العدد 2120 - الأربعاء 25 يونيو 2008م الموافق 20 جمادى الآخرة 1429هـ

«حين ميسرة» يفرج عنه ليعرض ضيق الحال

يبدو أن الفوضى الكلامية التي أثيرت عن فيلم «حين ميسرة» الذي تباينت مساحات عرضه في مختلف الدول العربية، نتيجة للمواضيع الحساسة التي يطرحها، التي اعتبرتها بعض نظم الرقابة منافية للأعراف الجارية في مجتمعاتها أمرا أكبر مما يستحقه هذا الفيلم، وهو لا يتعدى مجرد تركيز على نقطة حبر في وسط أسطر الفيلم الغني بالقضايا والمواقف الأخرى التي يندرج ضمنها ما جعل من الرقباء يرفضون منعه في الكويت، وعرضه مع حذف بعض منه في الإمارات، والسماح بعرضه في البحرين بعد دورة رقابية أخرى تلي دورة الإمارات.

الفيلم يروي مجموعة متداخلة من الحكايات والمواقف، تتركز في الضواحي الفقيرة على أطراف مجتمع المدينة، التي تولد كل تطرف، سواء تجاه التمسك بالدين وقيام المجموعات الإسلامية المتطرفة، أو التطرف نحو السلوكيات المجتمعية السلبية، كالاتجار بالمخدرات والعنف والسرقة وممارسة الرذائل وبيع الذمم.

وقريبا ما يكون هذا الفيلم في طرحه مشابها لفيلم «واحد من الناس» وجزءا من مجموعة حكايات فيلم «عمارة يعقوبيان»، إذ يأتي من قلب تلك العشوائيات على هامش مدن مصر الشاسعة الفنان الشاب «عمرو سعد» كمحور للأحداث التي يتناولها الفيلم، إذ يرتبط بعلاقة غير شرعية في إطار الفيلم مع الممثلة «سمية الخشاب» التي تؤدي دورا محوريا من جانب آخر، ويشتركان في إنجاب طفل غير شرعي، يعجز الأب عن تحمل مسئوليته وكذلك أمه، ليصبح ضحية ما يكتب له من قدر بعد أن تركته أمه تحت كرسي أحد حافلات النقل الجماعي.

الأب، وهو «عمرو سعد»، الذي حمل في الفيلم اسم «عادل حشيشة»، يصارع من أجل بقائه، ومجموعة الأطفال الذين ترعاهم والدته، بعد وفاة أخته لقتل زوجها إياها، وغياب أخوه «رضا» في سفره للعراق.

تتكشف الأحداث لاحقا عن عدد من المشاهد والحكايا المبعثرة، إذ يتحول الطفل التي تركته «سمية الخشاب» في دور «ناهد» لإحدى الأسر الغنية، التي سرعان ما تتخلى عنه لتتركه في الشوارع بعد أن رزقوا بطفل آخر، ليعيش هذا الطفل حياة التشرد والعلاقات المحرمة والتسول من المارين لكسب رزقه، فيما تكون الأم قد تدرجت وفق مجموعة من الأحداث لأن تقع فريسة سيدة مثلية الجنس، تؤدي دورها الفنانة «غادة عبدالرزاق» في مشهد كان هو مثار الجدل لدى العموم، وذلك لتعرضه لمساحة لم يألف الجمهور طرحها مسبقا، وهي التحرش مابين الأنثى والأنثى.

تهرب «سمية الخشاب» من محاولة التحرش بها وهي تصرخ «هو انتو ملقتيوش غير جسمي، تطمعوا فيه رجالة ونسوان» لترد عليها غادة عبدالرزاق «هو انتي حيلتك غيره»؟ بعد هروب خمس سنوات كما يروي الفيلم، تضطر «ناهد» للعودة إلى ذلك البيت، الذي أصبح يستقبل كل مساء الشباب والبنات كي يسهروا ويستمتعوا بالرقص والشرب وممارسة الجنس، إذ تتآمر «ناهد» مع أحد مرتادي هذه الشقة كي تفتعل معه عراكا، تتمكن بعده من الهروب مجددا، ما يقودها مع الأحداث لأن تقع فريسة الشاب الذي هربت معه، والذي يستبيحها لأصحابه كي يغتصبوها مقابل إعطائهم له جرعة من المخدرات.

«عادل» بطل الفيلم هو الآخر يعيش مجموعة أخرى من الأحداث، إذ تتطور سلطته على الحي، بعد أن يتزعم عراكا ضد زعيم إحدى الجماعات، وينتصر لأبناء حارته، إذ يتعاون مع الحكومة لتسريب معلومات حول الوضع الأمني في الحي، مقابل تركه منفردا بالزعامة، وذلك يستمر حتى ينشأ بينه وبين الضابط المسئول عن المنطقة خلاف، يلجأ بعدها إلى حبسه خمس سنوات، ليعود منزوع الهيبة.

وخلال ذلك، نجد أن الفيلم يبدأ في طرح قضية أخرى، ألا وهي التطرف الديني، الذي يعالج بأسلوب لا يخلو من المكر، إذ ان زعيم الجماعة الإسلامية الممثل «أحمد البديري» بدور سواق التاكسي «أمين»، لا يعرف منه وجه التدين المعروف، وإنما يوحي دوره باستغلال اسم الدين لتحقيق بعض المصالح.

