ماذا يحدث للمخ عندما يكون في حال تفكير؟ هذا هو السؤال الذي ظل علماء الأعصاب يأملون في الحصول على جواب مقنع عنه منذ قرون. حاول علماء المخ والأعصاب في الآونة الأخيرة مراقبة نشاط المخ في أثناء العمل وذلك باستخدام آخر التقنيات الحديثة والتي استطاعوا من خلالها معرفة أنشطة الخلايا العصبية واستطاع الباحثون عبر هذه الأبحاث المكثفة قراءة بعض أفكار الإنسان من دون اللجوء للشعوذة والسحر. وعن ذلك يقول البروفيسور جون دايلان هاينيس من مركز «بيرنشتاين لأبحاث المخ والأعصاب»خلال مؤتمر عن أبحاث المخ والأعصاب في شتوتجارت جنوب ألمانيا:»إذا استطعنا العثور على نماذج خاصة بالمخ تشبه انطباع الأفكار في المخ فإننا سنعرف ما يفكر فيه صاحب هذا المخ». وركز العلماء خلال المؤتمر بشكل خاص على موضوع «هل يتوصّل علماء المخ والأعصاب لمعرفة الإنسان الشفاف؟». وأصبحت هذه القضية تهم الكثير من الأوساط في المجتمع سواء على المستوى الأخلاقي أو الفلسفي أو الجنائي أو الديني. واكتشف البروفيسور هاينيس خلال إحدى التجارب مركز اتخاذ القرارات في المخ وكيفية اتخاذها.
ويقول هاينيس:»كان على المتطوعين المشاركين في التجربة أنْ يقرروا ما إذا كانوا سيقومون بعملية الطرح الحسابي أو عملية الجمع من دون إبداء ذلك للقائمين على التجربة واستطعنا استقراء قرارهم بنسبة نجاح لا تقل عن 70 في المئة «. وأشار إلى أن العلماء قاموا خلال التجربة بمد أجهزة الكمبيوتر بـ»بصمة الأفكار»أي بحركة الخلايا العصبية وتفاعلاتها ونشاطها بشكل عام عندما يقوم الجسم بعملية الطرح أو بعملية الجمع ثم مقارنة هذه «البصمة»أو الانطباع أو الصورة بصورة مخ المتطوعين في أثناء قيامهم بإحدى هاتين العمليتين. كما وجد الباحثون أنّ الكمبيوتر أظهر النموذج العصبي الذي ينبئ بتصرف محدد للإنسان قبل عشر ثوان تقريبا من صدور هذا القرار ما دفع البروفيسور هاينيس لإعادة طرح السؤال القديم الجديد:»هل الإنسان حر؟ أم أنّ تصرفاته محددة من خلال أنشطة عصبية في المخ؟ ألا يستطيع الإنسان مخالفة طبيعته؟». وشرح الباحث هانز ماركوفيتش خلال المؤتمر حال رجل كان محبا لأسرته ووفيا بحقوقها ولكنه أصبح فجأة ذا ميول جنسية شاذة مع الأطفال جعلته ينتهك عرض أولاده.
وبإجراء الفحوص الطبية على هذا الأب تبين أنه مُصاب بورم سرطاني في المخ. وبعد استئصال هذا الورم عاد الأب طبيعيا وتخلّص من هذه الميول الشاذة.
وعقب الباحث على هذه الحال بالتساؤل:»هل يعاقب القانون على هذه الميول؟... ربما سمحت المحاكم مستقبلا بدخول أجهزة مسح المخ قاعاتها». ويعمل البروفيسور ماركوفيتش أيضا في إعداد التقارير الصحية لبعض الجهات القضائية كما أنه أثبت ما سماه «بصمة الكذب»إذ وجد أثناء إحدى التجارب مع الطلاب أنّ الخلايا العصبية نشطت بشدة في منطقة الجبهة عندما بدأوا يقصون حكايات حقيقية بناء على طلب القائمين على التجربة ثم نشطت الخلايا العصبية بغزارة في مؤخرة الرأس عندما بدأوا يقصون حكايات مختلقة
العدد 2114 - الخميس 19 يونيو 2008م الموافق 14 جمادى الآخرة 1429هـ