الانتحار واحد من أربع طرق رئيسية تودي بحياة البشر وهي: الموت الطبيعي، (بسبب مرض أو تقدم العمر)، القتل، الحوادث المفاجئة (كالجروح وحوادث السيارات والزلازل)، الانتحار، ويؤلف (1 في المئة) من الوفيات البشرية. والانتحار يدل على المأساة البشرية... ويرمز إلى أزمة الحياة... وتتفق الإحصاءات على أن قتل النفس آخذ في الارتفاع، في كل بقع الأرض. فهل عجز الإنسان إذن عن حل (الأزمة) وإزالة المأساة؟ هل يعني ذلك أن الحياة أصبحت عبئا ثقيلا على الإنسان؟ يبدو أن الإجابة مع الأسف ستكون بالإيجاب.
معلوم أن الإنسان يرتبط بثلاث حلقات رئيسية، تشده بحياته ووجوده ومستقبله هي:
أولا: العلامات الشخصية في بيته، مع أبويه أو زوجته وأطفاله، ثم خارج البيت مع أصدقائه.
ثانيا: العلاقات المادية الاجتماعية، بما فيها من مدرسة أو محل العمل، والوظيفة والمال والسمعة.
ثالثا: الحياة الروحية أو العقائدية، التي قد ينتهي إليها الفرد، من دين أو مذهب أو فلسفة.
هذه الحلقات الثلاث في تجاذب وتنافر. أو اضطراب وتجانس مستمرين، يؤدي عند الناس إلى حال التوازن، فإذا ما اختل توازنها، أو تناولها الاضطراب والتفكك، وإذا ما تهددتها ظروف مثبطة أو عنيفة، انتابت حياة الفرد موجات من القلق، وعدم الارتياح نغصت عليه حياته، وأربكت سير عمله اليومي، ونظرته إلى نفسه، أو إلى غيره أو إلى الحياة بأجمعها. وهنا يكمن سر الانتحار: اختلال في القوى الثلاث... وارتباك في مقدار التكيف والتوافق لمواجهة الصعاب.
ويدعي ( زلبورغ ) أن الانتحار لدى المدمنين على الكحول والمخدرات، هو انتحار آني غير مخطط، أو غير ممهد له، وأن له جذورا بدائية عرقية. فمثلا قبائل ( مالاليس ) في البرازيل، تمارس نوبات من الإدمان والشرب العنيف. ويتبع أفراد القبيلة ذلك بممارسات جنسية حادة، وينتهي النوبة في بعضهم إلى شنق أنفسهم. وتمتاز الشعوب التي تتناول الخمر أكثر من غيرها، بارتفاع نسبة الانتحار فيها، مثل السويد والدنمارك والنمسا وسويسرا، ومن بعدها الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا. ويبدو أن الإدمان على الكحول، يعجل في الانتحار. فقد وجد (ميفسكي) أن نحو ( 36 في المئة) من المدمنين ينتحرون، ومنهم من انتحر تحت تأثير مباشر وآني للخمر، ومنهم من كان مصابا بالاكتئاب، أو الذهان أو شذوذ الشخصية (السايكوباتي)، ومنهم من كان مصابا بالهلوسة المزمنة. وقد قام (بريسكور وسرجون) بدراسة (28) حالة مدمن حاولوا الانتحار، وكانت أكثر من نصف محاولاتهم صادقة. وظهر أن (60 في المئة) منهم مصابون بمرض عقلي أو ذهني بينما كانت المحاولات الأخرى سطحية أو ( تمثيلية ). وغلبت على معظمهم أعراض اضطرابات الشخصية السايكوباتي.
ولتناول الخمر علاقة بأيام الانتحار فمثلا يزيد الانتحار، كما زاد تناول الخمر... وفي إحصائية قام بها فيونتز في (تشيلي) كانت (41 في المئة) من حوادث القتل و (26 في المئة) من وقائع الانتحار، قد وقعت في أيام السبت والأحد... ولوحظ في إنجلترا، والولايات المتحدة الأميركية، أن أكثر المنتحرين في أيام السبت والأحد، هم من الزنوج الذين يتناولون الخمر بشراهة في تلك الأيام، بينما ترتفع حوادث النساء بعد أيام الاثنين. ولاحظ (باتشيلور) أن نصف المحاولات الانتحارية، حدثت بين السابعة مساء، ومنتصف الليل، أي وقت السكر والإرهاق. ويتبين مما ذكر أعلاه أن حالات الانتحار تزيد بسبب الخمر والمخدرات.
حبيب الهباش
العدد 359 - السبت 30 أغسطس 2003م الموافق 03 رجب 1424هـ