهم الذين اختاروه من قبل للقضاء، فقامت الحكومة في عهد الحاكم الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة بإصدار قرار تعيين آخر في العام 1935م بتعيين ثلاثة قضاة للشرع في المنامة وهم الشيخ علي بن حسن بن موسى التاروتي وفضيلة الشيخ علي بن جعفر أبوالمكارم القديحي وفضيلة الشيخ باقر بن أحمد العصفور لتولي منصب القضاء في المنامة ويكون الحضور مدة أربعة أيام في الأسبوع ويخصص لكل منهما راتب شهري مقداره مئة روبية. (إن الراتب الشهري للقاضي كان يعادل رواتب ثلاثة موظفين شهريا في ذلك الوقت) وقد هدأت نفوس الناس بهذا الإجراء فترة من الزمن وما كادت المياه تعود إلى مجاريها حتى عادوا يطالبون بعزل الشيخ علي القديحي فعزلته الحكومة وعينت مكانه فضيلة الشيخ محمد علي حميدان مع تثبيت الشيخ علي بن حسن والشيخ باقر العصفور. أما الشيخ على القديحي فقد غادر البحرين مضطرا إلى مسقط رأسه (القديح) من قرى القطيف وتوفى فيها يرحمه الله العام 1943م.

يذكر أن مجلس القضاء كان يعقد في المسجد أو في بيت القاضي نفسه أو أمام بيت القاضي من الخارج في براحة أو على «دجة» مدة ثلاثة أيام في الأسبوع أو أكثر أو أقل بحسب ما يستجد من قضايا واستمر هذا الوضع حتى بدأ الأهالي يطالبون بنقل القضاء إلى مبنى خاص للمحاكم، فقامت الحكومة بتشكيل أول محكمة نظامية في البلاد العام 1921م وكان موقعها مبنى قديما في مكان باب البحرين الحالي ويضم بالإضافة إلى المحكمة بعض الدوائر الحكومية الأخرى كالبريد. وفي العام 1938م قامت الحكومة بنشر إعلان عام لجميع المواطنين بأن التقاضي سيكون في المبنى الجديد للمحكمة التي افتتحت العام 1937م الواقع حاليا على شارع الحكومة في أيام محددة من الأسبوع وكان من المطالبين بنقل القضاء من البيوت إلى مبنى المحكمة فضيلة الشيخ باقر العصفور (المتوفى العام 1977م) كما يشار إلى أن كاتب العدل للقضاة في تلك الفترة هو (الملا حسن بن الشيخ) ومن بعده الحاج عبدالله بن راشد.

أما مهنة المحاماة في ذلك العهد لم تكن بطبيعة الحال على ما هي عليه في الوقت الراهن فقد كان الناس يترافعون بأنفسهم في قضاياهم ولاسيما عند الأشخاص الذين لديهم استعداد وحجة للدفاع عن أنفسهم أو ذويهم وكان (الوكيل) هو الاسم الذي يطلق على المحامي وقد برزت بعض الأسماء اللامعة من المحامين الذين تولوا مهنة الدفاع عن الناس في المحاكم مثل: أحمد بن جمعة وسعد الشملان وعلوي الوكيل وحميد صنقور وغيرهم من الرواد في هذا المجال، ويحصل هؤلاء على إجازة رسمية بممارسة مهنة المحاماة. وكان المستشار بلغريف يتابع جلسات المحاكم في بعض القضايا ويحضر ويشارك بل ويتدخل في كل صغيرة وكبيرة وخصوصا القضايا المتعلقة بالمحكمة المشتركة التي كانت تختص بالنظر في القضايا التي يكون أحد الأجانب طرفا فيها... وقد ذكر بلغريف في كتابه «العمود الشخصي» عندما قدر بالخطأ عمر صاحب الترجمة بين السبعين والثمانين عاما في حين كان عمر الشيخ علي بن حسن آنذاك قد ناهز التسعين عاما واصفا إياه «بكريم العين» وهذا صحيح إذ إن الشيخ علي في نهاية حياته قد ضعف بصره فذهبت إحدى عينيه كما أصابته «الرعشة» وقد عالجه ابنه الشيخ عيسى الذي كان عارفا بالطب الشعبي، وعندما شعر الشيخ علي بن حسن بدنو أجله قدم استقالته العام 1940م ورجع إلى مسقط رأسه «تاروت».

العدد 2106 - الأربعاء 11 يونيو 2008م الموافق 06 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً