عند سن السبعين، لاتزال هيديكو تاكامين من أعظم الممثلات اليابانيات اللواتي لايزلن على قيد الحياة، وهي التي تقارن دائما بماري بيكفورد، أو بشكل أكبر بكاثرين هابورن لمواهبها المتعددة وحضورها على الشاشة.
وعلى رغم انها تعرف انها اكثر الشخصيات بقاء في ذاكرة الناس في اليابان، فان حفنة فقط من أفلامها التي يبلغ عددها اكثر من 300 فيلم، معروفة في الولايات المتحدة، وذلك بسبب تدمير ارشيف الأفلام السينمائية اليابانية اثناء الحرب، وهكذا فانها معروفة في الغرب أكثر بأفلامها التي قدمتها بعد الحرب، والتي مثلتها اثناء آخر اعظم فترة في السينما اليابانية وهي فترة الخمسينات وبداية الستينات، وذلك بعد ان حل التلفزيون محل السينما وأصبح وسيلة التسلية المفضلة لدى الناس.
وقد جازفت تاكامين بالدخول الى التلفزيون ولكنها لم تكن أبدا راضية عما قدمته، وأخيرا في العام 1979، أعلنت ان التلفزيون ليس مناسبا لها، ولذلك غادرت الشاشة بلباقة لتستمتع للمرة الأولى في خلال خمسة عقود بمتعة ان تكون لها حياة خاصة.
في مهرجان طوكيو الأخير للأفلام طلبت ان أقابلها فأخبرني النقاد اليابانيون ان ذلك مستحيل فهي «لا تقبل اجراء مقابلات» ولكن احد اصدقائي، وصديق لها ايضا، وهو مؤرخ الأفلام اكيرا شيميزو، تدخل لاقناعها بالموافقة على اجراء مقابلة سريعة، وفعلا تم ذلك ورتبنا لعقد اللقاء في احدى الامسيات.
وللتحدث بصراحة تم اجراء مقابلة مطولة مع هايديكو تاكامين من قبل الصحافي الاميركي فيليس بيرنبوم في نوفمبر/تشرين الثا ني 1990. بالاضافة الى ذلك، تمت الاستفادة من افلامها الرئيسية التي قدمتها في فترة ما بعد الحرب، والتي كانت من اخراج مع ميكيو ناروس احد افضل المخرجين لديها، وذلك لعمل برنامج عن اعمال ناروس في العام 1983 في مهرحان لوكارنو للأفلام، كما قام اكيرا شيميزو حديثا بكتابة دراسة دقيقة عن حياتها وأعمالها.
ولدت في هوكايادو في العام 1924، ومثلت في الأفلام الصامتة حين كانت طفلة في الخامسة من عمرها. فيلمها الأول Mother (1929) حقق نجاحا كبيرا بسبب ادائها فيه وهو الأمر الذي أدى إلى احترافها مهنة التمثيل، وبعد ذلك مباشرة تمتعت بشعبية كبيرة على شاشات طوكيو.
وقد تدرجت في تمثيل مختلف الأدوار من الطفلة الى البنت الصغيرة الى المراهقة التي كان الجنود اليابانيون يحملون صورها باستمرار خلال الحرب العالمية الثانية.
ولتحديد موقعها بين اعظم الممثلات اليابانيات، فان هايديكو توضع الى جوار كينويو تاناكا في الأفلام التي أخرجها لها كنجي ميزوغوشي والممثلة سيتسيكو هارا في افلام ياسوجيرو اوزو، وخصوصا عن افلامها التي مثلتها مع المخرجين ميكيو نورس وكيسوك كينوشيتا. وبسبب ادائها في فيلم المخرج كينوشيتا Twenty Four Eyes (1954) وفيلم المخرج ناروس Floating Clouds (1955) تم اختيار هذه الأفلام أفضل أفلام من قبل مجلة Kinema Jumbo.
وكممثلة نضجت مع مطالب أدوارها المختلفة، فقد برعت في اداء جميع انواع الشخصيات، وفي الواقع فان احترافها التمثيل في سن السابعة عشرة لعب عاملا مساعدا في تطوير مهنة اكيرا كوراساوا الذي صور المشاهد الخارجية في فيلم Horses (1941) كمساعد للمخرج كاجيرو ياماموتو، كما انها عملت على جذب انتباه المخرج فيما بعد الى احد الممثلين الشباب الموهوبين وهو توشيرو ميفون.
كانت عائلتها فقيرة تتكون من والدها وزوجته القاسية، ولم تلتحق هيدكو بالمدرسة ولكنها عملت على تعليم نفسها بنفسها، وبعد ذلك عندما أصبحت في سن السابعة والعشرين، خطت أولى خطواتها باتجاه استقلالها بحيث بقيت للمرة الأولى في باريس لمدة ستة شهور ثم عادت لتكسر اتفاقها مع الاستوديوهات ولتتحول الى ممثلة تعمل بشكل حر، وقد اثمرت مغامرتها تلك فقد ازداد الطلب عليها.
وقد كانت رحلتها الى اوروبا استثنائية بكل المعايير، فالمواطنون اليابانيون في العام 1950 كانوا لايزالون بحاجة إلى إذن رسمي من القوات الاميركية المحتلة ليتمكنوا من مغادرة البلد، ولكن الدعوة التي حصلت عليها لحضور مهرجان فينيسيا للأفلام مكنتها من السفر وصولا الى باريس، إذ نزلت من الطائرة هناك ورتبت لنفسها للحصول على اعانة مالية وقد ساعدها في عملية الفرار هذه بروفيسور للأدب الشرقي في السوروبون، وبعدها قامت بكتابة وصف لتجاربها تلك في كتاب يحمل عنوان Alone in Paris وهو أول كتاب على قائمة الكتب التي ألفتها.
في اليابان، لم تكن تاكامين مجرد شخصية تلفزيونية مشهورة، ولكنها كانت امرأة اعمال ناجحة كذلك، وقد كانت رغبتها التي لا تلين هي ان تحدد مصيرها ومستقبلها بنفسها خلال فترة الخمسينات، وهو الوقت الذي كانت فيه نجمة لسلسلة من الأفلام التي اخرجها لها كينوشيتا وناروس. وكانت افلامها على الأغلب تصنف بانها افضل افلام الموسم بالاضافة الى نجاحها التجاري.
كانت ادوارها في الأعمال التي قدمتها مع المخرج كينوشيتا، تركز على شخصية النساء المستقلات المتحمسات اللواتي يمثلن الجيل الجديد من النساء اليابانيات اللواتي كسرن العادات الماضية الصارمة، وقد بدأ هذا الاتجاه مع العمل الكوميدي Carmen Comes Home الذي قدم في العام 1951، والذي قدمت فيه دور امرأة متحررة تكشف عن ساقيها في رحلة العودة الى منزلها الريفي، وانتهت بعمل Twenty Four Eyes (1954) الذي ادى فيه تمثيلها دور معلمة مدرسة الى ابراز كبرياء وكرامة الذين كانوا على استعداد لاتخاذ مواقعهم في مجتمعاتهم، وقد رشح الفيلم الأخير هذا للحصول على لقب «أفضل فيلم» من قبل الناقد الفرنسي جورج سادول تأكيدا لاحتمال فوزه في مهرجان فينينيسيا فيما لو دخل المنافسة.
بالنسبة إلى ناروس، فقد جسدت في افلامه دور امرأة مختلفة تماما، او امرأة تأتي من طبقة محرومة وفي العادة تكون الشخصية التي تلعبها مأسوية تتحمل الآلام على رغم اهواء القدر. ويأتي اداؤها في فيلم Floating Clouds (1955) في اثر فيلم Twenty- Four Eyes الذي قدم قبل ذلك بعام واحد، والذي رشح ايضا لنيل جائزة أفضل فيلم، الأمر الذي جعل منها أسطورة الشاشة بحسب تعبير الصحافة اليابانية، وان كان ذلك عند سن الثلاثين المبكر. وبعد ذلك تتالت الكثير من الأفلام التي تم التعاون فيها بين تاكامين وتاروس منها: Flowing (1956)، Untamed(1957)، (1960)Ascends the Stairs When a Woman ، Yearning (1964).
وتعتبر جميع هذه الأفلام شهادة على الطريقة المتميزة في عمل تاكامين وناروس كمخرج وممثلة. وتتحدث تاكامين عن الكيفية التي كانت تطلع فيها مع ناروس على النص صفحة صفحة، مستعرضين الحوارات التي يجب ان تنقلها إلى المشاهد من دون كلمات او عن طريق التلميح او الايماءات او ببساطة عن طريق وجودها، وبعد ذلك لم يكونا يتحدثان لبعضهما بعضا تقريبا خلال التصوير الفعلي.
تقاعدت الآن وهي متزوجة منذ 37 عاما من المخرج وكاتب النصوص زينزو ماتسوياما، وتقضي هيديكو نصف كل عام في منزلها في طوكيو، بينما تقضي النصف الآخر في منزل العائلة الثاني في هاواي
العدد 268 - السبت 31 مايو 2003م الموافق 29 ربيع الاول 1424هـ