افتتحت يوم الأحد 10 اغسطس/آب 2003 بمدينة أصيلة ندوة «التعاون العربي والتجمعات العربية الإقليمية» المنظمة في إطار الدورة الـ 18 لجامعة المعتمد بن عباد الصيفية.
وقد اعتبر أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة محمد عيسى لدى افتتاحه أشغال هذه الندوة أنها من بين أهم الندوات التي نظمت على مدى خمس وعشرين سنة من عمر المنتدى لاعتبارات لخص أهمها في كون الندوة تتعرض لموضوع أصبح يفرض نفسه بحدة في كل القمم العربية التي أضحت تؤكد ضرورة التداول في قضايا مرتبطة بالخصوص بالتعاون الاقتصادي والتجاري ومحاربة الفقر والبطالة والأمية ومشكلات السكن.
بعد ذلك باسبوعين، عقد يوم الاثنين 25 أغسطس 2003 اجتماع الدورة الخامسة والتسعين الاستثنائية لمجلس الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية. وبحث الاجتماع على مدى يومين وبمشاركة ممثلي 22 دولة عربية موضوعات وصفها المشاركون بأنها في غاية الأهمية مثل التكامل الاقتصادي العربي في ظل الانفتاح على العالم، والخطوات التي تم انجازها لتنفيذ منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى والمشكلات والمعوقات التي تواجه عمليات التنفيذ والحلول الواجب تطبيقها من منظور القطاع الخاص. وناقش الاجتماع دراسات عن التكامل الاقتصادي العربي والانجازات. من جانبه أكد رئيس الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية خالد أبوإسماعيل ان عقد هذه الاجتماعات يأتي في ظل ظروف عصيبة مرت بها المنطقة العربية خصوصا تفضي للحاجة الى السوق العربية المشتركة ودعم وتفعيل وتعظيم العمل الاقتصادي العربي المشترك أما أمين عام منظمة العمل العربية إبراهيم بوقويدر فنجده يدعو في الحديث الذي أدلى به الى صحيفة «الشرق القطرية» الصادرة يوم الأربعاء 27 أغسطس 2003 إلى ضرورة قيام تكتل اقتصادي عربي.
مشروعات العمل
الاقتصادي العربي المشترك
العنصر المشترك في تلك الاجتماعات وأخرى غيرها عقدت خلال شهر أغسطس هو «العمل أو التكامل الاقتصادي العربي المشترك». ان مسألة التكامل الاقتصادي العربي ليست من المسائل حديثة العهد، من اتفاق الوحدة الاقتصادية العربية العام 1957 إلى اتفاق السوق العربية المشتركة العام 1964 إلى استراتيجية العمل الاقتصادي العربي المشترك في أواخر السبعينات ومطلع الثمانينات انتهاء بمشروعات التكتلات الاقتصادية العربية الإقليمية (مجلس التعاون لدول الخليج العربية، اتحاد المغرب العربي، مجلس التعاون العربي، إعلان دمشق). ولكنها جميعا من دون أي استثناء تعاني من تلكؤ تنفيذ قراراتها. ومن الطبيعي أن تثار علامات استفهام أمام أسباب الفشل أو التلكؤ.
مقومات العمل الاقتصادي العربي المشترك
في البدء لابد من تأكيد توافر مقومات نجاح عمل اقتصادي عربي مشترك. فعلى الصعيد الزراعي تشكل مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في الوطن العربي ما نسبته 3,63 في المئة من مساحته، و30 في المئة من هذه المساحات تقع في حوض النيل، و44 في المئة تقع في اتحاد المغربي العربي، و22 في المئة في الهلال الخصيب، والبقية وهي 4 في المئة في شبه الجزيرة العربية. ولا تتعدى المساحة المستغلة من تلك الأراضي الصالحة الـ 30 في المئة منها، هذا إذا استثنينا الأراضي المهيأة للاستصلاح وبحاجة إلى استثمارات لا تستحق الذكر لتتحول من أراضي بور إلى مساحات منتجة كمثل التي في السودان او مصر.
