لا يمكنني الادعاء بانني ضليعة او خبيرة او حتى مثقفة في عالم الفن والسينما فهو عالم واسع ومعقد لا نستطيع التنظير فيه أو التطفل عليه، كل ما في الأمر انني احدى محبيه مثل الكثير من قرائي الاعزاء والا لما كتبت هذه الزاوية ولما قرأتموها انتم، وكتابتي هذه لا اعتمد فيها سوى على ملاحظاتي وقراءاتي ولذلك فلكم ان تعذروني ان اخطأت ولي ان اقبل اي انتقاد بناء منكم. ومن بين ما أراه ان الأفلام الأميركية الهوليوودية تعتمد على مقومات وأسس ثابتة لا يمكن الاستغناء عن اي منها في اي فيلم من هذه الأفلام، وتختلف نسب هذه المقومات من فيلم إلى آخر بحسب تصنيفه وقصته وبحسب اهواء المخرج ايضا، من بينها عنصري العنف والاثارة والكلمات البذيئة، ان شئنا ان نطلق عليها ذلك ، وغير ذلك من امور لا اجدها موضوع حديثنا هنا. ويحاول المخرجون قدر امكانهم تضمين هذه العناصر بطريقة أو بأخرى في افلامهم وهنا تظهر براعة المخرج وامكاناته، فاما ان ينجح في تضمينها من دون ان يخل بالقصة وبمرماها او ان يثقلك بحشو هذه العناصر هنا او هناك مضعفا فيلمه ومشتتا تركيز المشاهد. Tears of the Sun هو احد الأفلام التي اراد المخرج فيها ان يضمن عنصرا او اكثر من هذه العناصر لكنه أخفق وبشكل مزعج، فالمخرج انطوان فوكوا (الذي قدم ايضا فيلم Training Day في العام 2001) يقدم رواية يفترض ألا يكون لها علاقة باي اثارة او لقطات «اكشن» لكنه يحاول قسرا ان يقحمها في فيلمه بصورة تهين المشاهد والممثلين.
القصة التي يود المخرج تقديمها لنا تدور باختصار بشأن الملازم واترز المخلص في عمله الذي يبتعث الى مهمة في قلب القارة السوداء، الى نيجيريا التي تشتعل فيها الحرب الأهلية نتيجة التمرد الذي يقوده الضابط «المسلم» مصطفى ضد الرئيس «الديمقراطي المسيحي» صاموئيل لازوكا، والتي يمارس فيها الثوار المسلمون أعمال وحشية وعملية تطهير عرقي ضد القرويين المسيحيين. مهمة واترز (بروس ويليس) هي انقاذ مجموعة من المواطنين الأميركيين واهمهم لينا كندريكز (مونيكا بلوشي) وهي طبيبة أميركية مبتعثة لاداء مهماتها في القرى النيجيرية. العثور على الطبيبة ومن معها لم يشكل أية صعوبة لواترز إذ يجدها وقد حولت احدى الكنائس الى مستشفى لمعالجة جرحى الحرب الأهلية بمساعدة القس والراهبتين الأميركيين، لكن الصعوبة تتمثل في اقناعهم بالذهاب معه، اذ يرفض القس والراهبات ترك الكنيسة ويفضلون البقاء مع الجرحى في بيت الرب، اما الطبيبة وهي الأهم (لسبب لا أعرفه) فترفض ان تترك مرضاها لكنها أخيرا توافق على ان تذهب اذا ما سمح لها الملازم باصطحاب بعض من مرضاها القادرين على الحركة على الأقل. يوافق الملازم ويصطحب الممجموعة ليصل بهم الى الحدود الكاميرونية إذ بر الأمان والأراضي المسيحية، وتدور الكثير من الحوادث تتجلى فيها البطولات الأميركية المعهودة من بروس ويليس وفريقه المتمثل في كول هوسر «ريد» وايامون والكر «زي» وغيرهم، حتى يصلون الى وجهتهم النهائية بأقل خسائر ممكنة من جانبهم وبخسائر فادحة لدى الجانب الآخر «الثوار المسلمون الذين يبدون كوحوش بشرية ترتكب افظع المجازر بدم بارد».
الفيلم يحمل اساءة واضحة للمسلمين قد تكون مقصودة وقد لا تكون، فالمسلمون الذين يقومون بعملية التطهير العرقي قساة قلوب ونراهم دائما بنظرات جامدة يرتكبون جرائم لا تخطر على بال فهم يهاجمون القرى ليبيدوها بتنفيذ عمليات اعدام جماعي للقرويين غير مستثنين من ذلك اي احد حتى النساء والأطفال كما تصل بهم الوحشية الى التمثيل بالنساء المرضعات لئلا يلدن أو يرضعن فيما لو بقين على قيد الحياة ونراهم يتلذذون في علميات «التطهير هذه» التي تمارس ضد المسيحيين الذين يصورهم الفيلم وكأنهم مغلوبون على أمرهم يملكون المشاعر والانسانية التي لا يملكها المسلمون من ابناء بلدهم نفسها. والى جانب ذلك فالمسلمون يجندون أطفالهم ويقتلون الجرحى في بيت الرب وذلك حين يهاجمون الكنيسة بعد مغادرة الطبيبة والفرقة الأميركية لها ويقتلون القس والراهبتين ومن تبقى معهم من الجرحى.
بالاضافة الى ذلك فقد اخفق المخرج كما ذكرت في تضمين عنصر الاثارة في الفيلم، فالقصة والسيناريو لم يحتملا وجود مشهد تقبيل او تعري من اي نوع لكنه يحاول قسرا ان يفعل ذلك عن طريق استعراض مواهب الطبيبة اذ يطالعنا بمشهد لا اجد له اي داع نرى فيه الطبيبة تجري خارجة من الكنيسة لتحدث الملازم على انفراد، الطريقة التي تجري بها لا تحمل اي خوف او رهبة من الموقف بل توحي باستعراض لجريتها الرشيقة ثم هنالك قميصها المفتوح في جميع مواقف الفيلم والذي اتساءل لما لم تفكر ابدا في اغلاق ازراره العلوية طوال الفيلم، ربما لتأخذ لها الكاميرا لقطات تخفف فيه من حدة الفيلم!!
الى جانب هذا هناك الكثير من الأخطاء الاخراجية التي لا تسعني المساحة لذكرها لكنني سأحاول ذكر بعضها، فالمجموعة التي تنطلق هاربة من القتل نراها تتصدح بالأغاني الافريقية والجميع في صوت واحد وكأنهم يرسلون اشارات إلى العدو للعثور عليهم، ثم الانقاذ الذي يتم على الطريقة الأميركية إذ يستبسل الجنود الأميركان الذين لا يخشون اي شيء وحين تضيق عليهم الدوائر تصل الطائرات الأميركية في الوقت المناسب لتكمل ما عجزوا عن فعله.
كما أخفق كل من باتريك سيريلو واليكس لاسكر في كتابة نص الفيلم الذي جاء ضعيفا ويحوي الكثير من العبارات والجمل التي لا معنى لها إذ نرى بروس ويليس، الملازم الذي يعتمد عليه رؤساؤه في المهمات الصعبة يقول في لحظة صراحة مع احد اعضاء فريقه «مرت فترة طويلة لم أفعل فيها شيئا حسنا»، وعند سؤاله من احد معاونيه عن السبب الذي يجعله يعود مرة اخرى لينقذ باقي الجرحى يجيب «لا أعرف وحين أجد الاجابة سأخبرك» اما الطبيبة التي جاءت بحسب السيناريو وكأنها شخص لا مسئول وغبي فتقول للملازم غاضبة «يجب ان يستريح هؤلاء الناس» مع علمها بوجود من يلاحقهم ومع ان انقاذ هؤلاء الناس من القتل على ايدي الثوار من المفترض ان يكون على اول اولوياتها وليس موعد الحقنة او النوم لساعات، ثم ان من تتحدث عنهم مجموعة من سكان البلد الذين يفترض ان يكونوا معتادين على السير لمسافات طويلة تحت اقسى الظروف!!
كما نرى الطبيبة تطلب من احد معاوني الملازم ان يخيط جرح مريضها وذلك حين يقتحم بروس ويليس وفريقه غرفة العمليات عليها، لم اسمع عن طبيب يترك جرح مريضه مفتوحا ليغادر غرفة العمليات.
السيناريو يركز على شخصية بروس ويليس ويهمل باقي الشخصيات التي تمنينا لو عرفنا بعضها كشخصية زي او ريد من معاوني واترز، كما يقدم شخصية غبية للطبيبة التي يقول عنها احد افراد فريق الانقاذ «انها لا يمكن ان تكون اميركية» وذلك للعدوانية التي اظهرتها في بداية التقائها بواترز، وهي الطبيبة التي نجدها مقطبة طوال الفيلم وليس لديها اي تقدير لخطورة وضعها ووضع الآخرين، وكأن النص قدمها بهذا الشكل ليظهر شخصية واترز.
اداء الممثلين كان معقولا فيما عدا اداء مونيكا بلوشي التي لم تستطع ان تقنعنا في أية لحظة بادائها، اظن انها لا تصلح لمثل هذه الأدوار الانسانية وانها ستبرع اكثر في فيلم اكشن وعنف تكون فيه احد افراد فريق يمارس القتل على الطريقة الأميركية الحديثة.
بروس ويليس تميز بين جميع الممثلين وسرق منهم تركيز المشاهدين ولا يعود السبب في ذلك الى قوة الممثل التي لا يمكننا انكارها بل الى تركيز السيناريو على شخصيته كما ذكرت سابقا.
من النقاط التي قد تحتسب لصالح الفيلم او ضده هو عنوان الفيلم الذي يعطي ايحاء بقصة رومانسية او على الأقل احدى تلك القصص التي تقدم المعاناة من زاوية انسانية، لكن الواقع لا يحتمل ذلك. الأمر الوحيد الذي اعجبني هو تقديم الجانب الانساني للمقاتلين فهم ليسوا آلات قتالية كما في كل افلام الاكشن بل بشر تتنازعهم الرغبات.
هدف الفيلم هو ايضاح الانفعالات والصراع الذي تعرض له الملازم في التوفيق بين واجبه الوظيفي وواجبه الانساني وتفضيله الثاني على الأول، وذلك لنقل صورة مشرفة للأميركي الذي يكون انقاذ العالم دائما بيده، وهو الانسان الشجاع المحب للآخرين الذي يملك مفاتيح نشر السلام في العالم مهما كان الثمن
العدد 275 - السبت 07 يونيو 2003م الموافق 06 ربيع الثاني 1424هـ