العدد 2319 - السبت 10 يناير 2009م الموافق 13 محرم 1430هـ

التنمية السياسية... المفهوم والغايات (1)

ثقافة سياسية

التنمية السياسية مفهوم حديث النشأة، لكنه تطور بسرعة كبيرة وانتشر انتشارا واسعا. فهو مفهوم ديناميكي، شامل، جذري، متعدد الجوانب والأبعاد والمستويات والدرجات.

ديناميكي؛ لأنه لا يعبر عن وصفه واحدة تصلح لكل زمان ومكان، إذ لا توجد، ولن توجد، تلك الوصفة الجاهزة لكي تطبق بشكل تلقائي أو آلي في كل النظم السياسية أو الجماعات والحالات.

وديناميكي لأنه يفترض الحركة، وعدم الاستسلام للسكون أو التراخي أو البطء، إنها تتضمن بالضرورة تغيرا. فالتنمية السياسية هي تغير سياسي -من منظور شامل اجتماعي واقتصادي وثقافي- لكنه تغير وفق إرادة فاعلة للتغيير تتسم بالعقلانية والرشادة، وتستلهم جهود أبناء الأمة وتوجيهها نحو آفاق مستقبل أفضل إنها إرادة للتغيير المخطط والجذري الذي يستند إلى تقنيات وأساليب العلم وأسسه في استقراء الواقع، وتحديد الأولويات والأهداف واختيار أفضل الوسائل والطرق للتنفيذ والمتابعة والتطوير.

والتغيير المخطط العقلاني يعني دائما الاتجاه نحو الأفضل، بما يخدم تطلعاتٍ ويلبي طموحات القطاعات الأوسع من أبناء المجتمع، ويأخذ بأيديهم نحو البناء والنهضة، وييسر لهم آفاق للعمل معها والتفاعل الجماعي بشكل منظم وتوفير الأطر المؤسسية والسلوكية والقيمية لهذا التفاعل بما يكفل استمراره وعقلانيته وضمان بقائه وتطويره في مسارات وأشكال تلبي تطلعات وأهداف ارتضاها أبناء المجتمع لبلدهم ولنظامهم وحياتهم.

الاستمرارية والديناميكية تكفل لمفهوم التنمية تحقيق حد أدنى من التفاعل والحيوية اللازمة للمفهوم، أولا كعملية للتطور والنمو، وثانيا كمخطط يحقق للمجتمع ما يصبو إليه من أهداف وطموحات، وثالثا كأداة للانتقال والتحول إلى مستويات أفضل وأكثر مواءمة مع متطلبات العصر وطبيعته ومقتضياته.

والتنمية السياسية تثير في الواقع كثيرا من المعاني والمصطلحات ذات الصلة، والتي تقترب أحيانا إلى حد التطابق مع المفهوم، كالنهضة والإصلاح والتحول أو التطوير والتحديث، وإن ظلت لكل من هذه المعاني والمصطلحات بؤرة خاصة للاهتمام، ومجال خاص للأولويات، على رغم عدم الاتفاق بين الباحثين والعلماء على التحديد الدقيق لما تحمله من مدلولات لكل منها.

لكن تظل التنمية السياسية بمثابة «المفهوم المظلة» الذي يضم هذه المعاني والمصطلحات -وغيرها من مصطلحات كثيرة قد يصعب حصرها- ويظل للتنمية طابعها السياسي الذي يسمو على أي مجال بعينه، اجتماعي أو اقتصادي أو ثقافي، ليس من منطلق صلتها بالسلطة السياسية فحسب؛ وإنما من زاوية ما تفرضه من غايات وأهداف، وأيضا ما تحمله من تحولات واسعة ونماذج متجددة على مستويات ثلاث: السلوك والممارسة أولا، والمؤسسات والجماعات والهياكل التنظيمية ثانيا، والقيم والتوجهات ونسق الأفكار والمعتقدات السائدة ثالثا.

إنها تنمية سياسية في نطاق الحياة السياسية، وعلاقات وتفاعلات السلطة ليس فقط بهدف تحسين ظروف الحكم والسلطة والمحكومين، وإنما لأهداف وغايات شاملة وسامية وعديدة.

غايات التنمية السياسية متعددة، كمثلٍ عليا ونماذج فكرية وسلوكية وكغايات وأهداف وأولويات قابلة للتطبيق والعمل، وهو ما تتناوله هذه السلسلة من الأفكار التي يقدمها للقارئ معهد البحرين للتنمية السياسية.

معهد البحرين للتنمية السياسية

العدد 2319 - السبت 10 يناير 2009م الموافق 13 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً