العدد 2121 - الخميس 26 يونيو 2008م الموافق 21 جمادى الآخرة 1429هـ

ماذا يعني أن أكون مسلما بريطانيا؟! (1)

يعيش المسلمون في العالم بعد الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول خصوصاَ حالة من الجدل حول هويتهم وانتمائهم لدينهم ومدى تعارضه مع ما يتمتعون به من هويات أخرى تتعدد في الشخص الواحد، كما تتعدد في معظم بلدان العالم إن لم يكن في جميعها، ومع جدل الهوية يعيش المسلمون حالة من التشكيك والتشكك في انتمائهم لبلدانهم، وفي سلامة علاقتهم بالآخرين المختلفين ديانة، سواء أكانوا أقلية أم أغلبية وقدرتهم على التعايش معهم في سلام ووئام، ويثور هذا الجدل أكثر ما يثور في الغرب... وقد اشتبك مع هذا الجدل العديد من الكتاب والمفكرين مسلمين وغير مسلمين.

وفي هذا المقال نحاول أن نستقرئ مقولات أحد المسلمين البريطانيين الذين اختاروا الإسلام طوعا ولم يرثوه وراثة، وهو الشيخ عبدالحكيم مراد أو تيموثي وينتر عالم الإسلاميات الاسكتلندي، الأستاذ بجامعة كمبريدج.

وحول رؤية هذا البريطاني المسلم في هذا الجدل الدائر نقدم السطور التالية.

عالمية هذا الدين

يتساءل الشيخ عبدالحكيم مراد: هل انحسر الفكر الإسلامي إلى الحد الذي بات فيه عاجزا عن التفاعل مع الحضارات الأخرى؟ ألم تكن العالمية حقيقة أصيلة في هذا الدين أخذت به وراء كل الحدود، فانتشر في حقبة تاريخية وجيزة من السنغال إلى سومطرة؟ هل الإسلام لم يعد قادرا على التفاعل بإيجابية مع الثقافات الأخرى، وخصوصا الثقافة الغربية؟

إذ يتهم الغرب هذا الدين بأنه شيء من الماضي، وأن عليه - إذا أراد الاستمرار- أن يعيش مخاض تجربة الإصلاح والتنوير التي عاشها الفكر الأوروبي منذ قرنين من الزمان، يقول بم فورتاين - السياسي الهولندي المحنك وصاحب الشعبية الجارفة - في كتابه «حتى لا تتأسلم حضارتنا»: «إن كلا من اليهودية والمسيحية قد مروا بتجربة التنوير، والإسلام هو الدين الوحيد الذي يشذ عن هذه القاعدة»، بيد أن هذه المزاعم وغيرها ذهبت أدراج الرياح عندما تجرع الغرب مرارة هذا التنوير وذاق ويلات ذلك الإصلاح، إن الفكر المادي الحسي أورد العالم موارد الهلاك، وهذا ما أكده العديد من مفكري الغرب من أمثال إيرفن جريندبرج وتيج ليندبوم، فراح الغرب يتحدث عن حقبة ما بعد الحداثة ليخلع عن نفسه عباءة العلمانية، ولينطلق إلى آفاق أرحب من سجن العقل والحس الذي حبسته فيه علمانيته.

ومع الأسف لم يقدم النموذج الإسلامي بالصورة الصحيحة؛ إذ تواطأ مفكرو الغرب وقادة الحركات الإسلامية في رسم صورة الإسلام على أنه فكر مادي لا يختلف في كثير من تفاصيله عن غيره من الايديولوجيات، فوضع الفكر الإسلامي والفكر الشيوعي - مثلا - في سلة واحدة.

والإسلام ليس كذلك، فالروحانية مسحة رئيسة في هذا الدين، وإذا كانت مادية أوروبا وقفت مكتوفة الأيدي أمام تفسير كثير من الأخلاقيات التي تُعدّ ركيزة أساسية في قوام أي مجتمع، كمعاني المواطنة وترسيخ قيم الانتماء، فإن الإسلام يقدم الحل لهذه الإشكالية.

يقول ديفيد هيوم: «لماذا يجب أن نحفظ الوعد؟ إن الإجابة الوحيدة هي الالتزام بالولاء». (مقالات، أكسفورد 1963، 496).

ولكن لماذا نحتاج إلى الالتزام بقانون أخلاقي؟ إن الدين هو الوحيد القادر على تقديم إجابات مقنعة لهذه التساؤلات». (من تقرير لمنظمة الصحة العالمية عن العنف). إن العالم الذي مزقته النظريات المادية وجعلت بينه وبين خالقه - إن لم يكن بينه وبين جوهر إنسانيته ووجوده - حجابا يحتاج إلى من يأخذ بيديه ليقيله من عثرته، وليعيد له اتزانه من جديد.

وهنا يأتي دور الدين بما يشتمل عليه من روحانيات وبمنهجه المتوازن الذي لا يهمل الروح لحساب المادة، ولا يفني المادة تخليدا للروح، فينهض بهما معا في اتساق وتناغم يحقق للإنسان ما ينشده من رقي مادي وطمأنينة روحية، ويعرج به في مدارج الكمال البشري إلى القمة السامقة كخليفة لله على الأرض وكسيد لهذا الكون.

الجالية المسلمة في بريطانيا...

ما لها وما عليها.

وعلى هذا، فالمسلمون في المجتمعات الغربية منوط بهم دور حضاري ليس لهم أن ينكثوا عنه، ولنأخذ المسلمين في بريطانيا كمثال، يعيش في بريطانيا قرابة 1.5 مليون مسلم، وينقسمون إلى ثلاث مجموعات: مسلمون من أصول غير بريطانية نزحوا إليها، وأبناء وأحفاد النوع الأول، وأخيرا بريطانيون تحولوا إلى الإسلام، وهذا النوع - دون غيره - يعاني مشكلات في البحث عن هويته يجب التوقف عندها.

إن المرحلة الأولى من التحول تشكل نوعا من الضغط النفسي الذي يخلق حاجزا بين الفرد والمجتمع، بل وتجعل هذا الفرد حادا في رؤيته، فكثيرا ما نسمع في بداية التحول كلمات مثل (نحن) و (هم)، وتؤثر هذه الحدة على تقييم هؤلاء المتحولين الجدد للأمور، فأفعالهم دائما «ملائكية» وأفعال الآخرين «شيطانية».

ولكن هذه حالة سرعان ما تتلاشى، ويتعافى منها الفرد فيحاول بعدها التكيف مع المجتمع في سياق وضعه الجديد، بيد أن البعض يحاول أن يبقى على هذه الحالة من الاستنفار النفسي التي تزامن بدايات التحول، فنجده يتقلب في المجتمع من حزب إلى حزب ومن جماعة إلى جماعة.

ولنعد إلى القاعدة العامة من المتحولين الجدد، كيف يجد هؤلاء انتماءهم للمجتمع في ضوء انتمائهم الجديد للدين؟ ثمة تساؤلات مهمة تطرح نفسها: ماذا يعني أن أكون مسلما ينتمي إلى بريطانيا؟ وماذا يعني أن أكون بريطانيا ينتمي إلى الإسلام؟ ما هي مسئولياتنا نحو المجتمع في ظل الدين؟ وما هي مسئولياتنا نحو الدين في ظل المجتمع؟ هل العزلة خير للدين والمجتمع، أم الانفتاح على المجتمع في ظل الدين خير لهما معا؟

* كاتب ومترجم مصري

العدد 2121 - الخميس 26 يونيو 2008م الموافق 21 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً