العدد 266 - الخميس 29 مايو 2003م الموافق 27 ربيع الاول 1424هـ

الأعراق في مصر القديمة

هناك فكرة غير واقعية رائجة في إفريقيا تقول إن «المصريين القدماء كانوا سمر البشرة». وفي العام 1990 وعندما بدأت الأخبار تتسرب بأن كثيرا من الأكاديميين السود كانوا يطلقون مثل هذا الزعم قام محرر العمود الخاص جون ليو الذي يعمل مع مجلة «نيوز آند ويرلد ربورت» الأميركية بالتحدث هاتفيا مع سبعة من كبار الخبراء المتخصصين في علم الآثار المصرية للحصول على رأي هؤلاء الخبراء. وقد اتفق الجميع من دون استثناء على ان الفراعنة وحتى الناس العاديين في مصر القديمة لم يكونوا سودا او زنجيين، ولكن لم يبد أي من هؤلاء الخبراء الرغبة في ان ينقل هذا القول على لسانه. وكما بين أحد الأشخاص أن القضية كانت شديدة الحساسية من الناحية السياسية، وان الناس يمكن ان تقع في مشكلات لمعارضتهم أكثر الحماقات فظاعة إذا تم تأكيدها من قبل عدد كبير من السود.

المومياء والصور الجدارية

لربما يكون المصريون أسوأ اختيارا بالنسبة لأي شخص يريد نشر قصص خرافية عن التركيب العرقي لشعب قديم.

إن من أكثر العوائق الواضحة هو وجود المومياء، إذ انه من الصعب ان تشكك في صحة جنس الجثة المحفوظة بشكل جيد حتى ان رموش العين يمكن عدها. كما ان الفحص البصري والقياس الانثروبومتري (قياس الجسم البشري) وتحليل الحمض النووي DNA لا يدع مجالا للشك بان المصريين القدماء كانوا قوقازيين متوسطيين (من سكان البحر الأبيض المتوسط) مثل غالبية المصريين المعاصرين. ومازالت ملامح رمسيس الثاني، الفرعون الذي اضطهد اطفال اليهود، موجودة في الشعر المتباعد المسترسل الذي يميز البيض. ولربما كان هذا الفرعون أحمر الشعر.

إن المصريين المعاصرين هم في الواقع أكثر سمرة الى حد ما من القدماء. وتحت التأثير العالمي المعاصر للاسلام تزاوج المصريون مع شعوب أخرى بشكل أسهل وأسرع منهم عندما كانوا متبعين التعاليم الحصرية للديانة المصرية. أما الآن فإن الناس الذين يمثلون النوع العرقي لبناة الأهرامات هم المسيحيون الاقباط. لقد ظل هؤلاء الاقباط أكثر اتباعا للنهج التقليدي المحافظ من المسلمين إذ احتفظوا بسمات من اللغة المصرية القديمة في طقوسهم الدينية وامتنعوا عن الزواج من الغرباء.

ولا تشكل الجثث المحنطة دائما أفضل مصدر للمعلومات بالنسبة إلى اجناس شعوب العهد القديم (القسم الأول من الكتاب المقدس). لقد عمل الفنانون القدماء آلاف الاشياء المنحوتة بنقش ضئيل البروز واللوحات الجصية الجدارية والزخارف التي تترك سجلا مرئيا دقيقا عن الأجناس التي اختلطوا معها.

وقد انتقى الفنانون المصريون القدماء موضوعاتهم من الحياة وانتبهوا بعناية الى الفروق العرقية في كل من لون البشرة وملامح الوجه. أما الاستثناء الوحيد فهو رسم العينين إذ استمر المصريون لأسباب غير معروفة في رسمها بالأسلوب نفسه بغض النظر عن جنس الشخص. وتوجد الكثير من الرسومات التي تبين الفروق العرقية الواضحة في الفن. لقد كان المصريون القدماء دقيقين بالنسبة إلى تصوير الجنس حتى ان أعمالهم تبدو أحيانا أكثر قربا إلى علم التصنيف منها الى الفن.

إن أقدم محاولة باقية لعمل ما يمكن ان يسمى بالجدول الاثنوغرافي (الخاص بالاعراق البشرية) يميز المصريين وجيرانهم عن طريق تصوير الزنجي الاسود البشرة والسوري الزيتوني اللون، والمصري الأحمر البشرة، والليبي الابيض البشرة (قبل اختلاطهم بالقبائل العربية).

البيض الأوائل

لربما تكون مفاجأة لبعض القراء عندما يعرفون أن لون البشرة عند الكثير من السكان الأوائل في الشرق الاوسط كان هو اللون المميز لشمال أوروبا. وقبل وصول المصريين - لربما من شبه الجزيرة العربية - سكن دلتا النيل شعب ذو شعر رملي اللون ازرق العينيين يشبه الى حد كبير القبيليين (البربر) الذين لا يزالون يقطنون المناطق الجبلية في المغرب والجزائر. ولربما يكونون قد انحدروا من (الكرومانيونيون - الانسان القبتاريخي)، والذين وجدت بقاياهم في جنوب فرنسا. وقد طرد هؤلاء الليبيون الى الغرب من النيل بواسطة المصريين الأقوياء. أما إلى الشرق فكان المصريون على اتصال بالعموريين والحثيين الذين من المحتمل ان يكون أصلهم أوروبيا. وهم يظهرون في الفن المصري بالشعر الخفيف والعيون الزرقاء نفسها مثل الليبيين واليونانيين وسكان آسيا الوسطى.

ومثل الكثير من الشعوب عبر التاريخ حُكم المصريون من قبل ملوك ينحدرون من سلالة تتميز ببشرة فاتحة. ولربما كانت الملكة نفرتيتي - التي يبرز تمثالها النصفي الشهير ملامح وجه أوروبي - من أصل حثّي. أما الفلسطينيون القدماء الذين شنوا هجمات متكررة على الاسرائيليين كما جاء في العهد القديم فلربما كانوا ينتمون الى الاغريق الاسبرطيين. لقد جاء من آسيا الوسطى وأسسوا مملكة صغيرة ولكنها كانت قوية في غزة.

ويصور الفنانون المصريون المصريين الذين قاموا بتسجيل المعارك بين المصريين والفلسطينيين القدماء العدو بأنه كان أطول منهم وذا بشرة فاتحة، وكان المارد غولياث الذي قتله داوود بمقلاعه يتبع التقليد الاغريقي في المطالبة بالمبارزة بين الابطال.

وقد صور الفنانون المصريون الاسرائيليين جنسا ساميا بكل وضوح، ومثل المصريين لربما كان أصلهم من شبه الجزيرة العربية مع انه يبدو انهم خرجوا منها في وقت متأخر. أما في عصر ابراهيم فكانوا بدوا رحلا يعيشون في الخيام، وكان المصرييون أكثر تقدما من الاسرائيليين من الناحية الثقافية.

وكان لدى الاسرائيليين شعورا قبليا قويا يدعمه الاعتقاد بأنهم كانوا شعب الله المختار. لقد كانوا عنصريين بشكل قوي وكانو يُدفعون بشكل دائم من قبل انبيائهم إلى الترفع عن الزواج اللحمي. ومع ذلك فقد اختلطوا الى حد ما مع الحثيين والعموريين الاوروبيين الذين حل الاسرائيليين محلهم بعد غزوهم لكنعان. ولربما كان الملك داوود فاتح البشرة وكان الحيثي يوريا من أقرب المقربين اليه، كما كان جناح النساء في قصر الملك سليمان من أكبر القصور الذي كان يضم نساء من أعراق متعددة في التاريخ القديم.

وكما يشرح المؤلفون فغالبا ما يتم تصوير الافارقة السود في الادب المصري القديم، ولكن دورهم كان يقتصر على دور الاسير او العبد. وقد غزا ملك الاسرة الثانية عشرة في القرن العشرين قبل الميلاد سيسوسترس الاول أجزاء من النوبة وأقام حاجزا على الحدود لضمان عدم دخول اي شخص أسود إلى مصر إلا بصفة عبد. وكان المصريون ينظرون الى السود كأشخاص كسالى يؤمنون بالخرافات ومع ذلك كانوا يفضلونهم عبيدا لأنهم كانوا مخلصين وودودين.

ولربما كان من أحد أسباب استمرار الابداع في مصر القديمة لمدة 3000 عام بينما بقى ذلك الابداع في مصر الاسلامية بضعة قرون فقط هو الآراء المختلفة بالنسبة إلى الزواج اللحمي فلقد كان تمازج الاجناس (الزواج بين شخص ابيض وغير ابيض) شائعا في عهد الاسلام. ومع ان السود في الجنوب كانوا على اتصال لآلاف السنين مع التكنولوجيا والتعليم في مصر، فإنه يبدو انهم لم يستوعبوا أي شيء من العلم داخل مجتمعاتهم.

كيف كان المصريون ينظرون إلى جيرانهم السود؟

لقد ترك المصريون البيض الكثير من المراجع المكتوبة للسكان السود في النوبة وفي الجزء الاوسط من البلاد. وفي احدى المراحل منعوا السود منعا باتا من دخول بلدهم. إن الأدلة المتوافرة تدحض المزاعم التي يطلقها المؤرخون المؤيدون للسود بأن الحضارة المصرية القديمة قد نبعت من الجنس الاسود.

وقد قام بعمل التسجيل الكامل والترجمة لهذه النصوص المكتوبة استاذ علم الآثار المصرية والتاريخ الشرقي بجامعة شيكاغو جيمس هنري برستد في كتاباته بعنوان «تاريخ مصر من أقدم العصور الى الفتح الفارسي» الطبعة الثانية، 1909. ويمكن لأي شخص مهتم بالوصف التفصيلي المرتكز على مصادر مصرية أصلية الاطلاع على هذه الطبعة

العدد 266 - الخميس 29 مايو 2003م الموافق 27 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 16 | 7:21 ص

      تاريخ مخلوط بالعنصرية يركز علي العناصر البيضاء دون السوداء في التاريخ المصري. . مع تجاهل تام للملوك السود الذين حكموا مصر

    • زائر 13 | 3:06 م

      مصر قديما كانت تدعي كميت أي السودان

    • زائر 11 | 6:56 م

      الى الكاتب موسى .. كميت معناها "الارض السوداء" و ليست ارض السود .. كما ان المسيحيين ليسوا مصريين اصليين بل بهم الكثير من الدم الاغريقي و اليوناني .. و اللغة القبطية اللتي يدعون انها اللغة "الاصلية" لمصر مزيج من المصرية و اليونانية .. بل ان اغلبها استحدث من اليونانية القديمة .. كما انه لا يوجد دليل على ان معظم المصريين كانوا مسيحيين عندما جاء الفتح العربي .. فهناك ديانات اخرى وثنية كانت موجودة .. ولا اعتقد انه كانت هناك احصائيات في تلك الايام يمكن الاعتماد عليها

    • زائر 7 | 4:34 م

      موسي

      المصريين زنوج زنوج وبلدهم تسمي (كمييت ) يعني ارض السود وكل الملوك حتي من قبل نارمر هم زنوج وهذه هي الحقيقة ثم ولماذا يقيم هولاء القوقازيين حضارتهم في ارض افريقيا الجنس الزنجي اقدم مرشد للبشرية في طريق الحضارة اقرأ شهادات القدماء البيض نفسهم مثل هيردوت وديدور الصقلي وحتي الحديثين مثل شامبو ليون

    • زائر 8 زائر 7 | 8:30 ص

      المصريين القدما سمر واضح جدا بدون عنصرية

      يا اخي المصريين القدما سمر سمر وعاشرا بيض
      الا اذا كنت لا تري او نظرك ضعيف ولما ميزو نفسهم عن الهكسوس البيض والليبيين ان لم يكونو سمر وان كانو بيضا ؟؟؟؟
      اقرب ناس للفراعنه هم النوبة في شمال السودان وجنوب مصر والزين ينتمون الي الكوشيين مملكه كوش التي كانت تجاور الفراعنه لهم نفس اللوانهم السمرا

    • زائر 6 | 3:42 م

      س

      الموميات المصرية زنجية الشكل مئة في المائة

    • زائر 5 | 11:58 ص

      الحقيقة

      اخي مشكور على الموضوع و لقد قرأت الكثير عن اصول المصريين و وصلت لاعتقاد اقتنعت به و هو ان المصريين الاوائل الذين عاشوا في مصر كانوا سودا اعني انهم كانوا افارقة اتوا من شرق افريقيا الصومال و اثيوبيا و السودان بعد ان استقروا لسنيين طويلة في السودان ثم رحلوا شمالا بمحازات البحر الاحمر ثم عبروا الى الصحراء الغربية و التي استوطنوا بها و كانت في تلك العصور افضل اماكن مصر للاستقرار ثم اتجهوا الى النيل بعد مرور المنطقة بموجات جفاف تبعتها هجرات سامية من الشرق و حامية من الغرب و الجنوب ثم الاختلاط ثم شعب

    • زائر 4 | 6:20 ص

      اترك التاريخ لأصحابه و لا تتعمد المغاطه ليهود الصهاينة لأن كل مقالط مغالطات و اخبار كاذبة و لن اهين نفسى و علمى بالرد

    • زائر 3 | 8:09 ص

      الحقيقة جافت هذا المقال

      نعم جافت الحقيقة الكثير من ما ورد في المقال اذ ان الاصل في الحضارة الانسانية هم السود الافارقة ومنها انطلقت شعوب العالم بما فيها حضارت مصر العريقة

      ولكن في اعتقادي ان المصريين القدماء بسبب عدد من المعتقدات حاولوا تغير هذه الحقيقة او اخفائها بشكل او اخر في الحقيقة ان هذه العدائية غير المبررة ضد السود ما هي الا عقدة من نعرفتهم باصولهم السمراء

    • زائر 14 زائر 3 | 9:45 م

      انظر اين رست مركب نوح و بعدين تعال اتكلم و قول ان افريقيا اصل الحياه و ان الزنوج هم اصل الحضارات،طالما هم اصل الحضاره،، اين اثارهم في وسط و غرب افريقيا

    • زائر 2 | 9:25 ص

      جهل مضاعف و مغالطة فى التاريخ ودعوة للجاهلية

      مما لاشك فى أن المصريين من سلالات حامية أى سمر البشرة و هيردودت عندما زار مصر قال عن المصريين أنهم أصحاب البشرة البرونزية أى ليست بيضاء وأذا نظرت الى كل الرسومات والملامح الموجودة سوف تؤكد لك ذلك وموقع مصر فى منتصف العالم مما تسبب فى توافد الكثير جدا من الأجناس التى تسببت فى مزج السلالات والأجناس وسوف أختم كلامى بقول النبى (لافرق بين عربى ولاأعجمى ولا أبيض ولا أسود الا بالتقوى ) فالمعيار التقوى والصلاح لاغير

    • زائر 1 | 8:38 ص

      جهل مركب وإساءة غير متعمدة للمصريين

      المصريون يا أخ سمر سمر عكس ما كتبته تماماً
      كل الصور في المعابد والتماثيل والمجسمات تصور المصريين سمر بشكل يعمي العين .
      الصور للمصريين وعبيدهم العبرانيين تظهر فرق اللون الفاجر .المسلمون هم الأقرب والأكثر إحتواءاً لدماء القدماء.
      المسيحيون دماؤهم فينيقية ورومانية والملامح المصرية فيهم نادرة ولولا الهجرات من أوروبا والشام لانقرضوا .
      رمسيس الثاني حالة نادرة والملامح الإفريقية واضحة فيهأيضاً . وبياضه كان سبباً في تغيير معبوده الي أبو فيس رمز الغرب

    • زائر 12 زائر 1 | 3:20 م

      الحقيقة قصة قدم الحضارة الفرعونية على الحضارة النوبية \\اكذوبة كبيرة فندها وفضحها المؤرخ السنغالي الشيخ / انتا ديوب في كتابه ( الاصول الزنجية للحضارة المصرية ) هذا الكتاب يوضح كيفية بدء الحضارة واستشهاد المؤرخ بأقدمية الحضارة النوبية على الحضارة المصرية حالياً الثقل الحضاري المصري يقع في جنوب مصر في مدن اسوان ابو سمبل والتدرج ينتهي في الجيزة ، والامتداد المنطقي قبل هذه المدن المصرية يقع في شمال السودان مناطق البجراوية جبل البركل وأثارها وبديهياً الناس يبدا بالشي الصغير وينتقل للكبير !!

    • زائر 17 زائر 12 | 6:19 م

      معلش

اقرأ ايضاً