فيما «ناهد» التي باتت إحدى نجمات الرقص اللامعات، بفضل ما يتمتع به جسدها من إغراء، تصعد في سلم الغنى والشهرة، يزداد بؤس «عادل»، الذي يرتبط اسم أخيه «رضا» المهاجر للعراق بإحدى مجموعات الإرهاب، ما يجعل من «عادل» وأسرته ضحيا تعذيب وسطوة رجال المخابرات، الذين لا يتورعون عن تعرية أجساد قريباته كي يعترف بما لديه.

من هنا، تبدأ حوادث الفيلم في الدخول إلى منحنى جديد، إذ يستغل «عادل» ككمين للإيقاع بالجماعة الإرهابية التي تستوطن عشوائيته، والذي يوقع ما بين الطرفين (الحكومة والجماعة) في معركة داخل الحي، فيما يفر هو هاربا، وتبدأ بعد ذلك قوات الأمن المركزي باقتحام المنطقة، والتعارك مع الجماعة الإرهابية وسط حرب بالقنابل والرشاشات، تصل بعدها الأحداث إلى هدم بيوت المنطقة بواسطة جرارات، بعد أن يتم إخلاؤها من السكان.

هنا تأتي معالجة أخرى لمدى الانتهاكات التي تتم في حق الأقليات الفقيرة في الكثير من الدول، والتي لا تتوانى عن سحقهم تماما، متناسين إنسانيتهم والأسباب التي أوصلتهم لأن يخلفوا أجيالا من المتطرفين في شتى النواحي.

هذا الفيلم، رغم الجدل الكبير الذي دار حوله، لا يمكن القول عن بأقل من كلمات التقدير، إذ ان الكاتب ناصر عبدالرحمن سعى جاهدا لأن ينقل معاناة الأقليات، والكثير من المواقف المبعثرة من المجتمع، والتي يخلفها الفقر والحرمان وقلة الاهتمام من الحكومات للشعب، وتمكن المخرج المتميز خالد يوسف من إحياء هذه الصور وربطها عبر حبكة إخراجية، لم تخلو من كون كثرتها مشتتة لذهن المشاهد الذي لم يجد سوى التركيز في قضية أو اثنتين كانتا أبرز ما في سياق الفيلم وهما الجنس والإرهاب، فيما كانت المعالجات الدرامية تتطرق للمخدرات والتشرد والفساد الإداري والبطر لدى الأغنياء مقابل الفقر وما ينتجه.

الفيلم في ميزان الرقابة في إطار ما أثاره سينمائيون وباحثون اجتماعيون عن مضمون الفيلم ومشاهده التي تطرح موضوع المثلية الجنسية لدى النساء، أجازت جهات الرقابة الأردنية على المصنفات الفنية عرض الفيلم، فيما كانت لجنة الرقابة بدولة الكويت قد منعت عرضه كليا وعدم الاكتفاء بحذف المشاهد المرفوضة التي تتخلل أحداث الفيلم.

إلى ذلك أجازت لجنة الرقابة السينمائية بوزارة الإعلام البحرينية عرض الفيلم في دور السينما، مع اعتبار خاص لحذف بعض مشاهد الفيلم التي لا تتناسب مع مفاهيم المجتمع البحريني، والمتعلقة بتصوير الشذوذ.

وقد علق رئيس سينما الدانة جيرار سعد بالقول أن «اليوم، الأشياء الطبيعية حينما تكون على الشاشة تصبح غير طبيعية، والفيلم أخذ ضجة أول مرة عرض فيها، ولكن الناس تقبلوه، نظرا لأنه يعكس جزءا كبيرا من واقعهم، ولا يمكنني أن أصنفه سوى بالفيلم العادي».

وبخصوص المشاهد المثار حولها الجدل، فقد ذكر سعد أنه قد تم حذفها وفقا لما تطلبته إدارة الرقابة، وهي المشاهد «الغير مقبولة في العرف والتقاليد للمجتمع البحريني، والتي لا يمكن أن تمر، وذلك ليس قصورا في الشعب وثقافته، إذ أنه في كافة دول العالم هناك مشاهد مقبولة وأخرى مرفوضة، وهناك سقف متفاوت للحرية في أوروبا أو أميركا للمواضيع التي يمكن عرضها على الشاشة».

وأشاد جيرار بإدارة الرقابة البحرينية واصفا إياها بأنها «لا تضيّق، ولديها سعة إطلاع، إذ البحرين من الدول التي لديها موضوعية في الرقابة وطرحها، اللهم إلا في حالة إذا ما كان الموضوع يتعلق بالأديان فهذا أحد الأمور المرفوضة».

وفيما يتعلق بقبول المجتمع الذي يعد النوع الأشد من الرقابة، فعلق جيرار «اليوم حينما تكون في مجتمع تقاليد الوافدين تأتي معهم، وحينما يكون لديك نسبة وافدين أعلى من نسبة المواطنين، فهناك تفاوت في تقبل المواضيع أو رفضها، من جنسية لجنسية؛ وبصورة عامة، لم نر شيئا أو ردات فعل غير موضوعية بالنسبة للأفلام التي عرضت لغاية اليوم».

العدد 2120 - الأربعاء 25 يونيو 2008م الموافق 20 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً