العدد 265 - الأربعاء 28 مايو 2003م الموافق 26 ربيع الاول 1424هـ

أحمد جلبي يبدأ حملة انتقام ضد محطة «الجزيرة»

ليس من السهل إجراء مقابلة صحافية هذه الأسابيع مع أحمد جلبي، ذلك أن رئيس المجلس الوطني العراقي والمرشح الرئيسي عند الأميركيين في عملية وضع نظام سياسي جديد في العراق، يتصرف وكأنه تحفة نادرة! وقد خص محطة تلفزيون أبوظبي بمقابلة واشترط أن تكون منقولة مباشرة على الهواء، وسرعان ما تبين سبب إصراره على هذا الطلب. فمن وراء اختيار تلفزيون أبو ظبي، أراد جلبي توجيه ضربة انتقامية لمحطة تلفزيون الجزيرة التي يقع مقرها في العاصمة القطرية الدوحة، واتهم جلبي الجزيرة بأنها كانت أداة بيد المخابرات العراقية. ولتأكيد صحة مزاعمه، قرأ جلبي فقرات من وثيقة حصل عليها معاونوه ضمن ملفات المخابرات العراقية يدور مضمونها حول لقاء تم بين مدير المحطة محمد جاسم العلي ومسئول المخابرات العراقية في سفارة بغداد بالدوحة، إذ دار الحديث حول المشكلات التي تواجهها محطة «الجزيرة» مع وزارة الإعلام العراقية.

بعد أيام قليلة على صدور مزاعم جلبي، زادت صحيفة Sunday Times البريطانية اللكمات وكشفت المزيد من التفاصيل وقالت إن عميل المخابرات العراقية الملقب باسم: الجزيرة 2 ، قام بنقل رسالتين وردتا من أسامة بن لادن زعيم القاعدة إلى عملاء صدام حسين، وقالت الصحيفة إن اثنين من المصورين في الجزيرة، كانا يتعاونان مع المخابرات العراقية.

سي إن إن العرب

وفي حال تم التأكد من صحة مضمون هذه الوثائق، سيكون لذلك عواقب وخيمة ليس فقط بالنسبة لمحطة الجزيرة وإنما أيضا للإعلام في العالم العربي. ففي العام 1996 أسس أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني هذه المحطة وأحدث ثورة إعلامية في المنطقة العربية. وعلى رغم عناية المحطة بالتقاليد الإسلامية إلا أن تحرير الأخبار بلغ معيار الإعلام الغربي: جرأة وسرعة في نشر الخبر وعدم الخوف من الرقابة. هكذا اشتهرت محطة الجزيرة وأصبحت تحظى باهتمام 35 مليون مشاهد من المغرب إلى سلطنة عمان، كما حازت على احترام الإعلام الغربي وأصبحت بمثابة (سي إن إن) العالم العربي. هل تم التسرع في صدور هذا الحكم؟

بأي حال، ظهرت خلال الأسبوع الماضي في بغداد، وثائق جديدة من شأنها أن تدفع المسئولين في محطة الجزيرة إلى الضرب على رؤوسهم. هذه الوثائق التي اطلعت عليها مجلة(دير شبيجل) تحمل توقيع مسئول المخابرات في السفارة العراقية بالدوحة التابع لقسم M5 وتوحي أنه بالإضافة إلى أن التعاون لم يكن مقتصرا على اثنين من المصورين وكذلك فإن موظفا كبيرا في المحطة كان يعمل كمخبر لعملاء صدام وحصل على الاسم الرمزي: الجزيرة 2 أما اسمه الحقيقي فهو شاميل ناصر سرسم. وكان يعمل في السابق كمقدم لنشرة الأخبار باللغة الإنجليزية في التلفزيون العراقي قبل أن ينضم للعمل في الجزيرة قبل نحو ست سنوات.

في يوليو/ تموز 1997 وافى مسئول المخابرات العراقية في سفارة بغداد بالدوحة، وزارة الخارجية العراقية، بنجاح المسعى في تجنيد سرسم. في رسالة موجهة إلى دائرة البحوث وتحليل المعلومات/2 أفاد الكتاب بأن السفارة خاطبت سرسم واتفقت معه على تقديم خدمات للعراق وأن الجزيرة 2 أعرب عن موافقته على التعاون وتنفيذ كل ما يطلب منه.

رسالتان من بن لادن

في نوفمبر/تشرين الثاني 2001 توحي ملفات المخابرات العراقية أن سرسم نقل معلومات كثيرة للعراقيين، بينها معلومات عن زملاء له. وكتب مدير قسم M5 إلى زميله مدير قسم M4 أن الجزيرة 2 ينفذ جميع طلباتنا بدقة. وتم إرفاق رسالتين من أسامة بن لادن إلى بغداد. ولتكريم الجزيرة 2 نظير خدماته اقترح مدير القسم M5 الإيعاز لسفارة بغداد بالدوحة كي تعرض عليه هدية وموافاة المقر الرئيسي بإيصال قيمة الهدية. في نهاية يناير/كانون الثاني 2002 حصل رجال الاتصال بالخارجية العراقية على دليل كشف عن التجسس الناجح للجزيرة 2 عبر رسالة من السفارة بالدوحة جاء فيها: «لدينا صلات جيدة مع غالبية العراقيين العاملين في الجزيرة». وتم إرفاق قائمة بأسماء 34 من العاملين العراقيين بالمحطة والوظائف التي يشغلونها. وأفاد التقرير أنه من خلال تعاون هؤلاء معنا فإن مصالحنا مضمونة في الجزيرة.

وإزاء هذه الاتهامات تلتزم الجزيرة الصمت. وفي منتصف الأسبوع الماضي تم إخطار المحطة بصحيفة الاتهامات والإحاطة علما بالتعليق عليها. ووفقا لطلب المحطة تم تزويدها بصور عن الوثائق التي عثر عليها لكن لم يجر التعليق عليها حتى نشر هذا التقرير. وصرح المتحدث الصحافي باسم المحطة جهاد بلوط: «إننا نعلق فقط بعد مراجعة قانونية».

ستون طنا من الملفات

ويشير تقرير نشرته مجلة(دير شبيغل) عن هذا الموضوع أنه بعد وقت قصير على سقوط بغداد، تمكن مقاتلو المجلس الوطني العراقي، من الوصول إلى مقر المخابرات العراقية وصادروا نحو 60 طنا من الملفات، وهي اليوم موجودة في مكان سري وتحت حراسة أمنية مشددة. وهناك دلائل تؤكد أن الملفات حقيقية وغالبيتها محفوظ بعناية يمكن الإطلاع بوضوح على مضمونها والتواقيع والأختام الموجودة عليها وتتطابق مع النسخ التي حصل عليها سابقا المجلس الوطني العراقي. يضاف إلى ذلك أن العراقيين الذين كانوا يرغبون بالعمل في الخارج، كانوا يحتاجون إلى موافقة هيئة خاصة مؤلفة من موظفين بوزارة الخارجية والمخابرات العراقية. كما ان هناك سببا لعدم الثقة، ليس فقط لأن المجلس الوطني العراقي يتعاون بصورة مكثفة مع وزارة الدفاع الأميركية التي أوفدت فريقي عمل إلى بغداد للنظر بالملفات، كذلك الأمر هناك من يتحسب قيام الأميركيين بتزوير وثائق تتعلق بأسلحة الدمار الشامل، لهذا ينبغي توخي الدقة في تقييم هذه الملفات.

الممرضة المزيفة

وكثيرا ما استخدمت الإدارة الأميركية وحلفاؤها في مرحلة الحروب وما بعدها، سياسة التعتيم الإعلامي كسلاح، ومثالا على ذلك ما جرى قبل عملية (عاصفة الصحراء) العام 1991. فقد ذكرت ممرضة كويتية مزعومة للرأي العام المصدوم، أن جنود صدام رموا المواليد من أسرّتهم وأجهزوا عليهم. ثم تبين لاحقا أنها كانت مزاعم مختلقة أوجدتها شركة أميركية للعلاقات الخارجية Hill and Knowlton التي حصلت على تكليف من الكويت - كما قالت الصحيفة - للقيام بحملة إعلامية مركزة واستخدمت الشركة لهذا الغرض ابنة دبلوماسي كويتي في واشنطن لعبت دور الممرضة.

لكن فيما يتعلق بمحطة الجزيرة فإن الوثائق التي تم العثور عليها، من شأنها تأكيد الاتهامات. وفي حال ثبوتها ستؤثر سلبا على سمعة الجزيرة التي تحظى بسمعة جيدة في الغرب ولن يساعدها بذلك تمسكها بالموضوعية المنحازة للعرب بل العكس، فقد عرضت المحطة الخطط الاستراتيجية الأميركية البريطانية التي أرادت واشنطن ولندن حجبها عن العالم، كما عرضت الصور البشعة للحرب في أفغانستان والعراق وصور الجنود الأميركيين الأسرى وقتلاهم. ولم تتعرض سمعة الجزيرة إلى خدش، حتى بسبب سماح الطالبان لها أن تكون الجهة الإعلامية الوحيدة في أفغانستان بعد أن تم طرد ممثلي أجهزة الإعلام الأخرى. ولم تؤثر عليها كذلك كونها المحطة التي يزوّدها أسامة بن لادن برسائله دون سواها، وكان آخرها قبل أسبوع حين دعا نائبه أيمن الظواهري إلى القيام بأعمال عنف جديدة ضد مصالح الغرب. وكان أن رفض محمد جاسم العلي عرض رسالة مصورة أصر أسامة بن لادن أن يجري عرضها بالكامل وكان هذا في نوفمبر/تشرين الثاني 2001 ، وقال العلي وقتذاك: «إننا لا نقبل أوامر من أحد». كما ظلت الاتهامات التي وجهها وزير الخارجية الأميركي كولن باول للجزيرة خلال حرب العراق، دون نتائج. فقد اتهمها باول بأنها بوق النظام العراقي وأنها تعمل على تحريض الرأي العام العربي. وبعد وقت قصير ثبت عدم صحة اتهاماته، إذ قامت وزارة الإعلام العراقية بالطلب من مراسل الجزيرة تيسير علوني مغادرة الأراضي العراقية فورا. كما سحب موظفو وزير الإعلام الصحاف رخصة العمل من مراسل المحطة في بغداد، العمري. وبعد 48 ساعة تم السماح لهما بالعمل مجددا وللأسباب التالية. ذلك أن اسم العمري موجود أيضا في ملفات المخابرات العراقية. وتشير رسالة من مدير القسم M41 إلى رئيس المخابرات تقول إن موظف المخابرات شهاب أحمد حمادة يعرف العراقي، العمري، كما يشير مضمون الرسالة إلى أن العمري، الذي يعمل كمذيع في الفضائية العراقية، يعمل كمراسل لمحطة الجزيرة.

هل العمري مخبر سري؟

وكانت المعلومات المتوافرة عن شخص العمري مفيدة من وجهة نظر النظام العراقي. إذ أن عمه كان يشغل منصبا رفيعا في حزب البعث، كما حارب في جنوب لبنان والأردن وفقا للبيانات التي قدمها موظف المخابرات، شهاب. وكان واضحا أن العمري مستعد للتعاون مع المخابرات العراقية. وجاء في ملفه أنه أبلغ عن تحضير محطة الجزيرة موازنة كبيرة للحصول على مقابلة تلفزيونية مع الرئيس صدام. كما تنوي المحطة إرسال مندوب إلى الأكراد في شمال العراق لإجراء مقابلة مع الزعيمين الكرديين مسعود البرازاني وجلال الطالباني. ويقترح التقرير بالخصوص أن يجرى ضم العمري لوفد الجزيرة والاستفادة منه، وتم الإيعاز إلى الجهة المختصة لمتابعة الموضوع بإيعاز من مدير المخابرات. كذلك كان العمري المرشح المناسب لهذا الدور لأنه سبق وأن تعاون في السابق كمخبر مع البوليس السري. إلا أن البيانات بشأنه لا تكشف ما إذا تم تجنيد العمري هذه المرة.

حتى لو أنه يبدو للوهلة الأولى أن منع العمري عن العمل بقرار من وزير الإعلام العراقي، يحميه من الاتهامات الموجهة إليه، إلا أنه عاد ليمارس عمله بعد يومين. وفي البيانات التي كشفها جلبي أمثلة على تمسك النظام العراقي بالتعاون مع الجزيرة. ففي يناير 2000 حملت وزارة الإعلام العراقية على محطة الجزيرة، بعد عرض برنامج ظهر فيه معارضون عراقيون. لهذا السبب وكما يشير مضمون إحدى الوثائق، اجتمع مسئول المخابرات العراقية في سفارة بغداد بالدوحة مع مدير المحطة، محمد جاسم العلي بحيث وعد مسئول المخابرات بحل النزاع. وعن طريق الخطأ، وصل تقرير مسئول المخابرات إلى وزارة الإعلام العراقية وكتب مدير قسم منطقة الخليج العربي بتاريخ 15 يناير/كانون الثاني يقول: «إن علاقاتنا السرية مع محطة الجزيرة تهدد الثمار التي نجنيها من تعاوننا مع المحطة». وأشار التقرير إلى اللقاء الذي تم مع العلي وحذر من أنه في حال الكشف عن هذا التعاون من قبل قوى معادية فإنها سوف تستخدم ذلك وسيلة للضغط على المحطة وسوف نخسر وسيلة إعلامية مهمة.

مما لا شك فيه أن القوى المعادية تنبهت لهذا التعاون. ففي الثامن من أبريل الماضي ضرب صاروخ أميركي مكتب الجزيرة في بغداد أسفر عن مقتل أحد العاملين. وأعلن الصحافي العلوني عن استشهاد أحد رفاقه، وبعد وقت قصير أبلغ مشاهدي الجزيرة أنه لا يعتقد أن هذا الاعتداء وقع نتيجة خطأ

العدد 265 - الأربعاء 28 مايو 2003م الموافق 26 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً