في كل ليلة يصلي الإنسان ويدعو ربه بأنواع الدعاء ثم يخلد إلى النوم، لكن لا أحد متأكد من أنه سينهض من فراشه في الصباح.
وعلى رغم من ذلك إلا أن كل فرد منا لا يزال يخطط ويخطط للأيام وللأشهر بل وللأعوام المقبلة دون كلل أو ملل أو ريبة.
هذا هو الأمل والعمل الحقيقي الذي يقول عنه أمير المؤمنين علي (ع) «اعمل لدنياك كأنك تعيش إبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا»، فهو ميزان تتساوى فيه الكفتان، نتيجته الآخرة والدنيا، إذن فالأمل الحقيقي هو نتيجة الألم العاقل والشرعي. وكما يقال في الحركة بركة لكن أي حركة التي تتبعها بركة؟ طبعا هي الحاجة والحركة المؤمنة الواعية وإلا فالمجال مفتوح لحركات وتحركات لا حصر لها والواقع يرينا الكثير من الحاجات والآمال غير المنطقية ومنها ما تأخذ صاحبها إلى الهلاك، فهل الشعور بالحاجة إلى جرعة من المخدرات أو أمل الحصول على بعض المردود من بيعها هي حاجة حقيقية؟ وهل تستحق الخمرة أن يتألم الإنسان العاقل من أجلها؟ وهل يصح أن تكون حاجة الإنسان العاقل الواعي، وهل يسعى الإنسان العاقل إلى التربح من لعب القمار بشتى أنواعه ومهما اختلفت مسمياته أو من السرقة الواضحة منها أو المغلفة؟ عندما نأمل فينبغي أن يكون أملنا في المستقبل هو تحقيق حاجة يراها العقل ويقرها الدين والعرف وليس طموحا بدون انضباط تتمنى تحقيقه بأي ثمن حتى لو كان على حساب المبادئ أو على حساب الآخرين، وإلا فما الفرق بيننا وبين الحيوانات؟ هكذا إذن وبفقدان هذا الميزان لدى الغرب المادي فإن الفرد والمجتمع الغربي يعاني كثيرا بسبب حرية اختيار الألم الفردي المطلق والذي يخلق لديه واعز الحركة بين الأمل وتحقيقه على الأرض، لذلك فالكثير من الآلام تتحول إلى آمال وطموحات التي بدورها تتحول إلى عمل حقيقي على الأرض هي أعمال غير حقيقية بقياس الذوق والعقل والشرع، والنتيجة هي الكثير من الفن الرخيص والمبتذل جريا وراء الأموال وتخريب الأخلاق. ومن العمل غير الشريف المخالف للقانون الوضعي والشرعي ومخالف للذوق العقلي - والشرقي مبتلى الآن مع الأسف بنفس المشكلة. هذه كلها حركات وأفعال لكن تنقصها الشرعية القانونية والإلهية، مضافا إلى ذلك أنها آمال وأعمال غير مباركة، وهذه المباركة هي الشق المعنوي المهم والذي نختلف فيه كثيرا مع الغرب المادي الذي يعمل لتحقيق كل طموحاته وآماله بعيدا عن هذا الحس الشفاف.
آما بالنسبة للفرد والمجتمع الغربي فقد استطاع المواطن أن يحقق الكثير من طموحاته الفردية على المستوى المادي كالعلم والتقدم العلمي، وكذلك الدول والمجتمع على المستوى السياسي والاقتصادي وأُطلقت الأقمار الاصطناعية إلى الفضاء وشيدت الأبراج إلى السماء، وصنعت أنواع الأسلحة المدمرة، وتقدم في شتى الصناعات لكنه عاد إلى الانغماس في الأرض في الكثير من تحركاته وآماله التي تحققت على يديه لأنه أصر أن يعود إلى الأرض كإنسان غربي متقدم إلهه العلم وليس للشرعية ولا للبركة مكانا في قلبه، لذلك ندعو الله أن لا تتحول الكثير من الآمال والطموحات إلى أعمال تتحرك على الأرض إلا إذا كانت أعمال ورغبات حقيقية وخيرة تفيد المجتمعات ولا ندمرها، ونضيف إليها لا أن تأخذ منها... فشهادة هيروشيما وناسازاكي لا تحتاج إلى شهادة.
إبراهيم حسن
العدد 2552 - الإثنين 31 أغسطس 2009م الموافق 10 رمضان 1430هـ