العدد 303 - السبت 05 يوليو 2003م الموافق 05 جمادى الأولى 1424هـ

النقابات والفنانون: لا نريدك في بلادنا أيها السيد!

يوم قال فرانك سيناترا عن صحافيات أستراليا إنهن «طفيليات»

لم تمض فترة طويلة على رحيل المغني والممثل الاميركي الشهير فرانك سيناترا، حتى عاد من جديد ليصبح محل اهتمام الصحافة ومؤلفي الكتب، وخصوصا أن كثيرين رأوا أن الوقت قد حان لكي تكشف أكثر فأكثر علاقات سيناترا بالمافيا من جهة وبآل كنيدي من جهة ثانية.

والسينما بدورها بدأت تهتم الآن بفرانك سيناترا. غير أن الفن السابع لم يختر لبدء الحديث عن هذا النجم الكبير من نجوم هوليوود، ماضيه السياسي أو «المافيوي» بل اختار ناحية ثانية، ترتبط بحكاية شبه مجهولة، كان سيناترا محورها الأساسي أواسط سنوات السبعين.

وهذه الحكاية تشكل الآن محور فيلم هوليوودي جديد، صوّر في استراليا بعنوان «الليلة التي اطلقنا عليها اسم نهار». وهذا العنوان قد يبدو هنا غريبا وغامضا، ولكنه بالتاكيد يحيل الي عنوان أغنية سيناترا الاشهر «غرباء في الليل» ويحيل ايضا الى تلك الليلة الغريبة القاسية والمدهشة التي امضاها سيناترا ذلك الحين في استراليا تحديدا.

وكان سبب القسوة والغرابة قلة أدب النجم الهوليوودي كما يفيدنا هذا الفيلم. والفيلم لم يتم انجازه بعد. كل ما في الامر انه عرض - قبل اكتماله - في عرض خاص خلال مهرجان «كان» الاخير بفرنسا، ما أتاح لنخبة من النقاد والمهتمين مشاهدته والاطلاع على «حكاية هولوودية غريبة» حكاية شعارها الاساسي: «فرانكي... عد إلى بلدك. نحن لا نريدك هنا».

وكان ذلك الشعار صفقة لسيناترا طبعا، ولكنه لم يأت عبثا أو في شكل مجاني.كان ردا على «قلة أدب» أبداها سيناترا نفسه. ويرويها لنا الفيلم في قالب فكاهي ممتع. لكنه يعبق بالمرارة في الوقت نفسه. علما بأن الفيلم لا يفتري على سيناترا إذ إن الواقعة حقيقية ولم تبرح ذاكرة الاستراليين بعد، وحتى إن كانت قد مرت يومها من دون أن يكون لها صدى كبير في الخارج. والأدهى من هذا أن سيناترا قلل من ادبه يومها مع صحيفة استرالية، تنتمي الى بلد كان يعيش في ذلك الحين أوج حركة تحرير المرأة، وهو البلد الذي أطلق - أصلا - تلك الحركة مع المناضلة هيلين ريدي (صاحبة شعار «أنا امرأة» في أغنيتها الشهيرة) كما مع المؤلفة جرمان غرير التي كان كتابها «المرأة المخصية» نقطة الانطلاق للحركة النسوية في العالم كله.

جولة أخفقت

إذا في العام 1974 حين كان فرانك سيناترا يزور ملبورن باستراليا للقيام بجولة فنية غنائية، حدث أن قصدته صحافية معروفة في الفندق الذي يقيم فيه لتطرح عليه بعض الاسئلة، وخلال الحوار يبدو أنه كان ثمة سؤال أغاظ النجم الكبير فراح يشتم الصحافية قائلا: إن الصحافيات تافهات وقوّادات، ولم تكن السيدة ولا الصحافة ولا استراليا في حاجة الى أكثر من هذا لكي تنتفض ضد نجم الغناء والتمثيل. فثارت في وجهه عاصفة غضب عاتية سرعان ما انضمت اليها النقابات والاتحادات المهنية، ولكن المغني الكهل (58 عاما في ذلك الحين) اعتبر نفسه أقوى من ذلك كله، لذلك وقف على خشبة قاعة الأوبرا في ملبورن امام الجمهور يشكو من ان الصحافيين لا يكفون عن مطارته «انهم طفيليات نريد ان تأخذ كل شيء ولا تعطي شيئا» وهكذا قطع النجم خط الرجعة... اذ اجتمعت النقابات المهنية والعمالية وقررت مقاطعة سيناترا، كما ان عمال المطار امتنعوا عن اعادة تعبئة طائرته الخاصة بالوقود. وهكذا حوصر الرجل ولم يكن امامه إلا واحد من حلين: إما ان يعتذر علنا عما قاله وإما ان يبقى محاصرا مغضوبا عليه وقال له واحد: «اذا اردت ان تغادر من دون اعتذار... عليك ان تسير فوق مياه المحيط».

والفليم اذن يروي هذه الحكاية التي اهين فيها الفنان الاميركي بشكل لم يكن يتوقعه اما دور سيناترا في هذا الفيلم فيلعبه دنيس هوبر كما تلعب ميلاني غريفيت دور زوجته التي تكون اول الامر على عناده لكنها اذ تسوء الاحوال ولا يبدو في الافق اي حل تبدأ بالتراخي ناصحة اياه بالاعتذار والتراجع وهو الذي كان يرى ان الاعتذار سيشكل اكبر هزيمة له في تاريخه.

والحال ان وراء طرافة هذا الفيلم يكمن موضوع شديد الخطورة محوره الغطرسة الاميركية كما قال منتجو الفيلم وهم يقدمونه في «كان» واعدين بأن تبدأ عروضه التجارية قريبا جدا.. غير ان المنتجين لم يقولوا شيئا عن احتمال ان تكون هناك معركة قضائية بشأن الفيلم مع ورثة فرانك سيناترا.

وفي انتظار عرض الفيلم وجلاء هذا الامر الأخير يمكننا ان نقول ان هذا الفيلم، الذي يمثل صفعة حقيقية للعقلية الهوليوودية، اعتبر في «كان» جزءا من العوامل التي تنحو الى اثارة غضب الاميركيين اكثر وأكثر. اما أهل الفن فاعتبروا ان من الامور الجيدة ان «يؤرخ» الفن نفسه على هذه الشاكلة، ويقول عيوبه كما اعتاد ان يقول حسناته.

وأما بالنسبة الى سمعة فرانك سيناترا فانها في الحقيقة لم تكن في حاجة الى مثل هذا الفيلم لتسوء أكثر وأكثر

العدد 303 - السبت 05 يوليو 2003م الموافق 05 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً