The Classic
لن يكون منصفا توقع ان يخطف المخرج كواك جاي يونغ الأضواء مرة أخرى بفيلمـه الجديـــد The Classic بعد ان كان قد فعل ذلك بفيلمه السابق My Sassy Girl، فيلم الكوميديا الرومانسية الذي حقق ارباحا عالية. وعلى رغم ان فيلم The Classic يغمرنا بالفكاهة فإنه يتبنى نمطا ميلودراميا تقليديا الى حد كبير، وهو يروي قصة جاي هاي، الطالبة الجامعية التي تكتشف صندوقا سريا مليئا بالرسائل القديمة التي تعود لوالدتها في الوقت الذي تكون فيه الأم في رحلة الى الخارج. وبينما كانت تتفحص محتوياته، تعلم بعلاقة الحب الأولى لوالدتها وهي قصة مشابهة بشكل كبير لوضع تمر به الابنة في الجامعة.
يتم سرد القصة باستخدام اللقطات التي تعود بالمشاهد الى الوراء، مع الممثلة سون يي جين التي تلعب دور جي هي ودور والدتها جو هي. يبدأ الفيلم بلقطات متسلسلة جميلة مصورة في بلد يذكرنا بالرواية الكورية التي يبنى عليها فيلم العام 1979 Rain Shower . تتعرف (جو هي) على فتى في مثل عمرها يدعى جون ها (تشو سونغ وو) الذي يأخذها في رحلة عبر النهر الى بيت قديم ومسكون. وفي طريقهما الى العودة يفقدان قاربهما في الوقت الذي يتساقط فيه المطر بشدة ما يجبر الفتاة على العودة متأخرة الى منزلها، ولذلك يغضب والداها ويرسلانها الى منطقة سوون، وهناك يلتقي الاثنان مرة اخرى في المدرسة الثانوية وتشكل العلاقة بينهما وبين افضل صديق لجون ها مثلث حب.
الفيلم طويل جدا ويحتوي على الكثير من الالتواءات والالتفافات في قفزاته بين الماضي والحاضر وهي التي قللت من مستوى الفيلم، ولسوء الحظ فإن اللقطات التي تمثل الحاضر لا تحمل اية قوة عاطفية، إذ ان اداء جو اين سنغ فيها كان جامدا. إلا ان المشاهد التي يتم استرجاع الماضي فيها تبدو رائعة بسبب التفاصيل التي تصور الفترة الزمنية والتصوير الجميل وبسبب اداء تشو سنغ وو المميز. وبغض النظر عن ذلك يحاول المخرج ان يمطط القصة ليجعل منها ملحمة ساعيا في النهاية إلى إيجاد وحدة تبدو متكلفة، كما ان اصداء فيلم My Sassy Girl تبدو واضحة في هذا الفيلم، ابتداء من تمثيل الشخصيات الثانوية (مثل الرجل العجوز الواقف تحت الشجرة والد جيون جي هيون) الى الموسيقى والخلفيات مثل القطارات، والأمطار الغزيرة.
My Tutor Friend
قصة الفيلم هي واحدة من تلك الروايات المأخوذة من الانترنت وهو اتجاه جديد بدأ في السينما الكورية بعد نجاح الفيلم الشهير My Sassy Girl في العام 2001 الذي كانت روايته مأخوذة من الانترنت. في هذا العام تصدر احد هذه الأفلام مبيعات شباك التذاكر لخمسة أسابيع متتالية وهو فيلم My Tutor Friend وقد حصل على النجاح نفسه الذي حصل عليه فيلم My Sassy Girl وذلك بعد شهرين ونصف الشهر من ابتداء عرضه.
يدور الفيلم حول فتى وفتاة في العمر نفسه: سو وان طالبة في سنتها الجامعية الثانية، تنحدر من عائلة فقيرة تملك محلا لبيع الدجاج المقلي، وتعمل مدرسة خاصة لتغطية نفقات دراستها. من بين طلبتها، طالب في المدرسة الثانوية يدعى جي هون المنحدر من عائلة ثرية ويهتم بعصابته أكثر مما يهتم بدراسته، وتبدأ دروسهم بالكثير من الصراعات ولكنها تنتهي بالحب.
وبسبب النجاح الكبير الذي حققه هذا الفيلم، فمن المتوقع ان يقارنه الناس بفيلم My Sassy Girl ، الأمر الذي قد يكون قاسيا على مخرجه وكاتب النص كيم يونغ هيونغ الذي يمارس تجربة الاخراج للمرة الأولى. والى حد ما فإن هذا الفيلم له ايقاع فيلم MY Sassy Girl نفسه بسبب وجود شخصية انثوية مثيرة. يركز الفيلم في ثلثيه الأولين على الصراعات بين الشخصيات الرئيسية، وعلى رغم ان الكثير من اللحظات المميزة تضحك المشاهدين، فإن الفيلم مكثف ليتناسب مع المراحل المختلفة لتطور علاقتهما. وقد قدم كيم أكثر مما كان متوقعا منه باعتباره مخرجا للمرة الأولى.
كيم هانول التي مثلت ايضا دور طالبة جامعية في فيلمها السابق Ditto، قدمت صورة وشخصية مختلفة تماما، ففي الوقت الذي تعتبر فيه شخصيتها شبيهة بدورها في الدراما الشهيرة Romance، فإنها تقدم هنا اداء أكثر عفوية من اي اداء قدمته على الاطلاق وتثبت قدرتها على تقمص عدة شخصيات.
كما يحاول الفيلم ان يسلط الضوء على كون سانغ وو، الذي مثل سابقا دور طالب مدرسة ثانوية في كل من فيلم Volcano وفيلم Make It Big، وهو في هذه المرة يمثل دورا مهما، ولكن لأن الدور الرئيسي في هذا الفيلم للشخصية الانثوية، كان دوره هامشيا نوعا ما. وبسبب تمكنه من هذه الشخصية، كان اداؤه حادا ووضح امكاناته ما يعد بظهور نجم جديد في السنوات المقبلة.
Save The Green Planet
جذب المخرج الشاب جانغ جون هوان الانظار في المرة الأولى في عالم السينما الكورية حين قدم فيلما قصيرا لا يتعدى ثلاثين دقيقة يحمل عنوان: 2001 Imagine وذلك في العام 1994. وقد اعجب الكثير من الناس بفيلمه هذا ولذلك حين انتشرت بعد ذلك اخبار تصوير فيلمه الأول لم يكن ذلك أمرا غير متوقع. يصور فيلم Save The Green Planet قصة تعد بأمر غير اعتيادي، ولذلك كان هذا الفيلم بالنسبة إلى النقاد والمهتمين بالسينما فيلما جديرا بالمشاهدة منذ بدء تصويره.
بطل الفيلم هو شاب مختل عقليا يعيش على المهدئات والعقاقير يعتقد أن هناك فضائيين يخططون للقيام باعتداء وشيك على كوكب الأرض. وبعد القيام بعدة بحوث، معظمها عن طريق الاطلاع على افلام الخيال العلمي من الدرجة الثانية وعن طريق قراءة بعض الكتب غير المتداولة، يقرر ان قائد الفضائيين المسئول عن الهجوم موجود فعلا على الأرض، متنكرا بشخصية رئيس تنفيذي ناجح لاتحاد شركات ضخم، وتظهر لديه فكرة بقاء البشرية، ثم ينضم اليه شاب يعمل «أكروبات» في احدى فرق السيرك، إذ يتعاطف معه ويتعهد الاثنان على اختطاف الرجل الفضائي أملا في تجنب الغزو.
