ونحن نعيش ذكرى مولد النبي الأعظم محمد (ص)، نبي الرحمة الذي تمثل النبوة في شكلها ومحتواها عندما تفتتح الحياة برسالة الله إلى البشر، لتخرجهم من الظلمات إلى النور، وتهديهم إلى صراط العزيز الحميد.
ونحن نعيش هذه الذكرى المباركة العطرة نستلهم واقع النبوة التي انطلق منها سيد الأولين والآخرين (ص)، وقد جاء في الحديث القدسي: «يا أحمد، ألم تدرِ لأي شيء فضّلتك على سائر الأنبياء؟ فقال: اللهم لا، قال: باليقين وحسن الخلق ورحمة الخلق».
ومن هذا المنطلق نفهم أن النبوة سفارة يقوم بها النبي بين الله وخلقه... وقد طبقها نبينا الكريم (ص) بأروع صورها إذ أنقذ الجاهلية الأولى عبدة الأوثان والأصنام وهداهم إلى الصراط المستقيم طريق الحق وطريق الخير، درب الله سبحانه وتعالى.
رسول الحق...
بلغ محمد (ص) الرسالة وجاهد فيها وضحّى بأمر من الخالق عزو وجل في سبيل الدعوة فأوصل الأمانة إلى أمته بكل معاني الصدق والإخلاص... الصادق الأمين كما يُكنّى... قال تعالى: «وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى» (النجم: 3-4). أي ان العصمة جُعلت له من قبل الله فلا يتصرف بوحي شهوة أو هوى... تلك هي صورة المصطفى (ص) في القرآن الكريم الذي اختاره واصطفاه لأداء رسالته إلى الناس كافة، ومن الطبيعي أن ميزة اصطفاء الله لمحمد (ص) تدل على ما يتمتع به هذا الإنسان من عبقرية ومؤهلات روحية أهلته لهذا الشرف العظيم.
«إنك لعلى خلق عظيم» (القلم:4) أجل إننا نرى أن هذا النبي العظيم تبوّأ منزلة في الخلق لم يرتقِ إليها أحد من قبله ولا بعده انه (ص) أبهى وأنقى وأسمى ما يكون، فقد كان خلقه يمثل احدى الركائز العظيمة التي تخلّدت فيه وبقيت وساما إلهيا سرمديا ضاءت له الأكوان ودخلت الأمة أفواجا أفواجا في دعوته على أسس العقيدة ومنطلق الأخلاق الذي اتصف به.
«وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» (الأنبياء: 107 ) لقد بلغ الكمال والنبل من الرحمة على الأمة فكان يشفق على أعدائه قبل أخلاّئه وكان يحرص على معاودة المريض وكان قلبه الكبير مفتوحا بينه وبين البشر كافة بل كان يقيل العثرة ويغفر الزلة ويدعو للغفران عند الله ويدعو لقومه بالهداية والنور على رغم إيذائهم وإيذاء المنافقين له. ومن أوجه الرحمة عنده (ص) أنه قدم وفد من الأعراب ؟إلى رسول الله (ص) يسألونه: أَتُقَبِّلون صبيانكم؟ قال: نعم، قالوا: لكننا والله ما نقبل... فقال رسول الله(ص): «وما أفعل إن كان الله نزع الرحمة من قلوبكم».
الوصايا المحمدية
وكان (ص) يوصي دائما بعدم إيذاء الجار، ومساعدة الأرامل والمساكين واعتبرها كالجهاد في سبيل الله، وخص بالذكر إكرام اليتيم وكفالته واعدا بأن تكون درجته يوم القيامة عظيمة إذ يفوز بالجنة. كما كان من رحمته وقوفه وقفة حازمة في وجه من يئد البنات أو الأولاد خشية الفقر والإملاق أو الفتنة، وقد تصدى لجميع الآفات والأمراض الاجتماعية من بغض وحسد وغيبة فطهّر المجتمع ونقّى القلوب لينشر الودَّ بين الناس إذ كان الحب فطرته وكان يوصي به دائما... «والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا». لقد عاش حياته كلها حبّا ومودة، فكان القوم يشتاقون إليه ويحبونه ويحنون إليه حنان الطفل الرضيع إلى ثدي أمه أو أكثر.
السموّ عند محمد (ص)
ولم يكن محمد (ص) عبوسا أو صارما أو مكفهر الوجه... بل كان دائم البشاشة في سمو وعزة وكرامة، وكان يحذِّر من الأخطاء الصغيرة ويحث أصحابه على اجتناب الشبهات والترفع عنها، وهكذا كان أصحاب محمد النجباء (رض) ومن سار على دربه باليقين الصادق... لأنه (ص) كان لهم الميزان العادل والقسطاس المستقيم، إذ يقول لهم: «الحلال بيِّن، والحرام بيِّن وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى... يوشك أن يرتع فيه». إننا حقا بحاجة ماسة إلى هذه الذكرى العطرة من أجل أن نجد حياة النبي (ص) ولكي نجدد في النفس روح القوة والتفاؤل والعزة ونعيد للنفس ثقتها من خلال اتصالها بالله وتوجيهها نحو مستقبل مشرق من خلال انطلاقها مع رسالة الله عز وجل. أخيرا لقد خاطب الله عيسى بن مريم (ع) قائلا: «محمد رسول الله إلى الناس كافة أقربهم مني منزلة وأوجبهم عندي شفاعة، طوبى له من نبي وطوبى لأمته إنْ هُم لقوني على سبيله»، والحمد لله رب العالمين.
علي ثامر
العدد 255 - الأحد 18 مايو 2003م الموافق 16 ربيع الاول 1424هـ