أما على مستوى الموارد البشرية فتعتبر البلدان العربية من البلدان اليافعة إذ يشكل من لا تتجاوز أعماره الـ 14 عاما حوالى 39 في المئة ومن هم بين 15 و65 حوالي 59 في المئة من سكان يبلغ تعدادهم ما يربو على 290 مليون نسمة، وقوة عاملة يقدر عددها بحوالي 82,51 مليونا، وتشكل ما نسبته 28 في المئة من سكان الوطن العربي. وهي نسبة جيدة توفر قوة بشرية منتجة متى ما أحسن الاستثمار فيها. أما بالنسبة الى مستوى الناتج المحلي الاجمالي فيصل إجمالي الناتج المحلي للوطن العربي إلى نحو 1195,074 مليار دولار أميركي بأسعار السوق الجارية، وفي الاتحاد المغاربي 33 في المئة تقريبا من الناتج المحلي الإجمالي للوطن العربي، ويشكل في دول مجلس التعاون الخليجي ما نسبته 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للوطن العربي. ويصل متوسط معدل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الوطن العربي إلى 4095 دولارا أميركيا. تواجه اقتصادات الدول العربية مشكلة البطالة، إذ تقدرمنظمة العمل العربية حجم القوى العاملة العربية الحالية بحوالى 90 مليون عامل، وتتوقع أن يصل عددها بحلول العام 2010 إلى 125 مليون عامل، أي بزيادة قدرها مليونان ونصف المليون. من بين هؤلاء حوالى 52 في المئة دون العشرين سنة. ومن القوى العاملة العربية هناك حوالي 12,5 مليون عاطل عن العمل. أي ما يقارب من 14 في المئة بطالة، وهي نسبة عالية عندما تحتسب مقارنة مع السيولة النقدية المتوافرة عربيا. ولكنها بالمقابل قوة عمل كامنة قادرة على الفعل والإنتاج متى ما احسن الاستثمار فيها. لكن هذه المقومات الإيجابية لا تنفي وجود عقبات فعلية، إذ لا تمثل التجارة العربية البينية سوى 8 في المئة من التجارة العربية الخارجية، وعلى رغم أن الجامعة العربية اتخذت قرارا بإنشاء سوق عربية مشتركة منذ العام 1970 فإن هذه السوق مازالت فكرة تناقش في كل اجتماع للمجلس الاقتصادي والاجتماعي العربي. وقد اتخذت القمة العربية العام 1996 قرارا بإنشاء منطقة تجارة عربية حرة وفق برنامج تنفيذي يمتد لعشر سنوات تكون هذه السوق قد بدأت فعليا وهيئت لها التشريعات والإجراءات والبنى والاتفاقات اللازمة. ولكن لا يبدو حتى الآن أن ثمة خطوات ملموسة تتحقق في هذا الاتجاه.
وعلى مستوى التعاون في الاكتفاء في المشروعات الغذائية تستورد غالبية الدول العربية القمح من الخارج وبعضها - مثل الأردن واليمن ولبنان - تستورد حوالي 90 في المئة من احتياجاتها من القمح، وبنسبة أقل كل من الجزائر ومصر. وقد استوردت الدول العربية العام 1995 من القمح ما قيمته خمسة مليارات دولار.
وتستطيع الدول العربية في إطار اعتماد متبادل بين الموارد البشرية والمالية والاستثمارات أن تحقق تكاملا وتبادلا يوفر للدول العربية احتياجاتها، فيمكن للسودان وسورية والعراق أن تحقق فائضا من القمح إذا توافرت لها استثمارات زراعية، وقد يتيح هذا الفائض للمستثمرين العرب فرص توفير القمح للدول الأخرى بتسهيلات وبيئة مشجعة إضافة إلى أبعاده الاستراتيجية.
وعلى مستوى العلاقات العربية - العربية، وهنا مربط الفرس عند الحديث عن التعاون الإقتصادي العربي تواجه معظم الدول العربية أو واجهت لفترة طويلة خلافات سياسية ونزاعات حدودية فيما بينها. وكانت هذه الخلافات تهدد العمل الإقليمي دائما أو تعطله نهائيا من دون أن تستطيع المؤسسات الإقليمية تجاهلها أو تحييدها ولا حلها. وقد اتخذ مؤتمر القمة العربية العام 1996 قرارا بإعداد آلية للجامعة العربية لتسوية النزاعات العربية وفضها، وإنشاء محكمة عدل عربية، ولكن هذه القرارات مازالت حبيسة أعمال اللجان القانونية على رغم أنها صادرة عن مؤسسة القمة العربية التي يفترض أنها الجهة الأعلى والأكثر أهمية. هذا يعني وبشكل مقتضب ومجرد أن العناصر الأساسية المطلوبة لتكامل اقتصادي عربي - إذا أضيف إليها سهولة الاتصالات لعدم وجود عوازل طبيعية ومعوقات جغرافية - متوافرة. وما يعوزها في حقيقة الأمر هو القرار السياسي المقتنع بجدوى التكامل الاقتصادي. ولكن من جهة أخرى يؤكد بطء مسيرة التعاون الاقتصادي العربي وجود خلل ما في آلية التنفيذ، ولعل ذلك ما يحاول الحافظ الصاوي أن يشير إليه حين يقول في فشل قبول الدول العربية الدعوة الى عقد قمة اقتصادية ثانية تستكمل ما وضعته قمة عمان الأولى التي عقدت في العام 2001، «من الغريب أن ترفض الأمة العربية تفعيل الملف الاقتصادي في هذا الصراع بينما يقبل عليه الآخرون، ومن الغريب ألا يتم التعجيل بالمؤتمر الاقتصادي العربي (قمة عربية اقتصادية) الذي أقرته قمم عربية سابقة». ثم يستطرد الصاوي في تجسيم الحال فيضيف قائلا: «وإذا ما سلمنا بأن الدول العربية عاجزة عن استخدام مقدراتها الاقتصادية في إدارة الصراع فلا أقل من الاتجاه الى الاعتماد على الذات في مشروعات التنمية وتعظيم العلاقات الاقتصادية البينية التي تسير بسرعة السلحفاة على مدار أكثر من 60 عاما هي عمر مشروعات العمل العربي المشترك في المجال الاقتصادي، ولكن للأسف نجد أن المؤتمر الاقتصادي العربي الأول الذي أعلن عنه في قمة عمّان العام 2001 تتضارب الأنباء بشأن انعقاده في الميعاد الذي حدد من قبل الجامعة العربية في يونيو/ حزيران المقبل؛ إذ تشير الدلائل الى تأجيله للمرة الثالثة، وهو ما يعبر عن إحدى صور حال العجز العربي». ما يستوقف المتابع لاجتماعات المؤسسات الرسمية والشعبية العربية تصريحات كالتي جاءت على لسان محمد عيسى وخالد أبوإسماعيل إبراهيم بوقويدر هي أنها باتت ترافق أدبيات كل لقاء عربي رسميا كان أم شعبيا، ما أدى في حالات كثيرة إلى تشكيك المواطن العربي أو فقدانه الثقة في مدى نجاحها أو حتى جدية من يدعو إليها، وخصوصا عندما يشاهد تعثر أي مشروع عمل عربي مشترك وخصوصا على الصعيد الاقتصادي. وبما أن المقومات الاقتصادية متوافرة فمن حقه أن يتطلع نحو العقبات السياسية لعله يجد فيها ما يفسر ولايبرر هذا العجز وليس التكامل الإقتصادي العربي
العدد 359 - السبت 30 أغسطس 2003م الموافق 03 رجب 1424هـ