تتركز قصة الفيلم على احتجاز الرجل الفضائي في قبو احد المنازل القروية (في مكان مظلم ومخيف) وعلى جهود مجموعات المحققين لتعقب اثر الخاطفين. ويتواصل الفيلم ونرى جميع من يهمهم أمر الرجل يزدادون يأسا في العثور عليه، ما يوجه تعاطف المشاهدين إلى اتجاهات غريبة. البطل الذي يلعب دوره سين ها كيون (في افضل ادواره على الاطلاق)، يشبه بصورة كبيرة البطل المضطهد التقليدي، ولكن سلوكه العدواني المتصاعد يجعلنا نتراجع مصدومين في بعض الأوقات. باقي الممثلين يعتبرون من أهم نقاط قوة الفيلم وخصوصا شخصية المحقق الشاذ الذي يطارده العار والتي يلعبها لي جاي يونغ وهي احدى اقوى الشخصيات التي ظهرت في السينما الكورية.
أما بالنسبة إلى الإخراج، فيبدو اننا نستطيع ان نضيف اسما جديدا الى قائمة منتجي الافلام المميزين والموهوبين في السينما الكورية، إذ يتميز جانغ جون هوان بالنواحي التقنية في انتاج الفيلم، وهو بارع جدا في التحكم في الانفعالات في الفيلم، كما ان نصه جريء، ولا يظهر سوى القليل من الاعتبارات سواء لقواعد هوليوود الروائية او لتطبيقها بطريقة سليمة من الناحية التجارية.
ولكن للأسف لم يحقق الفيلم مبيعات عالية، بسبب تفضيل المشاهدين لفيلم الكوميديا الساخنة My Teacher, Mr. Kim او فيلم The Glitz of Chicago على فيلم الخيال القاتم والموضوعات المحزنة والعنف المزعج للمشاهد المقدم هنا (على رغم ان هناك قلة من الناس اثنت على الفيلم بشدة). الفيلم مناسب أكثر ليكون مادة رائجة، وبالتأكيد فإن المشاهدين في مهرجانات أفلام الخيال حول العالم سيعجبون به كثيرا.
ربما يكون مزاجي المعكر حين شاهدت الفيلم (بسبب الحروب وبسبب الوباء الجديد الذي يملأ الاخبار في هذه الايام) قد أثر على رأيي ولكني لم استطع التحدث بعد انتهاء الفيلم لمدة نصف ساعة تقريبا، والأكثر من ذلك هو كون الفيلم محزنا بشكل كبير، وفي رأيي فإن هذا الفيلم يعتبر أفضل الأفلام الاثني عشر التي أنتجت هذا العام.
Memories of Murder
في الفترة ما بين الأعوام 1986 و1991، شهدت قرية صغيرة في اقليم جيونجي في كوريا جرائم اغتصاب وقتل عشر نساء، جميعها تمت بالطريقة البشعة نفسها، ولم تشهد كوريا هذا النوع من الجرائم التسلسلية ابدا، وقد تلت ذلك تحقيقات مكثفة من قبل الشرطة. ومع استمرار جرائم القتل ازداد يأس المحققين من التوصل الى القاتل، ما دفعهم إلى استشارة احد الكهان (شامان) الذين يستخدمون السحر للكشف عن الأمور إذ اشار عليهم بنقل بوابة مركز الشرطة الى موقع آخر (الأمر الذي فعلوه من دون تحقيق اية فائدة). وأخيرا لم يتمكنوا من التوصل إلى القاتل الذي لايزال مجهولا حتى اليوم ولا يعرف اصلا إن كان حيا ام لا.
في العام 1996 تمت اعادة تشكيل هذه الذكريات المؤلمة لهذه الحوادث في عمل مسرحي ناجح أخرجه كيم كوانغ ريم. وقد حصلت القوة الدراماتيكية للمسرحية على اهتمام عدة منتجين تمنوا ان يقدموا منها فيلما. وسيكون المخرج الموهوب بونغ جون الذي قدم باكورة إخراجه العام 2000 بفيلم Barking Dogs Never Bite، مسئولا عن المهمة. أخذ بونغ العمل المسرحي واستشار موثقين تاريخيين، ثم كتب نصا يركز على اثنين من المحققين الذين عملوا في القضية. إضافة بونغ الأساسية إلى المادة كانت ابراز الحقبة الزمنية التي حدثت فيها الجرائم، وهي فترة كانت الجماهير الكورية تكافح خلالها للتخلص من ماضيها الاستبدادي والعسكري.
النتيجة النهائية قد تكون أعظم حدث سينمائي منذ فيلم Joint Security Area، تم إخراجه ببراعة، وكان التمثيل فيه رائعا، كما ان بعض مشاهده تحوي نوعا من الكوميديا السوداء، التي تثير الأفكار وترعب. أبطال الفيلم من النجوم الكبار أمثال سونغ كانغ الذي قدم فيلم JSA وكيم سانع كيونغ الذي قدم فيلم Turning Gate ليلعبا دوري المحققين، الأول هو احد رجال الشرطة المحليين أما الآخر فهو محقق يأتي من سيئول ليساعد في التحقيقات. الجزء الأول من الفيلم يركز على شخصيتي الرجلين والمنافسة التي تحتدم بينهما. ولكن بمرور الوقت تصبح الرواية أكثر تعقيدا إذ يتحول دليلنا لحل اللغز تحت الضغط حين نلمس إشارات دقيقة للوضع في كوريا آنذاك، عندما كانت الحكومة منشغلة بشكل كبير بقمع مواطنيها لتضع مواردها في التحقيقات المناسبة.
على رغم ان هذا الفيلم يقدم أفضل تمثيل على الاطلاق من قبل سونغ كانغ هو، أحد أكثر ممثلي كرويا موهبة، فإن طاقم الفيلم الموحد نجح بشكل مدهش في ان يسرق الأضواء. الشخصيات الثانوية مثل رئيس الشرطة العجوز (الذي يلعب دوره بيون هي بونغ)، وشخصية المتخلف عقليا بايك كوانغ هو (الذي يلعب دوره ممثل المسرح بارك نو شيك، الذي يملك نادي معجبين خاصا به الآن)، وشخصية المحقق العنيف يونغ غو (الذي يلعب دوره كيم رايا ها، في ابرز ادواره)، وصديقة سونغ كانغ هو، سول يونغ (التي تلعب دروها جيون مي سيون التي ظهرت سابقا في فيلم Christmas in August) وشخصية رئيس الشرطة الجديد (سونغ جاي هو الذي ظهر في فيلم Double Agent)، جميعها تمثل بعضا من الشخصيات الخالدة التي قدمها طاقم التمثيل البارع. بارك هاي ايل الذي مثل في فيلم Jealousy Is My Middle Name يقدم هنا دورا في نهاية الفيلم سيبقى بالتأكيد في ذاكرة المشاهدين.
ومن الأمور المثيرة للإعجاب في هذا الفيلم ايضا التأثيرات البصرية، كما حطم الفيلم رقما قياسيا في استخدامه لمعظم المواقع أكثر من أي فيلم كوري، في محاولة لإعادة تشكيل المناظر الريفية في منتصف الثمانينات. مخرج الصور كيم هيونغ غو (الذي صور فيلم Musa, One Fine Spring Day وفيلم Chen Kaige s Together ) قام بابتكار صور مذهلة ورسم لنا لوحات لا تنسى تمتلئ باللون الأصفر والبني لتقديم تصوير لحياة مدينة صغيرة.
يرى الكثير من النقاد أن المشاهدين الكوريين الآن لم يعودوا يقدّرون الأفلام الجيدة، وأنهم بدلا من ذلك يفضلون أفلام الكوميديا التافهة التي أخذت تسيطر على شباك التذاكر في العامين الماضيين. النجاح الجماهيري الباهر لهذا الفيلم يمثل ثقلا موازيا لهذا الجدل، مشيرا إلى ان الانتاجات الطموحة في كوريا لاتزال موجودة اذ استطاعت ان تأسر خيال المشاهدين العاديين
العدد 268 - السبت 31 مايو 2003م الموافق 29 ربيع الاول 1424هـ