لا يبدي جون سمبسون الكثير من الاهتمام اتجاه الصحافيين. ففي احدث كتاب له عن سيرته الذاتية يشن هجوما في خمس صفحات عليهم ويعبر عن احتقاره للأشخاص الذين ارسلوا لاجراء مقابلات معه على مدى سنوات.
يقول سمبسون: ان غالبية الاشخاص الذين يقومون باجراء اللقاء لا يصغون بعناية لما يقال وغالبا لا نحصل على الحقائق الصحيحة.
ان بحوثنا تركز فقط على اكتشاف نصف الحقيقة من معلومات تم نشرها سابقا ويعاد تكرارها. ففي الصحيفة يتم توصيل كل شيء عنك الى القارئ - كلماتك، مظهرك، اسلوبك، حالتك النفسية - من خلال اهواء المحاور. وعندما ينقل المحاورين بعض العبارات على لسانك فانهم يعملون على اظهارك كالأبله.
فلربما اكون متغطرسا: أعني انه يبدو أن كل فرد يعتقد انني كذلك، اعتقد - يقول سمبسون ضاحكا - ان مشكلتي في الحياة وهي ليست مشكلة كبيرة بالنسبة إليّ، انني ابدو متغطرسا ولكني لا أشعر بأنني كذلك.
وبصراحة فأنا رجل اناهز الثامنة والخمسين من العمر ولم أعد أبالي بما يقوله الناس الا اذا كان شيئا صحيحا بشكل لا لبس فيه.
واذا كانت تلك هي شخصية سمبسون المتواضعة السهلة فان بعض التفسير لجوانب تلك الشخصية يكمن في حوادث 6 ابريل/ نيسان من هذا العام.
ففي ذلك التاريخ كان سمبسون يصطحب قافلة تحمل قوات أميركية خاصة ومقاتلين اكراد على بعد عشرين ميلا من مدينة الموصل في شمال العراق.
وشاهد القائد الأميركي الذي كان معهم دبابة عراقية فاستدعى طائرتين اميركيتين من طراز إف 14 لتدميرها. ولكن القذائف لم تطلق على الدبابة بل على القافلة. وقد سقطت قذيفة على بعد عشرة امتار من المكان الذي كان يقف فيه سمبسون. وقتل في هذا الحادث ثلاثة اشخاص من بينهم قمران، مترجم سمبسون (25 عاما) الذي تعرف عليه سمبسون منذ فترة لا تزيد على ثلاثة اسابيع. أما سمبسون فقد اصيب بشظايا القذائف ومازال يعاني من ألم شديد. وفقد السمع في احدى الاذنين واصبح يمشي بعصا ويعرج بشكل واضح، ولكنه يعرف انه نجا باصابات طفيفة.
يقول سمبسون: لربما لا استرجع السمع وهناك شظية كبيرة في وركي الايسر تسبب لي ألما شديدا. ولكن الامور في تحسن وأنا سعيد لأنني مازلت على قيد الحياة.
ويبدو ان اصابته لم تؤثر على عمله، اذ انه يعتزم العودة الى العراق هذا الاسبوع ليرى كيف تسير الامور في هذا البلد، كما انه يخطط للسفر الى الفلبين والكنغو.
وبعد عودته الى لندن بعد الهجوم الصاروخي بدأت بكل نشاط في توجيه بعض النصائح له. وقد رأى سمبسون انها كانت فعلا نصائح لطيفة. ولكن الحقيقة انه ينتمي الى جيل لا يتحمس كثيرا للنصائح. ان موقفه مزيج غريب، حزن، غضب وحيرة بالنسبة الى العشوائية الظاهرة للحياة والموت.
ويعرب سمبسون عن الغرابة من الطريقة التي اصابت بها أكبر شظية سترته الواقية من الرصاص واستقرت في قطعة القماس الخلفية والشظايا الاخرى التي اصابته في اسفل وأعلى الظهر، وفي الذراع والأرجل والرأس كان من الممكن ان تكون قاتلة.
أما صديقه قمران فقد عرض خدماته على سمبسون بعد ان تعرف عليه من البرنامج الذي في القناة التلفزيونية العالمية التابعة لـ . ويشعر سمبسون الآن بالذنب مع انه يعرف انه ليس سببا في وفاة صديقه الشاب وان القتل كان غير مقصود.
انني اشعر بالأسى لتطوعه بالانضمام اليّ ما ادى الى هذا الحادث المأسوي، يقول سمبسون: لابد لي ان أنسى ما حدث الآن لأنها لم تكن غلطة اي أحد سوى الشخص الذي ضغط على الزر ليطلق القذيفة وحتى ذلك الشخص ما كان ليطلق القذيفة لو انه كان يعلم بما سيحدث. لذلك فاني لا أشعر بذنب كبير لاستئجار قمران وأخذه معنا لأن هذا الشيء كان من الممكن ان يحدث لأي فرد منا. لقد عاملناه كما عاملنا انفسنا وكنا نأخذ الاحتياطات المناسبة.
ذهبت الى والدة قمران وكان الامر مؤلما. لقد ظننت بانها ستهجم علي ولكنها لم تفعل. كانت والدته في حيرة تامة في حيرة تامة وكانت كل ما قالته: ولكنه أخبرني بانه لم يكن ذاهبا الى الخط الامامي من جبهة القتال. وهذا طبعا ما قد تقوله لوالدتك اذا كنت ستفعل الشيء نفسه.
ان سمبسون انجليكاني متعصب يجد ان الديانة تعطيه احساسا بالأمن والاطمئنان وتساعده على تسوية الامور. ومع انه كان يتحدث عن الامور الدينية الا انه كان يبتعد بشدة عن المناقشات المتعلقة بالسياسة. انه ليس الشخص الذي يصدر حكما على وجود اسلحة دمار شامل في العراق.
يقول سمبسون: حسنا، لقد دخلنا الحرب ولكني اشعر انه لا يجب عليّ ان أقوم بدور استطلاع الرأي العام بهذا الخصوص. وفي سيرته الذاتية يدافع سمبسون بقوة عن النزاهة التي تجسدها . وبعد ايام قليلة من الهجوم الصاروخي كتب سمبسون عموده الاسبوعي العادي لصحيفة «صندي تلغراف» قال فيه: هل كانت الاطاحة بصدام حسين تستحق كل هذا العنف والفوضى في الموصل وكركوك وبغداد؟ هل تساوي وفاة مترجمي العائل الوحيد لأم ارملة؟.
أود ان اقول بكل أمانة انني لا أحب الحروب ولا أحب أولئك الذين يثيرونها ولكني سعيد جدا ان أرى نهاية صدام حسين الذي كان اقذر ديكتاتور في العصر الحديث. انني اشعر ان الوقت المناسب للتخلص منه كان العام 1991 عندما كان من الممكن ان يقوم شعبه بذلك وانه من الصعب عمل ذلك نيابة عن الآخرين.
(خدمة الاندبندنت - خاص بـ«الوسط»
العدد 309 - الجمعة 11 يوليو 2003م الموافق 11 جمادى الأولى 1424هـ