ذكر رئيس معهد البحرين للدراسات المصرفية محمد الخزاعي في محاضرة بعنوان «هل كانت هذه جنة عدن؟»، عقدت على هامش معرض الكتب المستخدمة مساء أمس (الأربعاء)، أن «اسم دلمون تردد كثيرا في النصوص السومرية، وكان يشار إليها على أنها الأرض التي تشرق منها الشمس، وفي الآداب السومرية وردت بأنها أسطورة الخلق التي ترتبط بأصل الخلق فتقدم أنشودة ثناء لهذه الأرض التي باركتها الآلهة وحبتها بوفرة من المياه العذبة».
وأضاف الخزاعي «يعتقد بعض الباحثين أنه بناء على المصادر المتوافرة لم تحظ أية بلاد أجنبية بمثل ما حظيت به دلمون، فسومر كانت في نظرهم مركز العالم وقمة الحضارة، وكانت دلمون واقعة تحت هذا التأثير، إذ ساهمت في تنمية التجارة نظرا لأهميتها كموقع عند مفترق طرق التجارة الحيوية بالنسبة إلى الاقتصاد السومري، ولهذا فإن اسم دلمون يتردد في النصوص الاقتصادية فيما يتعلق باستيراد المواد الضرورية لبقاء سومر».
وأشار إلى أن «السومريين اعتبروا دلمون أرضا طاهرة ومقدسة مثل سومر، ونظرا لقدسيتها وطهارتها، فإن سكان البلاد المجاورة فضلوا أن يدفنوا فيها موتاهم، وربما لهذا السبب وجدت مقبرة تعود إلى عصور ما قبل التاريخ المدون، فالمدافن التلية التي تحوي مئات الآلاف من القبور خير شاهد على حضارة دلمون، والاعتقاد بأن دلمون هي الفردوس الذي نزل به الإنسان، هي أرض الخلود التي ينعم فيها الموتى بالراحة الأبدية».
وذكر الخزاعي أن تلك المقبرة «حتى عصور ما قبل التاريخ، كانت تعتبر من مواقع المدافن التي تعود للعصر البرونزي، ويقدر علماء الآثار عدد هذه المدافن التلية بـ 170 ألف قبر، وهي تعد علامة بارزة من علامات الآثار في البحرين، حيث فسر بعض علماء الآثار أن هذا العدد من المدافن التلية المتناثرة، هو دليل على أن سكان الحضارات المجاورة في الجزيرة العربية وبلاد ما بين النهرين كانوا أيضا يستخدمونها لدفن موتاهم، وهذا الرأي قابل للنقاش».
واستشهد الخزاعي في حديثه بـ «دراسة قيمة تعتبر أول أطروحة لنيل درجة الدكتوراه من جامعة هارفارد في تاريخ وآثار البحرين، قام بها بيتر كورنوول الذي عارض الرأي القائل إن البحرين كانت بسبب قدسيتها مقبرة استخدمها سكان البلاد المجاورة لنقل ودفن موتاهم فيها، واستند في حجته إلى أن المقابر التلية كظاهرة ليست مقتصرة على البحرين وحدها، ففي منطقة الإحساء في الإقليم الشرقي من الجزيرة العربية توجد مقابر تلية مشابهة لما هو موجود في البحرين، ورأى أن عملية نقل الموتى قبل عدة آلاف من السنين في القوارب البدائية لم تكن وسيلة مأمونة، لذلك استبعد أن يكون موقع البحرين استخدم لهذا الغرض، وبناء على ذلك فإن هذه القبور كانت لسكان البلاد في تلك الحقبة من تاريخ البحرين».
ونوه إلى أن «حضارة دلمون لم تخلف آثارا ذات قيمة كالمعابد الشاهقة، والقصور المنيفة، والمخطوطات والإنتاج الإنساني كصناعات حرفية مميزة، ولا خطوط لكتابة كالمسمارية أو الهيروغليفية مثلا، غير أننا نستطيع أن نقول إن الدلمونيين ربما كانوا قد برعوا في مجال التجارة وخصوصا ذلك النوع من التجارة البينية و العابرة، فهل كان من بين إنجازاتهم اختراع أساليب تخزين البضائع التي يستوردونها ليعيدوا تصديرها؟».
ومضى الخزاعي قائلا «نعتقد أن سكان هذه المنطقة منذ أقدم العصور كانوا قد احترفوا مهنة الغوص من أجل اللؤلؤ واستخراج هذه الدرر من مياه الخليج الدافئة، وهذا يقودنا إلى أسطورة جلجامش ذلك الملك الأسطوري الذي قدم لدلمون بحثا عن زهرة الخلود وعندما عثر عليها التقطتها الحية الماكرة وفقد مبتغاه، ويمكننا هنا أن نتجاوز هذه الأسطورة ونأتي بتفسير مغاير لما هو معروف، فجلجامش لم يكن يبحث عن زهرة معينة أطلق عليها زهرة الخلود، وإنما كان يغوص بحثا عن درر الخليج ولآلئه، وهناك اعتقاد قديم مفاده أن اللؤلؤ عندما يسحق و يذاب في ماء تشربه النساء، فإنه قادر على شفاء العاقرات و إخصابهن وتجديد الحياة فيهن».
وتابع «إضافة إلى ذلك، فإن مواقع المدافن التلية هي بقايا ذلك الفردوس المفقود، وواجبنا الآن المحافظة على هذه المواقع من الاندثار، وأن لا نسمح لغابات الإسمنت أن تكتسحها، كما ينبغي علينا أن نبذل مساعينا لتسجيل هذه المواقع ضمن تراث الإنسانية لدى منظمة اليونسكو».
وأسف الخزاعي لعدم «إظهار سكان هذه الجزيرة في الماضي أي اهتمام بحضارة دلمون وتاريخها وآثارها لسوء الحظ ربما، فعلم الآثار والتنقيب عنها كان من بين العلوم التي لم يعيروها اهتماما يذكر، وكان لاهتمام الرحالة الغربيين وعلماء الآثار الفضل في الكشف عن آثار الحضارات السابقة سواء في العراق أو مصر أو الهند وفي أميركا الجنوبية».
وأكد أن الاهتمام «بآثار وحضارة دلمون بدأ على أيدي نفر من المهتمين من محبي الآثار والتاريخ كان معظمهم من الهواة إن لم يكونوا جميعهم، وهذا التسلسل التاريخي يبين لنا متى بدأ هذا الاهتمام في نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، إلا أنه من المعلوم أن أول من قام بإجراء دراسة علمية على تاريخ البحرين القديم وآثارها، هو الباحث الأميركي بيتر كورنوول الذي سبقت الإشارة إليه، والذي حضر إلى البحرين في أوائل الأربعينيات من القرن الماضي، وقام بالتنقيب في المدافن التلية واكتشف أن معظم هذه القبور قد تم السطو عليها منذ القدم فلم يسلم قبر واحد منها من جرائم العبث».
ولفت إلى أن «الاهتمام بآثار البحرين، بدأ بوصول أول بعثة للآثار يقودها علماء آثار دنماركيين، قاموا بالتنقيب في موقع قلعة البحرين وكشفوا معبد باربار، ومن بعدهم توالت بعثات التنقيب من فرنسية وبريطانية وعربية وهندية ويابانية وغيرها، وتشارك إدارة الآثار بدور فاعل في هذا المضمار وتشرف على عمليات التنقيب والترميم».
ويضم معرض الكتب المستخدمة الذي يقام في الفترة من 19 إلى 26 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا ومن الرابعة عصرا إلى العاشرة مساء، كتبا تعليمية تضم اللغات والمهن والرياضيات والكومبيوتر، وكتب علمية (علوم الأحياء والفيزياء والكيمياء والرياضيات)، وكتب شخصيات (أدبية وفكرية)، وكتب دينية (حملات الرسول (ص)، الأخلاق، القيم، التعاليم الإسلامية)، وكتب سياسية (مؤتمرات، حروب، ندوات سياسية)، فضلا عن كتب الفكر العام (منوعات، ألغاز، تفسير الأحلام)، وسيخصص ريعه لخدمة الجوانب الخيرية والأسر المحتاجة وذوي الاحتياجات الخاصة والأيتام تحت إشراف المجلس البلدي.
سار - محرر الشئون المحلية
يوم غد الجمعة، السادس والعشرين من شهر ديسمبر/ كانون الأول الجاري هو آخر أيام المعرض، وعلاوة على انطباعات جمهور المواطنين والمقيمين التي نقلتها وسائل الإعلام حول المعرض، إلا أن سجل الزوار الذي خصصته له اللجنة المنظمة مكانا أمام بوابة الدخول، حوى الكثير من الملاحظات والإشادات التي بادر الكثير من الزوار لتدوينها.
وتنوعت كتابات الزوار بين الإشادة بفكرة تنظيم المعرض وتوجيه الشكر الى القائمين عليه والتعبير عن الرغبة في تكراره سنويا ليأتي متواكبا مع احتفالات البلاد بعيد جلوس جلالة الملك والعيد الوطني المجيد، وبين الملاحظات والمقترحات التي تركز الكثير منها على اختيار مكان أوسع مستقبلا لتنظيم المعرض، بحيث يسهم اتساع المكان في توزيع الأجنحة بطريقة تسمح للجمهور بالتحرك بانسيابية أكبر وخصوصا في أوقات الذروة، ومن بين الملاحظات التي سجلها الزوار أيضا تخصيص كتيب صغير يشمل الفعاليات المصاحبة وتوقيتها وكذلك أبرز عناوين الكتب التي يحتويها المعرض، لكن، لابد من القول إن الإشادة بفكرة المعرض والتعبير عن الإعجاب بها وتوجيه الشكر للقائمين على المعرض هي الصفة الغالبة على الانطباعات.
وفي هذا الصدد، يقول عضو اللجنة المنظمة سيدسعيد العلوي، أن ما يجعلنا نشعر بالسعادة هو الإقبال الكبير من قبل جمهور المواطنين والمقيمين على زيارة المعرض، وهذا التجاوب يعطي دلالة كبيرة على أن الفعاليات الثقافية التي تقدم الكتاب للجمهور بأسعار مناسبة وتمنحهم الفرصة لاختيار عناوين متنوعة من الإصدارات يلقى صدى طيبا، مضيفا أن هناك الكثير من عبارات الثناء التي تردنا من الزوار والتي تؤكد أن العمل المضني الذي قمنا به جاء بثمار يانعة.
ويشير العلوي إلى أن الإقبال الذي حظي به المعرض، وتكرار زيارة الكثير من الزوار لم يأتِ من فراغ، فهناك تجديد مستمر للكتب المعروضة وبكميات كبيرة، متوقعا أن يشهد المعرض اليوم ويوم غد إقبالا كبيرا قبل اختتامه، وخصوصا أن هناك الكثير من الكتب التي تسلمتها ولاتزال تتسلمها اللجنة المنظمة ستقدم للزوار خلال هذين اليومين بغية منح الفرصة للجميع للحصول على تشكيلة متنوعة من الإصدارات.
تبرعت مدرسة بوري الابتدائية للبنات بنحو 100 كتاب، دعما لمعرض الكتب المستخدمة المقام حاليا في مقر نادي سار الثقافي والرياضي، بتنظيم من مجلس بلدي المنطقة الشمالية وبرعاية إعلامية من صحيفة «الوسط».
وقالت مساعدة المديرة بالمدرسة إيمان مؤمن: «المدرسة لديها مجموعة من الكتب المستخدمة التي لا تحتاج إليها، ونظرا لقيمة هذه الكتب المعرفية، فقد ارتأت إدارة المدرسة التقدم بها للمساهمة في المعرض الذي يهدف إلى نشر المعرفة ويحمل في طياته معانٍ إنسانية سامية، تتمثل في دعم الأسر الفقيرة وذوي الاحتياجات الخاصة والأيتام».
ووفقا لرأيها فإن «معرض الكتب المستخدمة يعد مشاركة رائدة ورائعة على مستوى الفكرة والهدف النبيل الذي يسعى إلى تحقيقه»، مشيرة إلى أن «مشاركتنا كمدرسة جاءت على اعتبار أن هناك مجموعة كبيرة من الكتب جمعت في مكان محدد، ما سيحقق الاستفادة لجميع فئات المجتمع، ونحن كجهة تعليمية نسعى أيضا لأن تشمل الفائدة مختلف الشرائح والفئات».
ورأت مساعدة المديرة أن «توفير الكتب في المعرض بأسعار رمزية يساعد بشكل أو بآخر على تحبيذ القراءة، وتشجيع الصغار والكبار على الاطلاع والاستزادة من المعرفة، وأتصور أن المعرض كمشروع رائد، ينافس المعارض التي أقيمت قبل عامين في بعض المدارس الحكومية».
ونوهت إلى أنها كانت تتمنى أن يتم إخطار المدارس الحكومية قبل افتتاح المعرض بفترة كافية من قبل المجلس البلدي، حتى يتسنى لهذه المدارس بمختلف فئاتها الاستعداد لتنظيم زيارات تحقق الاستفادة للطلبة والطالبات، وخصوصا أن الكثير من الكتب تباع بـ100 و500 فلس، وهي فرصة كبيرة بالنسبة إليهم لتكوين مكتبات خاصة بهم في منازلهم».
وبينت مؤمن أن مدرستها ستقوم بشراء كتب قيمة خلال الفترة المقبلة، حتى تتمكن من المشاركة بها في معرض الكتب المستخدمة في حال قرر «بلدي الشمالية» الاستمرار في إقامة هذه الفعالية، موضحة أن هذه الخطوة تأتي في إطار الشراكة المجتمعية وتعاون المدرسة مع جميع الجهات الرسمية والأهلية فيما يصب في خير الوطن والمواطنين.
ولفتت إلى أن «وجود الإنترنت جعل طلبتنا يعزفون نوعا ما عن الاطلاع وشراء الكتب، ولكن ذلك لا يغني عن الكتاب الذي يمكن نقله إلى أي مكان، في حين نحتاج إلى الجلوس في موقع محدد لتشغيل جهاز الكومبيوتر للدخول إلى الشبكة العنكبوتية، كما أن الكتاب يسهل الرجوع إلى المعلومة الموجودة فيه بسهولة بمجرد فتح دفتيه، بينما نجد أننا نستغرق كثيرا للوصول إلى ما نريد في الإنترنت، وهذا يعتمد أيضا على سرعة المتصفح».
وأشارت مساعدة مديرة «ابتدائية بوري للبنات»، أنها ستنضم زيارة للطالبات إلى معرض الكتب المستخدمة قبل نهاية الأسبوع الجاري، لتحفيزهن على شراء الكتب وقراءتها، على الرغم من وجود مصادر أخرى للاطلاع والقراءة.
وتابعت «نحرص كهيئة تعليمية على توضيح أن الكتاب لا غنى عنه حتى مع بروز الطفرات التقنية والتكنولوجية، وبالتالي نوصي بأن تقام المعارض المشابهة في يوم دوام رسمي وليس في أيام الجمع والعطل».
وتقدمت بشكرها إلى «القائمين على المعرض ومنظميه وفي مقدمتهم مجلس بلدي المنطقة الشمالية، وكذلك صحيفة «الوسط» لتبنيها هذا الحدث القيم، الأمر الذي يدلل على أفقها الواسع ونظرتها المستقبلية الواعية بأهمية وقيمة الكتاب والقراءة في حياة الناس».
يذكر أن مجلس بلدي المنطقة الشمالية، وجه دعوة إلى وزارة التربية والتعليم، للسماح لجميع مدارس البنين والبنات من مختلف المراحل بزيارة معرض الكتب المستخدمة الذي يقام خلال الفترة من 19 إلى 26 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، إذ يتم عرض كتب تعليمية وعلمية قيمة يمكن للطلبة والطالبات الاستفادة منها في إعداد بحوثهم المدرسية والاستفادة من المعلومات الموجودة فيها.
إلى ذلك، دعا مجلس بلدي المنطقة الشمالية، الأندية والمراكز الثقافية والرياضية إلى حضور الحلقة النقاشية التي ستعقد مساء اليوم (الخميس) بشأن تراجع الدور الثقافي للأندية وسبل النهوض والارتقاء به
العدد 2302 - الأربعاء 24 ديسمبر 2008م الموافق 25 ذي الحجة 1429هـ