كانت هناك كثير من التخمينات فيما يتعلق بتأثير توسعة الاتحاد الأوروبي على السياسة في اوروبا اكثر من التخمينات بشأن تأثير ذلك على اقتصادها. في المدى القصير فإن الافتراض السياسي العام هو ان التوسعة تساعد الدول الاعضاء الحدودية للاتحاد الاوروبي مثل بريطانيا والدول الاسكندنافية لأنها تضعف نفوذ دول المحور وخصوصا فرنسا وألمانيا.
ومع ذلك، من المعقول ان يكون هناك تأثير اقتصادي موازٍ. وقد ناقش كثير منا بأن التوسعة في الاتحاد الأوروبي (ضم دولا جديدة) ستكون ذات فائدة للاقتصاد الاوروبي عموما لأسباب متنوعة. ولكن ما بدأ يدهشني هو ما اذا كان هذا التأثير الاقتصادي سيكون مختلفا: بمعنى آخر، ان الدول الحدودية ستستفيد بينما دول المحور ستعاني. وبما ان الدول الحدودية تنمو بسرعة من قبل اكثر من المحورية، فإن هذا من شأنه أن يعزز الاتجاه الذي كان سائدا من قبل ويقود أخيرا إلى توازن مختلف تماما للقوة الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي.
وهناك سببان جوهريان للشكوك في أن هذا ربما يحدث: الأول هو ان الأجور الرخيصة والتكاليف المنخفضة الاخرى لدى الدول الاعضاء الجديدة ستمثل تهديدا بالغا لاوروبا المركز، وخصوصا المانيا، اكثر مما تمثله لأوروبا الحدودية.
ومازالت المملكة المتحدة الملتقى للاستثمارات الداخلية الصافية، بينما الشركات الالمانية تصدر انتاجا (وطبعا اعمالا) إلى الدول المنضوية حديثا منذ عقد من الزمن. صحيح، ان هناك انتقالا لأعمال خارج المملكة المتحدة، ولكننا لا نبدو قلقين من هذا اذ ان العملية اقل من ان تكون مباشرة. قد نجد شركة المانية لها مصنع على بعد ساعة بالسيارة من الحدود الالمانية وتدفع للعمالا نحو 10 - 20 في المئة فقط من الاجور التي يمكن ان يتقاضاها العمال داخل المانيا نفسها.
والسبب الآخر للاعتقاد بأن المملكة المتحدة ستستفيد كثيرا من التوسعة هو انها من الدول الاعضاء القليلة في الاتحاد التي تمنح العمال من الدول المنضوية حديثا مدخلا فوريا وغير محدد او مشروط إلى سوق العمل (اذ ان كثيرا من اعضاء الاتحاد الأوروبي، من بينها المانيا، فرنسا، ايطاليا واسبانيا، افترضت تعليقا يمتد الى سبع سنوات قبل ان يتمكن الناس من الاعضاء الجدد من المجيء إليها ومزاولة اعمال).
وهذا هو السبب الرئيسي... لماذا يمكن ان يقفز معدل نمو المملكة المتحدة على نحو معتبر وفقا لتقرير جديد من بحوث لومبادر ستريت، اذ ان هناك اختلاف كبيرا في معدلات الاجور في المملكة المتحدة عنها في المانيا، اذ يمكن ملاحظة، اختلاف في اسعار الصرف في الاسواق ايضا من خلال التقرير. فمتوسط الاجور في اكبر ثلاث دول منضمة حديثا بحسب تعداد السكان، بولندا، هنغاريا وجمهورية التشكيك، هو بنسبة 13 في المئة فقط عن مستويات اجور المملكة المتحدة. لذلك هناك جذب من هذه الدول للمستثمرين. ولحسن الحظ، لم تكن الفجوة كبيرة في التقدير الحقيقي للعاملين في اوروبا الشرقية. فالسماح لاختلافات السعر، جعل الاجور نصف مستويات المملكة المتحدة تقريبا.
فهل ذلك الاختلاف كاف لتشجيع العمال للمجيء الى المملكة المتحدة؟
عندما انضمت اسبانيا والبرتغال للاتحاد الاوروبي في العام 1986، كانت الأجور هناك نحو 70 في المئة (في التقدير الحقيقي) من متوسط أجور الاتحاد الاوروبي، وكانت هناك حركة عمال على رغم انها لم تكن ضخمة. ومن جانب آخر، كانت هناك حركة عمال كبيرة من المانيا الشرقية الى المانيا الغربية، على رغم ان هناك اعانات مالية وفيرة في محاولة لابقاء العمال في الشرق، لذلك ربما كان توافر اعمال بسيطة مهم للغاية من اختلافات الاجور.
وبحسب اعتقادي فإن المملكة المتحدة ستجذب في الواقع عددا ضخما من العمال من الدول المنضوية حديثا، شريطة ان يظل سوق العمل فيها قويا. فقد حدث هذا طوال فترة التسعينات. اما فيما يتعلق بالهجرة والقوة العاملة، فمازالت بحسب الارقام الرسمية، تقدر الهجرة بنحو ثلاثة ارباح الزيادة في القوة العاملة. وفي سنة واحدة، 1999، كان تدفق المهاجرين اكبر بكثير من الزيادة في القوة العاملة. بمعنى آخر، انه اذا لم تكن هناك هجرة، فإن القوة العاملة ربما انكمشت. وكما هو واضح، تزيد القوة العاملة لدينا بحوالي 0,4 في المئة سنويا، وهو نمو ربما يكون مستمرا الآن، فحوالي 90 في المئة من المهاجرين هم في عمر العمل.
وبالنظر الى المستقبل، يعتقد معهد بحوث لومبارد ستريت ان تدفق المهاجرين يمكن ان يزيد بنحو 200,000 سنويا، مضيفا 0,5 - 0,6 في المئة. إلى القوة العاملة سنويا. ويعتقد ان يضيف نصف نقطة مئوية لمؤشر معدل النمو لدينا، على رغم ان التقرير لم يشر إلى ما يتعلق بالنتائج لكل فرد.
ومن المحتمل تماما ان يكون للمهاجرين اكثر من تأثير على اتجاه النمو منه على الناتج المحلي الاجمالي لكل فرد أو على مستويات المعيشة.
واعتقد ان نسبة كبيرة من حركة المهاجرين تعتمد على قوة سوق العمل في المستقبل، ويبدو من المنطقي ان يحدث هذا إلى حد ما، ولكن شريطة ان تستمر في النمو بسرعة إلى حد معقول، وسنستطيع النمو بسرعة إلى حد معقول لأننا سنمتص في العمالة المطلوبة للابقاء على النمو. ومن جانب آخر، اذا تعثر النمو، حينئذ يمكن ان نتوقف عن جذب كثير من المهاجرين. وفي الواقع كانت لدينا سياسة واضحة للنمو الاقتصادي عمليا بقدر الامكان، جاذبين بذلك العمالة الضرورية لتفعل الشيء نفسه، تحت كل من حكومتي جون ميجور وطوني بلير. لا أرى ان تلك السياسة قد تغيرت، وهي مختلفة تماما السياسة الاقتصادية في المانيا، ايطاليا وفرنسا.
وإذا استمرت هذه السياسة في النجاح في بريطانيا، فإنها عمليا ستغير التوازن الاقتصادي لأوروبا. وليس بالضرورة ان تستمر المملكة المتحدة في احراز تقدم فيما يتعلق بالناتج المحلي الاجمالي لكل فرد، ولكنها ستكسب تقدما بلغة حجم اقتصادها الاجمالي. في الاتجاهات الراهنة ستتجاوز المملكة المتحدة المانيا لتصبح أضخم اقتصاد في اوروبا في غضون عشرين عاما.
شئنا أم لم نشأ ان يحدث هذا، ربما يعني ذلك تغييرات كبيرة في طبيعة بريطانيا. فإذا كانت نسبة كبيرة من قوتنا العاملة مولودة بالنجاح فربما تغير السياسة البريطانية، لأننا حتميا سنصبح مثل الولايات المتحدة تماما، ولكن بالتأكيد سيكون ذلك مفيدا.
(خدمة الاندبندنت - خاص بـ «الوسط»
العدد 359 - السبت 30 أغسطس 2003م الموافق 03 رجب 1424هـ