قال الكاتب الإسلامي السيد كامل الهاشمي: «إن علماء الطائفة الجعفرية في البحرين يتدارسون حاليا المسودة التي قدمها القاضي الشيخ حميد المبارك لتنظيم القضاء الشرعي، وفي حال تم التوافق عليها سترسل إلى الفقهاء من أجل التصويب»، في الوقت الذي حذر فيه النائب البرلماني عضو جمعية المنبر الإسلامي عبداللطيف الشيخ من خطورة ترك أحكام الأسرة بلا تقنين حسب الشريعة الإسلامية، لأن ذلك يفتح احتمال مجيء من يقننها بحسب القانون الوضعي.
جاء ذلك في الندوة التي نظمها نادي سار وحضرها جمع غفير من المواطنين رجالا ونساء.
ووجه مدير الندوة كريم رضي أسئلة متتالية إلى المحاضرين الهاشمي والشيخ ونائب رئيس «الوفاق» حسن مشيمع وعضوة الجمعية زهراء مرادي، مشيرا إلى «العنف اللفظي» الذي استخدمه المعارضون لاستصدار قانون الأحوال الشخصية عبر البرلمان فبرر الهاشمي بأن الذين استخدموا الشدة «انطلقوا من حرصهم على الدين»، وأكد أنه معارض لاستصدار القانون عن طريق المؤسسة التشريعية، مشيرا إلى ارتفاع معدلات الظواهر السيئة الموجودة والتي تعرض على القضاء الشرعي، وان «ما نعانيه هو من غياب القانون المفعّل ومن عملية تسييس القضاء».
وعما إذا كان التقنين هو تشريع قبال شرع الله، قال الهاشمي: «لقد حصل سوء فهم كبير لمدلول الكلمات، فكل العلماء يتفقون على التقنين، ما عدا عالم واحد، وحتى الشيخ عيسى قاسم يرى التقنين، ولكن عبر الفقهاء وهذا ليس محل مساومة (...) نعم هناك اختلاف في الفتيا وهذا منذ القدم وليس جديدا، لكن يجب علينا البحث عن آلية مناسبة لحل مشكلة تعدد الفتيا أما وجود القانون فيجب ألا يكون محل خلاف».
وفي إجابة عن سؤال وجهته «الوسط»، كشف الهاشمي عن وجود تفكير جدي لدى علماء الطائفة الجعفرية في البحرين بتدارس المسودة التي قدمها القاضي الشيخ حميد المبارك، وأن العلماء إذا توافقوا على صيغة معينة فسيرفعونها إلى الفقهاء للتصويب.
كما أوضح الهاشمي الذي احتد على بعض الأسئلة التي كانت تشير إلى وجود خلاف بينه وبين الشيخ قاسم بقوله: «لا يوجد خلاف بيني وبين الشيخ عيسى ومن يصر على وجود هذا الخلاف فهو غبي أو يتغابى».
ودافع النائب الشيخ بشدة عن الرأي المؤيد إلى التقنين وقال: «قبل أن أعرف أحكام الأسرة أقول، لابد من وجود منهج صحيح للحوار (...) وإنني أتساءل وأنا ألاحظ الطرح المعارض المنقول في وسائل الإعلام وأحاول أن أعرف إلى أين يتجه الاعتراض؟ هل هو على مبدأ التقنين؟ أنا أفهم أن التقنين هو تنظيم للأحكام الشرعية وإلزام القضاة بتطبيقها، فقضايا الزواج والطلاق وآثارهما نجد في أحكامهما أمور ثابتة لا يمكن الاجتهاد فيها، مثل «للذكر مثل حظ الانثيين» لكن هناك مساحة تترك إلى العلماء ليجتهدوا فيها بناء على فهمهم للنص، وحينما نطالب بالتقنين فنحن نريد إصلاح القضاء، وارى أن مسائل الأحوال الشخصية هي من أصعب المسائل.
وضرب مثلا بفتاة جامعية أراد والدها تزويجها من قريب لها فلم تقبل به لأنه لا يناسبها، لكنها فوجئت بوالدها يأتي إليها ذات يوم ليريها عقد زواجها من ذلك الشخص، من دون أن تدري ثم أرسلها إلى دولة مجاورة مع ذلك الشخص، وبعد مدة رجعت معه إلى البحرين وقد أساء معاملتها وضربها وحلق شعر رأسها لترفع هي بالتالي قضية ضده في المحاكم.
وأضاف: «نحن متفقون على مبدأ التقنين، ولن نعدم الوسيلة إذا اتفقنا على ذلك، وأنا أريد قانونا مصوغا من الجهات الفقهية المختصة ولا مانع لدي من ذلك، لكنني أتساءل: هل المشكلة تكمن في عدم الاعتراف بالمجلس الوطني وهل كل مرة نقع في إشكال شرعي لن نعرضه على المجلس وكأننا بهذا ندعو إلى فصل الدين عن الدولة؟ إنني أخشى - كما قال الشيخ محمد أبو زهرة - من أننا نخاف إذا لم نقنن أحكام الأسرة بحسب الشريعة الإسلامية أن يأتي من يقننها على غير الشريعة الإسلامية».
ومن جانبه، أشار نائب رئيس «الوفاق» مشيمع إلى أن طرح قضية تقنين الأحوال الشخصية الآن ربما يكون مقصودا من قبل الجهات الرسمية وقال: «يجب أن نلتفت ونحن نتجادل بشأن هذا الموضوع إلى ألا نصل إلى حد التصادم الذي يعوق حراكنا السياسي بل يجب أن نعالج الموضوع في إطاره الطبيعي كي لا تحث خلافات مثلما حدث أثناء انتخابات المجالس البلدية «وشرح مشيمع كيفية نشوء القوانين الوضعية في الغرب ثم انتقالها إلى المسلمين وأن البحرين لديها اليوم محاكم تحكم بالقوانين الوضعية وان الشيء الوحيد الذي تم استثناؤه هو الأحكام الشرعية» وعن التقنين من خلال البرلمان قال: «هناك قوانين مخالفة للشرع مررت من خلال البرلمان، ومثال ذلك القروض الربوية كقرض الـ 500 مليون دولار، إلا أن هذه القوانين أو المسائل لا تمس أفراد المجتمع فردا فردا، لكن أحكام الأسرة تمسهم» وأردف: «تثار مسألة الأحوال الشخصية وكأنها محصورة في التقنين (...) نحن مع المرأة ونعلم أن هناك ممارسات عملية سيئة ونريد إصلاح القضاء لكن مخالفة القضاة ليس لها علاقة بالقانون، فلو كان لدينا أفضل قانون لكن القاضي ليس نزيها فلن تحل المشكلة... يجب أن يتم اختيار القضاة من قبل لجنة علمائية وأن تكون هناك مراقبة على القضاء».
وأعاد التأكيد «لسنا ضد التقنين كتقنين شرعي، لكن حينما يأتي من خلال البرلمان الذي هو ليس متخصصا في هذا الجانب فلن نقبل، فحتى لو أتينا بقانون شرعي من عند فقيه ثم عرضناه على البرلمان وتم التصويت عليه فسيصبح هذا القانون غير شرعي... نريد أن يصدر التقنين من جهة شرعية ويستمر كذلك بطريقة شرعية»، وأشار مشيمع إلى إمكان وضع استثناء إلى قانون الأحوال الشخصية في الدستور.
أما عضوة اللجنة السياسية «الوفاق» مرادي، فأبدت موافقتها على التقنين وأشارت بوضوح إلى عدم استقلالية الجمعيات واللجان النسائية ذات الطابع الديني إذ قالت: «بالنسبة إلى الحركة النسائية في البحرين، فنجد هناك جمعيات ولجان نسائية ذات توجه ديني، لكن ليست لها استقلالية بسبب نهجها الذي يوالي بعض الجهات».
وعن الحاجة إلى التقنين أوضحت «لو حضر أيٌ منا إلى «جمعية نهضة فتاة البحرين» أو «جمعية أوال النسائية» ورأى آلاف القضايا التي تعرضت لها المرأة فسيرى ضرورة التقنين» وانتقدت مرادي إلقاء كل اللوم على نوعية القضاة قائلة: «التيار الإسلامي وجّه اللوم إلى القضاة في حين أننا نجد في القضاة، الجيد منهم وغير الجيد، والقضية لن تحل بتغيير نوعية القضاة بل يجب أن توجد لوائح يعرف المحامون من خلالها على أي أساس سيترافعون، وأن يعرف المدعي والمدعى عليه، لا أن نعتمد كما هو حاصل الآن على أشياء موجودة في ذهن القاضي».
وانتقدت مرادي علماء الدين بشدة إذ قالت: «إنهم بعيدون عن معاناة الأسر البحرينية، وهذه المشكلات موجودة منذ عشرات السنين لكن الرموز لم يتصدوا إليها، حتى في المؤتمر الأخير الذي عقدته لجنة الأحوال الشخصية وفي ندوة نادي العروبة، لم يحضر أحد منهم ويجب أن تكون قناة بين الطرفين وان يستمع العلماء للناس».
وكشف النائب البرلماني وعضو المنبر الإسلامي علي أحمد والذي وجد في الندوة عن «أن التخوف من تغيير القانون مستقبلا يوجد لدى الجميع، المعارضين والمؤيدين»
العدد 265 - الأربعاء 28 مايو 2003م الموافق 26 ربيع الاول 1424هـ