إن على المظلومين التوجه إلى المحامين للترافع عنهم في قضاياهم ولكننا هذه الأيام نشاهد طفرة كبيرة في عدد المحامين المترافعين عن حقوق الناس والذين يلجأون إليهم بكل ثقة ولكن بعد أن تكتب الصحافة عنهم ويصبحوا حديث الشارع وذلك لكي يكون لهم الفضل في إرجاع تلك الحقوق إلى أصحابها أو محاولة إبطال مفعول القرارات التي ظلمتهم حتى يكتب عنهم في الصحف المحلية ويصبحوا حديث المجالس وينهال عليهم المديح والدعاء. وأنا لا اقصد طبعا المحامين المتخرجين من جامعات الحقوق والقانون، بل اقصد النواب الكرام نواب الشعب، الذين يتفننون في تبني قضايا العمال والموظفين المظلومين، ليس عند بداية حدوثها ولكن بعد أن تصبح حديث الشارع والسبب طبعا معروف.
لقد نسي حضرات النواب الكرام أنهم وجدوا ليوجدوا ويسنوا قوانين تكفل للفرد والمجتمع حقوقه وكرامته لا أن يصبح فريسة سهلة ولقمة سائغة في فم أرباب العمل الذين يطمعون في زيادة مستمرة في مدخولهم على حساب حقوق العامل المجد والموظف المخلص والذي أوقعه حظه العاثر هو وعائلته ومن يكفلهم في تلك الشركة أو تلك المؤسسة التي يعتبر الخارج منها مولود والداخل فيها مفقود. وهذا كله ليس حكرا على صغار التجار والمقاولين بل إن الصغير يتعلم من الكبير.
فها أنتم تقرأون كل يوم عن إقالة لمجموعه من موظفي تلك الشركة الفلانية خوفا من المنافسة أو تلك المؤسسة العلانية خوفا من كساد سوق العمل وعدم وجود فرص استثمارية تضمن وجود التنافس الحر الشريف في جو من العدالة الاجتماعية يتماشى مع حاجيات الفرد والمجتمع بصورة دائمة لا وقتية، فيوظفوا العاطلين عن العمل في فترة الرخاء ويقيلوهم في فترة الكساد. هل تعلمون من كان المسئول عن حدوث هذه التجاوزات؟
إن قوانين وزارة العمل مثلا تفتقر لروح الواقعية، إذ أنها قد تسهل التلاعب بحياة الفرد وذلك عندما تجبر المؤسسات والشركات على زيادة نسبة البحرنة لديها ثم بكل سهوله ترفع يدها كليا بعد التوظيف، وهنا تقع المشكلات. إذ لابد أن يتم التنسيق المستمر بين الوزارة وأصحاب العمل ممن تماشوا مع قراراتها ويعملوا بتوجيهاتها في الكشف الدوري عن وضع الشركات المالي والدخول السنوي الخاضع للمدققين الماليين المحايدين للرجوع إليه عندما تمر تلك المؤسسات أو الشركات بضائقة مالية نتيجة قلة الأعمال والمشروعات، فتقوم الوزارة عندها بصرف رواتب موظفي ذلك القطاع من البحرينيين فقط.
حتى تتجاوز تلك المؤسسات أو الشركات ضائقتها المالية وتستطيع أن تنخرط في سوق العمل من جديد عندها تقوم بتقسيط تلك المبالغ على تلك المؤسسات أو الشركات حتى تستوفي كامل حقوقها. عندها نضمن الاستقرار الوظيفي والمعيشي للفرد والمجتمع وهو ما يعزز ثقة المواطن في حكومته ويردع أرباب العمل من محاولة التلاعب بمصير موظفيهم لأنهم سيعلمون أن الحكومة تدعم المواطن ولا تقبل أن يمس بسوء حتى لو كان يعمل في القطاع الخاص وليس الحكومي، لان المواطنة لا تعنى بفئة من دون أخرى. وهذا الأمر سيعزز بصورة كبيرة المستثمر المحلي وكذلك الأجنبي وقد يشجع عددا كبيرا من المواطنين على الانخراط في سوق العمل وزيادة استثماراتهم في القطاع الخاص.
إن مثل هذه الأمور كان يجب أن تحدث في الماضي، ولكن الحال قد تبدل الآن، فلدينا مجلس نيابي نصف أعضائه من المنتخبين ويحظون بثقة ناخبيهم، وهذا المجلس معني بوضع قوانين وسن أحكام من شأنها أن تدفعنا نحو الإمام وتجعلنا في مصاف الدول النامية المتقدمة والذي لن يتحقق في ظل أسلوب العمل المتبع حاليا لدى المجلس النيابي، فعلى رغم عدد الجلسات الكثيرة المنعقدة والمحسوبة لصالح المجلس، فإنها لم تصب في مصلحة المواطن الظمآن حتى الآن لا من قريب أو بعيد. فلم تتم دراسة مستوى الراتب ومدى ملاءمته للمستوى المعيشي للمواطن وعائلته من حيث ضمان رغد العيش والاستقرار المهني فكم من موظف لا يملك حق الجلوس مع عائلته أو السهر على رعايتهم أو متابعة شئونهم سواء في التحصيل الدراسي أو السلوك الاجتماعي أو اختيار ما يناسبهم من برامج علمية وثقافية سواء على الانترنت أو على التلفاز مع وجود هذا الكم الهائل من المحطات التي تحاول إغراء الشباب بشتى الوسائل من اجل السيطرة عليهم وتدمير قيمهم، أو مصاحبة أصحاب السوء، والسبب هو عدم تفرغه لتلك الأمور الغاية في الأهمية لأنه ببساطه يداوم بعد دوامه في دوام آخر من اجل تحسين مستوى عيشه ومن اجل تغطية مصروفات ونفقات عائلته بمدخول آخر غير عمله الرسمي أو الثابت.
فنرى الفرد منا يعمل طوال يومه وليله بلا وقت للراحة، فإذا انقضى الجزء الأكبر من عمره وجد أن أولاده قد ساروا في خط بعيد كل البعد عما كان يطمح له وان كل عمله قد ذهب أدراج الرياح. فما العمل؟ أننا بحاجه دائمة وماسة إلى المال من اجل الحياة. الموضوع التالي في الأهمية هو توفير المسكن الملائم للمواطن وخصوصا لأصحاب القرى الذين عانوا الأمرين أكثر من غيرهم وكذلك ذوي الدخل المحدود، وذلك بدراسة وضع وزارة الأشغال والإسكان فرع الإسكان، حيث أم المشكلات. فالطلبات مكدسة على اختلاف أغراضها والموازنة دائما محدودة لا تكفي لسد حاجيات المواطن والذي يفني عمره القصير في تسديد تلك المبالغ. وانتم تعلمون بالاعتصامات التي حدثت أمام بنك الإسكان بسبب سخط الناس وعدم رضائهم على طول المدة ومحدودية المبالغ والوعود الزائفة. أما بالنسبة إلى موضوع البطالة فلا أظن أننا بحاجه إلى عصا موسى (ع) لحلها، لأننا لو قمنا بحصر عملية التوظيف في القطاعين العام والخاص فإن وزارة العمل ستكون لها السلطة في توظيف العاطلين في القطاع الحكومي كما الخاص نضمن قدرا أكبر من الشفافية وتساوي فرص العمل وعدم وجود محسوبية للتوظيف ويكون الشخص المناسب في المكان المناسب، ويكون دور ديوان الخدمة المدنية استشاريا وإداريا فقط، وليس توظيفيا ويُعنى بموظفي القطاع الحكومي بعد التوظيف وليس قبله ومنها الشئون القانونية في توزيع الموظفين الجدد على وزاراتهم.
عندما يتحقق ذلك وتصبح وزارة العمل الجهة الوحيدة للتوظيف، يمكننا أن نضغط في اتجاه إحلال العمالة المحلية بدل الأجنبية في كلا الطرفين وأنتم تعلمون أن القطاع الحكومي يستوعب كل العمالة الوطنية. إن الموضوعات التي تهم المواطن كثيرة ويصعب حصرها في مقال أو أكثر.
علي العريبي
العدد 311 - الأحد 13 يوليو 2003م الموافق 13 جمادى الأولى 1424هـ