العدد 296 - السبت 28 يونيو 2003م الموافق 27 ربيع الثاني 1424هـ

صاحب «باب الواد» يحقق نجاحا استثنائيا في فيلمه الفرنسي الجديد

«هاي... سلاما اخواني العرب... كيف حالكم اليوم، كيف تسير الامور في (كان) معكم؟».

هذه العبارة التي يوجهها إلينا المخرج الجزائري مرزاق علواش ما إن يرانا حول مائدة مقهى رصيفي في «كان» خلال الايام الاخيرة للمهرجان، هي نفسها التي اعتاد ان يبادرنا بها في كل مرة يرانا فيها هناك، منذ اكثر من عشرين سنة. لكن رنتها هذه المرة تختلف جذريا. ففي المرات السابقة كانت تبدو وكأنها بداية خطاب شكوى مريرة من السينما، من انسداد آفاق الابداع، من الوضع الجزائري، من الاوضاع العربية.

أما هذه المرة فها هي تحمل سمات انتصار مؤكد. وها هو مرزاق علواش يبتسم بسرور على غير عادته. ذلك أن هذا الشاب الابدي الذي تجاوز تجاوز الآن الخمسين من عمره، ليس لديه ما يشكو منه حقا هذه المرة، ولا سيما على الصعيد المهني. ففيلمه الأخير «شوشو» والذي يعرض في فرنسا والجزائر في وقت واحد، حطم الأرقام القياسية في المداخيل في فرنسا: اربعة ملايين متفرج وضعوه في المكانة الثالثة بين اكثر الافلام نجاحا، وفي المكانة التاريخية الأولى بين المخرجين غير الفرنسيين الذين حققوا فيلما في فرنسا.

نعرف ان «شوشو» ليس الفيلم الأول لمرزاق علواش، بل هو الثامن منذ بداياته الصاخبة في «عمر قتلته» اواسط السبعينات. ونعرف انه ليس اول فيلم يحققه خارج الجزائر، اذ سبق له ان حقق افلاما في فرنسا وفي لبنان، ونعرف انه ليس اول تعاون بينه وبين النجم الكوميدي جاد المالح، الذي يقوم ببطولة «شوشو»... ومن هنا تنطلق الحيرة: ما الذي حدث إذا، حتى يتحقق كل هذا النجاح الاستثنائي اليوم؟

يبتسم علواش ساخرا حين نطرح عليه هذا السؤال: «الامر بسيط. اذا كنت تريد ان تصنع فيلما فرنسيا ناجحا وكنت من شمال افريقيا، ضع يهوديا في فيلمك واجعله شاذا جنسيا. اجعله يلبس ثياب النساء، ويجابه المجتمع الفرنسي. ضع شيئا من التوابل المعادية للعنصرية... وثق أن النجاح سيكون حليفك».

والحال أن مرزاق علواش - بسخرية او من دون سخرية - طبق هذه الوصفة تماما في هذا الفيلم الذي قد لا يرضي النقاد وهواة السينما الفنية الحقيقيين، وقد لا ينسجم مع تاريخ صاحب «عمر قتلته» و«مغامرات بطل» و«باب الواد» و«سلاما يا ابن العم» ولكنه انسجم تماما مع رغبات الجمهور العريض. فالفيلم الذي ينطلق أصلا من استكش معاد للعنصرية يقدمه جاد المالح نفسه كل مساء في احد المسارح الباريسية، يروي حكاية شوشو، المهاجر الجزائري الاصل الذي يصل إلى فرنسا للعمل هاربا من بلده، تحت ضغط الظروف الاقتصادية ولكن ايضا تحت ضغط اختياراته الجنسية الشاذة. وفي فرنسا يعيش بشكل غير قانوني، ويعمل خادما لدى سيدة في النهار، ومرفها عن جمهور الكباريه في الليل. وهو يرتدي في الحالتين ثياب نساء زاعما انه امرأة. ثم يحدث ان يقع في غرامه شاب فرنسي ويقدمه إلى أهله على انه خطيبته، من دون ان يدري بحقيقته، ويمكننا انطلاقا من هنا ان نتخيل المفارقات التي تحدث، وما يمكن لذلك كله ان يحدثه من مواقف اجتماعية وفكاهية.

الصحافة الفرنسية التي اشادت بالفيلم وبرسالته المبنية على شتى انواع التسامح قالت ان قيمة هذا الفيلم تكمن في قدرته على اضحاكنا وابكائنا في الوقت نفسه، وفي انه يدخل في صلب السجال الاجتماعي الفرنسي من الوجود العربي... لكن هذا لا يفسر، طبعا، نجاحه الكبير الذي وصل إلى درجة أن احدى الشركات الاميركية بدأت تفكر بشراء السيناريو لتحويله إلى فيلم أميركي.

كل هذا يسعد، طبعا مرزاق علواش، الذي زار «كان» خلال مهرجانها، ليشارك في عرض لفيلمه وفي عرض تذكاري لفيلم «وقائع سنوات الجمر» لمحمد الاخضر، الذي عرض بمناسبة اقامة «عام الجزائر» في فرنسا، وهو الفيلم العربي الوحيد الذي كان قبل 28 سنة (1975) وفاز بالسعفة الذهبية لمهرجان «كان» ذلك العام.

ولقد قال لنا علواش لدى لقائنا معه بالمناسبة انه حين كان يصور «شوشو» لم يكن يتوقع له كل هذا النجاح «على رغم معرفتي بأنه سينجح إلى حد ما، مهما كان الأمر... فالحال انني ومنذ فترة بت اؤمن بأن من الضروري للسينما ومهما كانت جادة ان تتوجه إلى جمهور اليوم ذي التنوع الثقافي المدهش، وأن تقدم له الموضوعات الحية والتي تهمه، وسط مناخ من العاطفة والمشاعر الانسانية. وانني اعتقد أن امتلاء فيلمي هذا بهذه المشاعر هو احد اسباب نجاحه الرئيسية». وفي الوقت نفسه ابدى علواش سروره لأن نجاح الفيلم في عروضه الجزائرية لم يقل عن نجاحه في عروضه الفرنسية.

فهل معنى هذا انك قد تفكر بإخراج فيلم تال عن الشخصية نفسها:

- لم لا... فمن شاهد الفيلم يعرف اننا تركنا نهايته معلقة، ولم نجب على السؤال الاساسي: ما الذي حل بشوشو بعدما حصل ما حصل وانكشف أمره؟ من هنا افكر جديا، ومنذ الآن بفيلم يكمل الحكاية، حتى وإن كنت غير قادر على تصور كيفية استكمالها حتى الآن، مهما يكن فأنت تعرف ان المهم في الفيلم هو الشخصية المحورية والمناخ الذي تعيش وسطه... ومن هنا، مع شيء من المخيلة يمكننا ان نتصور في المستقبل عددا لا ينتهي من افلام متفرعة: «شوشو على الشاطئ...» «شوشو وراء الفضاء...» «شوشو في البوليس»... الخ.

ويبتسم مرزاق علواش بشكل يشي الآن بقدر كبير من السخرية من الذات. ذلك أن مثل هذا النجاح خارج الوطن، يحمل ايضا شيئا من المرارة، ومن هنا حين تسأله في نهاية الأمر عما اذا كان يفكر في الوقت نفسه بمشروع يعود به إلى السينما الجزائرية، يبتسم بمرارة ويقول: «ربما... من يدري؟». ثم يسير قبل أن يلتفت بسؤال أخير يوجهه الينا: «على فكرة... كيف حال السينما العربية من طرفكم؟»

العدد 296 - السبت 28 يونيو 2003م الموافق 27 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً