يعتصم صباح غدٍ (السبت) قرابة 60 مواطنا من سواق الشاحنات وأصحاب شركات الشحن أمام ديوان رئاسة الوزراء للتعبير عن احتجاجهم على القرار الأخير الذي يسمح للسواق السوريين بدخول البحرين والخروج منها بحمولات مقابل أجر مادي أقل بكثير مما يتلقاه السائق البحريني، ما ينعكس سلبا على أرزاق السواق البحرينيين، كما قالوا.
وقال (صاحب إحدى شركات النقل) موسى العالي: «إن القرار أضر بعمل البحرينيين الذين يسترزقون من نقل الحمولات من وإلى البحرين، إذ أصبح السواق السوريون يحملون بأرخص الأسعار لأن القرار سمح لهم بالدخول بمجرد حصولهم على تأشيرة الدخول على الجسر بخمسة دنانير، في حين أن السواق البحرينيين لا يعاملون بالمثل داخل الحدود السورية».
المنامة - عبدالله الملا
بين ليلة وضحاها، استيقظ سواق الشاحنات وأصحاب المكاتب ليجدوا أنفسهم أمام واقع لا مفر منه، هذا الواقع أضاف إلى معاناتهم الكثير وفتح أبوابا لم يسعوا إلى فتحها... حاول السواق التعاطي مع الواقع، حاولوا التعود والقبول، لكن المسألة أكثر من مجرد قبول أمر بحد ذاته، فعندما يتعلق بأرزاق العباد ويهدد مصالح البلاد، وينبئ بخسائر، حينها ينفد الصبر ويخرج المرء من قوقعة الكتمان ليطالب بحقوقه... فيا ترى ما الذي يتعرض له سواق الشاحنات؟
يتحدث موسى جعفر العالي صاحب مكتب للتبريد والشحن عن القانون الجديد قائلا: «إن الوضع سابقا كان يمنع الأجنبي ماعدا الخليجي- من الدخول بالأحمال أو التزود بها من البحرين، وبالتالي كان الأجنبي يضطر إلى الانتظار خارج البلد ويتفق مع أحد البحرينيين ليدخل بضاعته مقابل أجر يتفق عليه الطرفان وهذا بدوره يعد فائدة ودخلا إضافيا يستفيد منه البحريني (...) أما القانون الجديد فيسمح للأجانب بالدخول بتأشيرة «فيزا» لمدة 72 ساعة وبرسم قدره 5 دنانير فقط، وهكذا يكون بمقدوره الدخول والخروج بسهولة.
القانون الجديد
وتدهور الأوضاع
ويدخل جعفر القطان وهو مالك شاحنة في الحديث وملامح الغضب تلوح على قسمات وجهه مشيرا إلى أن «الأجانب أمثال السوريين هم على أتم الاستعداد لتحميل بضاعة وتنزيلها بسعر زهيد جدا، وهذا بدوره يخلق منافسة غير متكافئة، فالبحريني مثلا لا يستطيع تحميل البضاعة بسعر أقل من 200 دينار إلا أن الأجنبي مستعد لتحميلها بسعر زهيد يصل إلى 100 أو حتى 50 دينارا».
وفي الإطار ذاته يعلق يوسف السماك مالك أحد مكاتب الشحن والتفريغ «إننا غير موافقين بتاتا على هذا القانون الذي ينبأ بتدهور الأوضاع ويسير بالرزق من السيئ إلى الأسوأ (...) إن أسعار الحمولة ستنزل كثيرا بفعل هذا القانون، وعندما يعلم التجار في الخارج بهذا الأمر سيفضلون التعامل مع الأجنبي بدلا من البحريني لأنهم يبحثون عن مصلحتهم، والأمر ينطبق تماما على التجار في البحرين».
ويسترسل السماك في حديثه فيقول: «ان السماح بسير هذا القانون الذي هو شبيه بما يعرف عندنا بعمالة «فري فيزا»، والأجنبي مستعد لقبول الحمل بأسعار زهيدة، والفري فيزا كذلك، فالسوريون مستعدون لتحميل بضاعة من البحرين بـ 200 دينار وهو سعر منخفض جدا وذلك لأنه سيحول العملة البحرينية عندما يصل إلى بلده للعملة السورية ولنحسب الفرق».
من جهة أخرى يقول عباس الموالي وهو سائق شاحنة في مؤسسة للتبريد والشحن: «إن الأجانب استفادوا كثيرا من هذا القانون على حساب البحريني، إذ ان الأجنبي يدخل ويخرج بالحمولة من دون أية ضرائب على عكس البحريني الذي تفرض عليه الضرب أينما حل وذهب».
عريضة تعبر عن الرفض
ويؤكد حسن حبيب صاحب مكتب للشحن أن السواق وأصحاب الشاحنات وقعوا عريضة أرفقت بها رسالة وتم إرسالها إلى معظم الوزارات الحكومية والجهات المعنية لكن ما من استجابة تذكر حتى الآن. يؤكد حبيب أن السواق مستعدون للقيام بإضراب أمام وزارة العمل ووزارة الإعلام إذا لم يتم الاستجابة لمطالبهم.
لماذا لا يسمح لنا بالتحميل من دولهم ونحن نسمح لهم بذلك؟ أمير فضل حسن مالك شاحنة يطرح هذا السؤال بحرقة مشيرا إلى أن البرادات السورية يسمح لها بالتنزيل في البحرين، بل ويقومون بالتحميل من البحرين أيضا، لكنهم في المقابل يمنعوننا من ذلك في بلدهم، ويطالب فضل بمعاملة الأجانب بمثل المعاملة ليس إلا.
وفي السياق نفسه يقول ياسر صالح صاحب مكتب للشحن والتفريغ: «لا نستطيع تحميل البضائع من المملكة العربية السعودية، بينما يسمح للشركات السعودية بفعل ذلك في بلدنا»، ويضيف أن السواق لا يطلبون أن يمنع الأخوة الخليجيون من ذلك، فلا بأس بهم لكن أن يسمح للأجنبي فهذا أمر غير مقبول.
لماذا القانون؟؟
يعلق موسى العالي على السبب من وراء احلال القانون الجديد محل القديم قائلا: «كنا نتابع القضية خطوة بخطوة أنا وزميلي أمير فضل ومجموعة من الزملاء مع الجهات المسئولة، وتبين لنا أن هناك منظمة ترعى وتعمل على تسهيل مهمات السواق، وهذه المنظمة اجتمعت مع المسئولين في المملكة لتسهيل الإجراءات في دول الخليج كافة وليس البحرين فقط، وملخص الأمر ان التجار كانوا يأخذون تأشيرات الدخول «الفيزا» من السفارات في الخارج ومن ثم يدخل السائق للبلد باسم التاجر، ولكنهم اليوم يتسلمون التأشيرة من على الجسر».
نحن نتساءل: ألا يختلف الوضع في البحرين عن بقية دول الخليج؟ هل نجد خليجيا غيرنا يسوق شاحنة؟ إن الوضع هنا مختلف لأنهم سيضرون المواطن مباشرة؟
القانون الجديد نقمة
ويعبر باسم القطان عن سخطه على القانون الجديد فيقول: «إنهم لا يعون خطورة الوضع، سيقطعون أرزاقنا ويهدمون بيوتنا».
فيما يقول ياسر صالح: «لقد طبقوا القانون من دون سابق إنذار ومن دون علم أحد، لقد كانوا من قبل لا يعطون تأشيرة لدخول السواق الأجانب لكنهم الآن يفعلون».
أن العرف السائد أن يشتكي المواطن ومن ثم يتحرك المسئولون للنظر في شكواه لكشف الضرر عنه، لكن ما حدث «أنهم طبقوا القانون ضدنا من دون سابق إنذار وكأنهم يتعمدون أذيتنا، ولم يطلب منهم أحد ذلك فقد كنا نعمل بسلام في ظل القانون القديم».
يقول يوسف السماك متنبئا بالوضع الذي ينتظر ملاك الشاحنات وسواقها إن تسريح العمالة البحرينية أمر وارد جدا في المكاتب، « كأصحاب مكاتب الشحن سنضطر إلى التعامل مع الأجنبي وتسريح البحريني إذا ما استمر هذا القانون».
ويضيف ياسر صالح: «ان المكاتب توظف العمالة براتب مجزٍ ناهيك عن العمولة التي يحصلون عليها أثناء السفر، وتفعيل هذا القانون سيضطرنا إما إلى تخفيض أجور العمالة البحرينية مقارنة بالأجر الذي يأخذه الأجنبي وأما تسريح العمالة الوطنية إذا ما تدهورت الأوضاع».
يشير موسى العالي إلى أن نسبة كبيرة من البحرينيين يعملون على الشاحنات، وفي بعض المكاتب يخرج سائقين في الشاحنة الواحدة وهذا بدوره يسهم إلى حد كبير في القضاء على البطالة.
ويقول حسن حبيب «إننا متضررون كثيرا من هذا القانون، ماذا نفعل؟ هل نوقف سياراتنا ونسرح العمال».
نقاط التفتيش تكفي
القطان يعرج على معاناة سواق الشاحنات فيقول: «إن الإهانات في دول الخليج أمر يصعب على المرء احتماله» فيما يقول عباس الموالي: «ان مشكلات الجمارك لا تحصى، بدءا بالتعطيل لساعات إما تحت حرارة الشمس، أو تحت وطأة الرياح والمطر، خصوصا عندما يتم تغيير دوام الموظفين فهذا الأكثر إيلاما بالنسبة إلينا إذ يتم تعطيلنا لساعات وساعات (...) التفتيش لا يطاق لكن علينا التحمل فهذا رزقنا ورزق عيالنا».
ويقول جعفر القطان: «المعاناة اليومية نستطيع احتمالها لكن تطبيق القانون الجديد أكثر معاناة من هذا كله، فهو يقطع أرزاقنا وينهي عملنا (...) إننا بدورنا نناشد المسئولين النظر في الأمر وإرجاع القانون القديم».
شركات التأمين
ترفض التأمين
يؤكد أصحاب الشاحنات أن شركات التأمين ترفض تأمين الشاحنات بعد القانون الأخير، لذلك يقول إبراهيم الجزيري وهو مالك شاحنة: «ذهبت إلى شركات التأمين وإذا بها ترفض التأمين دون أسباب تذكر، ولم يقوموا بالتأمين إلا بعدما قمت برفع شكوى».
يعود العالي ليؤكد أن أسعار التأمين ارتفعت بشكل كبير،«فالتأمين على المركبة ارتفع، فبعدما كان 80 دينارا، ارتفع ليصل إلى 140 دينارا حتى لو لم يكن على الشاحنة أي حادث مروري».
في هذا الإطار يقول عبدالهادي صالح «ان رجال المرور بعد الحادث المروع على شارع سلماباد يشددون على سواق الشاحنات ويوقفونهم من دون أدنى مبرر، حتى انه يتم إيقافنا بسبب كسر بسيط في المصباح الخلفي».
الجزيري: «الخطأ الذي ارتكبه سائق لا يجب أن يعمم على الجميع، وهذه الإجراءات غير معقولة وتفوق التصورات».
وبالرجوع إلى رئيس التوعية المرورية والعلاقات العامة النقيب محمد بن دينة الذي تحدث إلى «الوسط» في تاريخ 16 يونيو/ حزيران الجاري أنجده أشار إلى أن سبب هذه الإجراءات مركز على الحمولة الزائدة التي لا يتم التقيد بها.
وقال: «إن الإدارة ضبطت خلال الأربعة شهور الماضية 366 مخالفة حمولة (...) السواق يشتكون من حملاتنا القاسية بعض الشيء عليهم، لكن ذلك من أجل سلامتهم وسلامة مرتادي الطريق».
تجاذب السواق أطراف الحديث المر لكن الأمل يحذوهم في أن يتم البت والنظر في القانون الجديد وما يشكله من إضرار لخصوها في حديثهم إلى «الوسط»، فالعقل يقول إنه لا ضير من تبديل القوانين إذا لم تتناسب مع المرحلة لكن العقل ذاته يقول أيضا «أن يتحاور المشرعون مع أصحاب الشأن قبل إقرار القانون لا أن تضرب المقترحات عرض الحائط كما حدث مع قانون الصحافة»
العدد 301 - الخميس 03 يوليو 2003م الموافق 03 جمادى الأولى 1424هـ