بعد وفاة بيكاسو منذ ثلاثين عاما تم اعطاء محتويات المرسم الذي كان يمتلكه مع محفوظاته الكثيرة إلى الحكومة الفرنسية بدلا من ضريبة الإرث المستحقة عليه. وقد قدمت دراسة تلك المحفوظات من قبل مؤرخة الفن آن بولد ساري بعض الاكتشافات المهمة عن العلاقة الطويلة والمعقدة بين بيكاسو وورق الصحف. إن الاعتقاد المقبول هو أنه بين العام 1912 والعام 1914 قام بيكاسو وبريك بعمل سلسلة من الملصقات احتوت على قصاصات من الصحف بداخلها. وكانت تلك المرة الأولى التي يقوم فيها بيكاسو بتلك الخطوة الثورية. ويكشف هذا المعرض أن افتتان بيكاسو بالصحف بدأ في وقت مبكر وكان أعمق من ذلك. لقد كان بيكاسو مولعا بتخزين الصحف وقارئا نهما للصحف خلال حياته. وكان يحتفظ بمئات القصاصات من الصحف ويعمل صحفة الخاصة كصبي ويؤرخ أعماله بدقة حتى يستطيع أن يفكر مليا في تطوره كفنان.
وكانت بعض اعماله الأولى عبارة عن صفحات من صحف صغيرة قام بعملها حينما كان صبيا في الثالثة عشرة من العمر العام 1894 من صحف اسبانية في ذلك الوقت. ونراه هنا لا يقلد أساليب خط اليد فقط ولكن نماذج من الصورة الايضاحية أيضا. إنه يقوم بعمل الرسوم الكاريكاتيرية وهذه مجرد البداية. ويقوم في وقت لاحق بالتقليد ويلعب بأساليب الحروف المكتوبة ويستخدم قوالب الحروف المطبعية لوضع الحدود البصرية للرسم. كما يستخدم كلمات واجزاء من كلمات من نصوص مطبوعة لإضافة طبقات أخرى للمعنى الذي يقوم بعرضه بصريا.
وعندما كبر أصبحت تجاربه أكثر اتساعا وعمقا. إن انجذاب بيكاسو للصحف مرتبط بطبيعتها كأجسام رتيبة قابلة للزوال ووجودها كشاهد على الحوادث التاريخية. وقد رسم بيكاسو بشكل مباشر على قصاصات من الصحف. ومن أبرز الاعمال الفنية في المعرض لوحات ذاتية بالرصاص الأسود تبين قفا رأسه ويرجع تاريخها إلى 1906 و1907 قام بيكاسو برسمها على صفحة مقصوصة من صحيفة «لي مارتن» الصادرة بتاريخ30 ديسمبر/ كانون الأول 1906. ومن القضايا التي أشارت الشقاق بين طلاب بيكاسو هي إذا ما كان يجب قراءة قصاصات الصحف في أعماله الفنية. إن هذا المعرض يوحي بأن بيكاسو أراد منا القيام بذلك. وتتكون قصيدة سريالية العام 1935 بشكل كلي من عبارات مأخوذة من نسخة «باريس سوار» وخلال الحرب العالمية الثانية تعاونت تلك الصحف مع الجيوش الألمانية الغازية. وقد عبر بيكاسو عن سخطه برسم صور لعمال من النساء في نسخة العام 1941، مضيفا ابتسامات عريضة خبيثة. وغالبا ما كان بيكاسو يستخدم أجزاء من الكلمات ويكمل البقية كنوع من الدعابة. فعلى سبيل المثال فإن كلمة jou تعني «تعب» في كاتلان وهي ايضا الحروف الثلاثة الأولى من كلمة journal، الكلمة الفرنسية المرادفة لكلمة «news paper» (صحيفة).
(خدمة الاندبندنت خاص بـ «الوسط»
العدد 291 - الإثنين 23 يونيو 2003م الموافق 22 ربيع الثاني 1424هـ