العدد 331 - السبت 02 أغسطس 2003م الموافق 04 جمادى الآخرة 1424هـ

طيور الحرية تحلق من جديد

The Cranes are Flying

حين تقرَّر أن تناقش صفحة السينما لهذا الاسبوع موضوع السينما الروسية وحين شرعتُ في العمل على المقالات الموجودة، أدهشني كمّ الأفلام التي أنتجتها روسيا وادهشني كمّ الممثلين والممثلات الذين انتجتهم هذه الأرض طوال عمر السينما الروسية وعلى مر الفترات الزمنية المختلفة. ولذلك وتناغما مع الموضوع قررت استعراض أحد هذه الأفلام الروسية، لكنني ولسوء الحظ لم أتمكن من العثور على أي فيلم روسي حديث. الفيلم الوحيد الذي وجدته هو فيلم The Cranes are Flying الذي عرض في العام 1957، اي منذ ما يزيد على 45 عاما، وعلى رغم ذلك قررت مشاهدته حين علمت انه كان من أفضل أفلام الخمسينات وأنه فاز بجائزة السعفة الذهبية في مهرجان «كان» في العام 1958؛ وذلك لتميزه فيما يتعلق بتقنيات التصوير والاخراج الفني والاخراج بشكل عام.

ويدور الفيلم حول قصة حب تجمع شابين هما فيرونيكا وبوريس، وتستمر مشاعرهما المتأججة حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية التي تفرقهما حين يتطوع بوريس للانضمام الى صفوف المقاتلين الذي يواجهون الألمان والفاشستيين (حسبما يطلق عليهم أبطال الفيلم)، وبمجرد انضمامه الى صفوف القتال ينقطع الاتصال بينه وبين حبيبته التي تمر بظروف صعبة شأنها شأن الكثيرات من الروس في تلك الفترة العصيبة التي مرت بها روسيا والعالم بأسره. أخيرا تجد فيرونيكا نفسها مضطرة الى الزواج من ابن عم زوجها، ولكنها مع ذلك تظل على انتظار دائم لبوريس.

جاء الفيلم مناسبا للأجواء التي كانت سائدة في روسيا وفي جميع الدول التي تضررت مباشرة بأهوال الحرب العالمية الثانية ومآسيها، وذلك بعد سنوات قليلة من انتهاء هذه الحرب الشرسة التي بقيت ذكراها حاضرة في أذهان الكثيرين. ولم يكن الهدف من هذا الفيلم استعادة هذه المآسي او تكرار عرضها بل يبدو أنه جاء ليخفف من حالة الاحتقان والكبت السينمائيين اللذين صاحبا فترة الحرب التي حدثت ابان الحكم الستاليني، وليمسح بيد حانية على قلوب ابناء الشعب الروسي المكلومة، إذ جاء في فترة خففت فيها القيود نوعا ما على جميع مجالات الحياة بما فيها السينما وهكذا اصبح بامكان من تضرروا أن يعلنوا ألمهم وحزنهم الذي كان محظورا في فترات سابقة وكان قمعها يصل حتى الى مشاعر المواطن الروسي ليخنقها وليحجر دموعه في مآقيه وليجبر هذا المواطن على ان يرسم ابتسامة رضى وسعادة شاء أم أبى!!

وبحسب مقاييس فترة الخمسينات والتطور الفني والتقني في مجال صناعة الأفلام يبدو هذا الفيلم متألقا جدا ومميزا وجديرا بلقب أفضل الأفلام وبجائزة السعفة الذهبية، وكذلك يبدو مخرجه متميزا ايضا في عرضه للقصة وحوداثها ولكن ليس بحسب مقاييس ما قبل 40 عاما بل والى حد كبير حتى بمقاييس اليوم، لكن ما يظل متميزا حتى هذا الوقت بشكل كبير هو أداء ممثليه وعلى رأسهم الكسي باتالوف الذي قدم شخصية بوريس الحبيب الذي يترك حبيبته ويتطوع للقتال من أجل روسيا، والذي كان ممثلا محبوبا من قبل النظام ومن قبل الروس أنفسهم، بل انه كان يطلق عليه ممثل الروس المفضل. وهناك أيضا تاتيانا ساميولوفا التي أدت دور فيرونيكا، الحبيبة المغرمة التي تفقد جميع أحبتها وتخسر حياتها وسعادتها بسبب الحرب، وتظهر لنا في المشهد الأخير بوجه حزين شاحب وبعينين ذابلتين وهو الأمر المختلف تمام الاختلاف عن الهيئة التي بدت عليها في المشاهد الأولى من الفيلم فهي الحبيبة الفاتنة الشقية التي يشبهها حبيبها دائما بالسنجاب «سكويرل» لامتلائها الدائم بالسعادة والفرح التي تعبر عنها بشقاوة طفولية الى حد بعيد. وما يظل متميزا أيضا هو قصة الفيلم التي يقول عنها المخرج سيرجي سولوفويوف أحد معاصري مخرج الفيلم ميخائيل كالتوزوف، انها قصة أنشأت جيل الخمسينات وأثرت فيهم بشكل كبير لم تستطع اية قصة أخرى تم تقديمها على الشاشة ان تحققه.

الفيلم الذي حقق نجاحات ساحقة عند عرضه في دور السينما السوفياتية كان حدثا بارزا في تاريخ السينما العالمية، فهو الفيلم الذي حقق أكبر عدد مبيعات على القائمة الفرنسية لأفضل الأفلام، وهو الفيلم الذي لم يحصد جائزة مهرجان «كان» فقط بل حصل على جوائز أخرى من مهرجانات عالمية مختلفة أهمها جوائز مهرجانات الأفلام العالمية في لوكارنو وفانكوفر والمكسيك. نجاح ساحق قد يعود سببه الى ظروف القمع السياسية التي تسود العالم بأسره وروسيا (الاتحاد السوفياتي سابقا) بشكل خاص، إذ تمكن هذا المخرج الجريء في ظل هذه الظروف من المجاهرة بما لم يستطع معاصروه أن يفعلوه بشكل واضح ومعلن في ظل حالة القمع والارهاب اللذين كانت تمارسهما السلطة على الشعب الروسي عامة وعلى المبدعين والمثقفين بشكل خاص، وهذه ليست المرة الأولى التي تتجلى فيها جرأة هذا المخرج وشجاعته بل انه قام بمحاولتين سابقتين كانتا أشد جرأة وشجاعة ولكنهما قمعتا بقسوة. وما يزيد من شأن محاولتيه الأوليين هو قيامه بهما في فترة حكم ستالين التي حكمت روسيا بالنار والحديد والتي كانت تطبق مبدأ «العصا والجزرة» إذ لم يستطع ميخائيل ان يحصل سوى على الأولى منهما بسبب تحديه للارهاب الستاليني.

أول هذين الفيلمين هو Salt of Svanetia الذي قدمه في العام 1930 وهو العمل الذي أعجب المشاهدين، ولكن الدولة لم تقبله واعتبرته معاديا لها، ثم قدم بعد ذلك بعامين فيلم The Nail in the Boat والذي منع للأسباب لنفسها حتى انتهى العهد الستاليني ليقدم ميخائيل فيلمه الثالث الذي قوبل باستحسان كبير من قبل المشاهدين في روسيا وفي جميع أنحاء العالم والذي كان سيمنع بلاشك لو قدم قبل ذلك بسنوات قليلة.

فيلم The Cranes are Flying يظل مميزا على رغم كل شيء، ويظل كأفلام فاتن حمامة وعبدالحليم حافظ التي لا تمل مهما هرمت او تكررت.

يمكن الحصول على نسخة الفيلم من محلات Laser Vision إذ تجدون تشكيلة ضخمة من الأفلام المتنوعة، هاتف535400، الموقع الالكتروني mylaservision.com

العدد 331 - السبت 02 أغسطس 2003م الموافق 04 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً