خرج أول دليل قوي على أن الأدوية ستتمكن في النهاية من قهر فيروس «سارس» إلى النور حديثا في مختبرات الدفاع ضد الأسلحة البيولوجية التابع للجيش الأميركي، إذ يجرى أوسع بحث حثيث منهجي في العالم عن علاج، على مدار الساعة.
ويركز العلماء بحثهم على عقاقير مقاومة للفيروسات متوافرة أصلا في الصيدليات على أمل العثور على علاج يساعد بسرعة أولئك الذين نقلهم المرض التنفسي الجديد إلى شفير الموت.
مع أن معظم تلك الأدوية قد أخفقت حتى الآن، فثمة دواء واحد يبدو واعدا وهو بروتين الانترفيرون الطبيعي الذي يكافح العدوى.
وفي الوقت نفسه أجرى العلماء تجارب بعدد قليل من المركبات الاختبارية التي تبدو مثيرة للاهتمام بصورة خاصة على أساس ما يعرفونه عن الآليات الداخلية لفيروس سارس. والاستنتاج المحوري الذي تم التوصل إليه من هذه التجارب هو أن عقاقير تدعى قامعات البروتياز، وهي أبناء عمومة كيميائية لأدوية هزمت الإيدز تستطيع أن توقف فيروس السارس الذي يسبب الزكام.
هذه «الخبطات» كما يسميها العلماء ما هي إلا خطوة أولى على طريق العثور على علاج لسارس. وتجرى كل التجارب في صحون المختبر، والأدوية التي تعطي نتائج باهرة على ذلك المستوى (صحون المختبر) قد تكون مخيبة للآمال عند البشر. ويتوقع أن يجرب العلماء ما لا يقل عن 100 ألف مركب ـ وربما 500 ألف مركب ـ خلال الأشهر المقبلة.
ومع ذلك، فالعلماء مبتهجون لكون أن أبحاثهم قد عثرت بهذه السرعة على إشارات تفتح أمامهم الطريق لإجراء اختبارات أوسع نطاقا.
يقول كبير علماء الأبحاث - في معهد الأبحاث الطبية للأمراض المعدية التابع للجيش الأميركي في فورت ديترك - بيتر جارلينغ: «إن ما تم هو شيء عظيم ونحن مسرورون للغاية».
يتعلق النشاط العادي الذي يقوم به المعهد المذكور بالبحث عن دفاعات ضد الأمراض المعدية التي يمكن أن تواجه الجنود سواء عن قصد أو غير قصد في أي مكان على الكرة الأرضية. والخبرة التي يتمتع بها العلماء في التعاون مع الجراثيم الغريبة غير المفهومة تماما جعل من الطبيعي أن يقع عليهم الاختيار لتجربة الأدوية عندما ظهر المرض الرئوي الشديد الحاد سارس في آسيا كشكل لم يسبق إن شوهد لالتهاب الشعب الرئوية.
وباشر المسئول عن العقاقير المضادة للفيروسات جون هاغينز عمله بصورة منهجية فأعدى خلايا حية بفيروس سارس ليرى ما إذا كان هناك شيء، يستطيع أن يبقي الخلايا حية.
هناك حوالي 20 شخصا يعملون في مختبر هاغينز المحصن ضد الجراثيم قبالة مقر معهد أبحاث الجيش الباقي منذ الحرب العالمية الأولى. وفي هذه الأيام الأولية يجري هؤلاء تجارب بأدوية منطقية ـ وأخرى غير منطقية بيولوجيا ـ بحثا عن «خبطات» سريعة.
يقول هاغينز: «لسوء الحظ من الأفضل أن تكون منهجيا هذه الأيام من أن تكون ذكيا». إن محاولة التحرز والتكهن والذهاب من دون إبصار إلى حيث يقودك المنطق أمر خطر عندما يكون ما تعرفه ضئيلا».
ويأمل هؤلاء أن تقودهم مصادفة سعيدة إلى شيء قيد الاستعمال الروتيني أصلا يشفي من سارس. ولكن من بين عشرات الأدوية التي جربت حتى الآن، وهي بمعظمها من الأدوية المستعملة عامة لمكافحة فيروس المناعة البشرية HIV المسبب للإيدز والقوباء المسبب للإيدز والقوباء (الهربس)، غير أن الانترفيرون كان العقار الواعد الوحيد.
إن الانترفيرون هو أحد الدفاعات العامة ضد الفيروسات في الجسم، وهو يمارس دوره قبل أن يباشر جهاز المناعة الطبيعية إنتاج الأجسام المضادة المتخصصة بدقة في مكافحة فيروسات محددة.
ولقد أصبح الانترفيرون الذي ينتج بالهندسة الوراثية متوافرا تجاريا بعدة أشكال مختلفة. وقد اكتشف المختبر العسكري أن نوعا يدعى انترفيرون بيتا يقضي على فيروس سارس في صحن المختبر، مع أن ذلك يتطلب عشر مرات أكثر من الجرعة التي قد تعطى للمريض عادة. ومع ذلك يقول الخبراء إن الجرعات الأصغر قد تكون فعالة داخل جسم الإنسان.
وفي حين يبدو أن الانترفيرون هو العقار الأكثر احتمالا بأن يصبح بسرعة علاجا للمرض، يقول هاغينز إنه من الضروري إجراء المزيد من التجارب للتأكد من أنه يفيد أكثر مما يضر.
وبالنظر إلى كون المرض الرئوي اللانمطي هو مرض جديد تماما لا أحد يعرف بالضبط لماذا يسبب توعكا شديدا إلى هذا الحد للمصابين، حتى انه في بعض الحالات يدمر رئاتهم. ومما لا شك فيه أن الفيروس قادر على تسبيب تلف. ولكن في بعض الحالات، يكون الهجوم المضاد الذي يشنه الجسم سيئا مثل الفيروس نفسه.
ولذلك سيتوجب على الأطباء التأكد من أن أجسام المرضى لا تنتج أصلا كمية انترفيرون أكبر مما يلزم، قبل أن يصبح هذا الهورمون دواء لسارس.
إلا أن خبير الفيروسات الرئوية في جامعة فيرجينيا فردريك هايدن، يشير إلى أنه عندما يسبب الأنفلونزا التهاب الشعب الرئوية ينتج الجسم كمية ضئيلة من الانترفيرون لا تكون كافية للرد على المرض بشكل فعال، ولذلك فإن النتائج التي توصل إليها المختبر العسكري تثير إمكان استعمال الانترفيرون إما للوقاية من مرض سارس وإما لمعالجته.
ومما يشجع العلماء أيضا اكتشاف أن عقاقير تدعى قامعات بروتياز السيستين تستطيع أن توقف الفيروس عند حده عن طريق التشويش على أحد الأنزيمات التي يحتاج إليها لصنع نسخ جديدة عن نفسه. ويقول جارلينغ إن المختبر جرب 19 عقارا من هذه الفئة وتبين أن ستة منها تعطي مفعولا، وهي «بوضوح غير سامة للخلايا».
وكانت الشركات الصيدلانية قد طورت هذه الأدوية لمعالجة أو درء حالات الزكام التي تسببها الرينوفيروسات، إلا أنه لم يتم إعطاء أي عقار من تلك الفيروسات الرئوية. وكان العلماء يأملون منذ البداية أن يتبين أن الأدوية الهادفة إلى معالجة الرشح والزكام مقيدة في مكافحة فيروس سارس أيضا.
وحتى إن لم تكن هذه الأدوية بالتحديد ليست ناجعة. فإن شيئا شبيها لها قد يكون مقيدا. ولذلك سيقوم المختبر بجمع الكثير من المركبات القريبة جدا منها، والتي تخلت عنها المعامل الصيدلانية في سياق بحثها عن دواء.
وإذا فشل الانترفيرون والأدوية الأخرى المتوافرة في السوق، فإن التغلب على فيروس سارس سيكون مسعى بطيئا بالتأكيد. وسيتوجب على الساعين أن يواصلوا عملهم بدقة في كل خطوة من الخطوات لإثبات أن الدواء يسعف حيوانات المختبر المصابة بالعدوى، واستعماله من قبل البشر سليم العاقبة وانه في نهاية المطاف يشفي المرض، خلال التجارب على عدد قليل مهم في البداية، ثم على عدد أكبر.
وبالنظر إلى طابع الاستعجال الذي يحيق بسارس يحتمل أن يتحرك صانعو الأدوية بأقصى سرعة، فيما يتكهن هايدن أن تكون الأدوية، مثل قامع البروتياز، جاهزة للتجربة على البشـر في غضون سنة واحدة.
وفي هذه الأثناء يعمل مختبر هاغينز على مدار الساعة ويجري تجارب شاملة بحوالي 25 عقارا دفعة واحدة وعليه أن ينتظر ثلاثة أيام للحصول على النتائج. ويتوقع فريق الخبراء أن يبدأ قريبا رفع عدد التجارب إلى 100 دواء دفعة واحدة.
ويخصص لكل عقار طبق بحجم 10*15 سم وكل منها مقسم إلى 96 حجيرة مستقلة تحتوي على تركزات متفاوتة من الدواء إضافة إلى كمية من خلايا القرود. ويضيف العلماء كمية كافية من فيروسات سارس للخليط لتسبيب العدوى لخلية واحدة من كل ألف خلية.
وعلى رغم شقاوة الفيروسات عندما تكون في الرئة البشرية، فإنها تتصرف بطاعة في المختبر وتنمو بنجاح في الخلايا المستزرعة، ويبدو أثرها المدمر بوضوح إذا تم تكبيرها 40 مرة تحت عدسة المجهر. فصفوف الخلايا التي تبدو عادة أشبه بصفوف حجارة الطوب (الطابوق) تنتفخ عندما يسيطر عليها الفيروس. وبعضها ينفجر حقا، مخلفة ثقوبا مكانها.
وإذا أعطى الدواء مفعوله، لا ينتشر. وتظل الخلايا في حالة صحية جيدة. وبغية مشاهدة سلوكها يرشق عليها العلماء صبغة تمتصها الخلايا الصحيحة، فإذا امتصت الكثير من الصبغة يعني ذلك أنها صحيحة وأن الدواء فعال.
ويعمل المختبر بالتعاون مع المعهد القومي للحساسية والأمراض المعدية وإدارة الأغذية والأدوية، للعثور على أي دواء تقدمه الشركات الصيدلانية، أو أية فكرة جيدة تأتي من فرد.
والحكومة بدورها لا تقف مكتوفة الأيدي بانتظار وصول شيء بالبريد. فإدارة الأغذية والأدوية تحث شركات الأدوية على تقديم أدوية محتملة ضد الفيروسات من تلك التي تعرف الإدارة أن الشركات تعمل عليها، أو أنها قد تكون تخلت عنها.
ولضمان عدم تفويت أي شيء سيجرب المختبر العسكري فئات الأدوية كافة التي تباع في العالم، مهما كانت الحالات التي تعالجها. كما أنه سيفحص 880 دواء في مجموعة من الأدوية الفريدة من الناحية الكيماوية لدى شركة برستويك كميكال.
خدمة (أ . ب
العدد 257 - الثلثاء 20 مايو 2003م الموافق 18 ربيع الاول 1424هـ