العدد 373 - السبت 13 سبتمبر 2003م الموافق 17 رجب 1424هـ

هجرة العقول العربية بين نحيب العاجز وحقائق الواقع

المنامة - عبيدلي العبيدلي 

13 سبتمبر 2003

انتهت يوم الخميس الموافق 4 سبتمبر/ايلول في القاهرة أعمال المؤتمر الإقليمي العربي بشأن «الهجرة العربية في ظل العولمة» الذي نظمته الجامعة العربية بالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة. وشهدت أعمال المؤتمر، خلال اليومين الأولين، إلقاء عروض شملت محاور: «الهجرة الدولية وتحديات العولمة في الوطن العربي»، و«خصائص أنماط الهجرة العربية في دول الخليج وحجمها»، و«إدارة وتنظيم الموارد البشرية في الوطن العربي». وتحول اليوم الأخير للندوة إلى ورشة عمل خصصت لمناقشة أوراق العمل الوطنية.

وكان الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى قد أشار، بمناسبة افتتاحه للمؤتمر، إلى أن الكثيرين من الباحثين والمهتمين يركزون على الآثار الاقتصادية للعولمة أكثر من تركيزهم على الأبعاد السكانية والاجتماعية والثقافية، التي لا تقل أهمية في تداعياتها ونتائجها عن الآثار الأخرى للعولمة، وخصوصا على صعيد الهوية الحضارية، وتفاعلات الحياة اليومية والحاجات «الروحية» والمادية للبشر.

هذه اللفتة جعلت هجرة، او نزيف العقول العربية، إلى الخارج، وخصوصا إلى الأسواق الغربية حيث الفرص أكثر رحابة والمغريات السياسية والاقتصادية أكثر حضورا، من أهم القضايا التي أثارت اهتمام المشاركين وتسببت في نقاشات ساخنة.

4 مليارات دولار خسائر هجرة العقول الإفريقية

في البدء لابد من تأكيد أن مثل هذا النزيف ليس مقتصرا على الدول العربية وحدها، ففي تقرير عن هجرة الأدمغة، أشارت مجلة «الايكونوميست» البريطانية أخيرا إلى ان هجرة المهارات من الدول الفقيرة إلى الدول الغنية لا تقتصر على بلد بعينه.

ووفقا لتقرير مطول أعدته المجلة واسعة الانتشار، فإن كثيرين من طلاب الدول الفقيرة يلجأون إلى مختلف الحيل للبقاء في الدول الغنية التي يقصدونها بغرض الدراسة والعمل.

بيد أن الأمر لا يقتصر على الدول الفقيرة، إذ يشير التقرير إلى ان طلابا من كندا وبريطانيا - على سبيل المثال - يفضلون البقاء في الولايات المتحدة للعمل، على العودة إلى أوطانهم. فقد بلغت الهجرة من كندا الى الولايات المتحدة 71 ألفا، ووصلت الان إلى 09 ألفا، ما استدعى من الحكومة الكندية البحث عن السبل الكفيلة بوقف نزيف هذه العقول.

ويعرض التقرير لبعض الخطوات التي ينصح بها الخبراء لتفادي هجرة العقول إلى الدول الأكثر غنى، ومنها تحسين انظمة التعليم، وتقدير هذه المهارات بشكل أفضل ماديا، ناهيك عن تحسين الاوضاع الاجمالية في هذه البلدان لإقناعهم بالبقاء.

على صعيد آخر نقلت وكالة أنباء «رويترز» مقتطفات من تقرير إقليمي أعده كريس باكلي من جماعة بحوث التلوث بجنوب افريقيا يقول إن القارة الافريقية فقدت نحو ثلث عمالتها من المهنيين المهرة خلال العقود القليلة الماضية ما اضطرها إلى استبدالهم بوافدين من الغرب بكلفة بلغت أربعة مليارات من الدولارات. واعتبر التقرير أن التدهور البيئي في افريقيا سببه هجرة الكوادر.

وأكد التقرير أن هجرات العقول الافريقية تسببت في تعطيل النمو في القارة ما أدى إلى الفقر وتأخر التنمية الاقتصادية. وقال إن نحو 32 ألفا من الأكاديميين يهاجرون من افريقيا كل عام بحثا عن فرص عمل أفضل. وأضاف أن المنطقة خسرت ما يقدر بنحو 06 ألفا من المديرين على مستويات الإدارة العليا والمتوسطة بين العامين 5891 و0991.

وعرض التقرير الذي ناقشه مؤتمر تمهيدي لقمة العالم عن التنمية، التي يطلق عليها اسم «قمة الأرض» وعقد في جوهانسبيرغ في سبتمبر/ أيلول العام 2002، تقديرات البنك الدولي التي تفيد بأن مئة ألف وافد من الدول الصناعية يعملون في افريقيا بكلفة تبلغ أربعة مليارات دولار سنويا.

وقال التقرير إن هذا يمثل نسبة 53 في المئة من المساعدات الرسمية للتنمية التي تتلقاها القارة. ويقول الخبراء إن تشغيل الوافدين، الذي يكون عادة أكثر كلفة من الأفارقة، يزيد من صعوبة عملية التنمية الاقتصادية والبيئية.

الخسارة العربية فادحة

لكن البلاد العربية تعتبر من أكثر البلدان تضررا من هذه الظاهرة. فقد جاء في الورقة التي وضعها وزير التخطيط بدولة الإمارات الشيخ حميد بن أحمد المعلا أمام مؤتمر «الهجرة العربية في ظل العولمة» أنه وفقا لإحصاءات جامعة الدول العربية وبعض المنظمات المهتمة بظاهرة هجرة العقول العربية، فإن الوطن العربي يسهم بـ 13 في المئة من هجرة الكفاءات من الدول النامية، إذ يهاجر 05 في المئة من الاطباء و32 في المئة من المهندسين و51 في المئة من العلماء من مجموع الكفاءات العربية متوجهين الى اوروبا والولايات المتحدة وكندا خصوصا، فيما لا يعود 45 في المئة من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج الى بلدانهم.

وأوضح المعلا أن دول اوروبا الغربية واميركا تحتضن حاليا أكثر من 054 ألف عربي من حاملي الشهادات والمؤهلات العليا، وتقدر الخسائر الاجتماعية العربية من جراء ذلك بحوالي 002 مليار دولار، في حين يشكل الاطباء العرب في بريطانيا وحدها حوالي 43 في المئة من مجموع الاطباء العاملين فيها، وتستقطب ثلاث دول غربية غنية هي: اميركا وكندا وبريطانيا، نحو 57 في المئة من المهاجرين العرب.

من جانب آخر وجدت الأمانة العامة للاتحاد البرلماني العربي أن هجرة الكفاءات والخبرات واحدة من أكثر المشكلات حضورا على قائمة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها البلدان النامية، منذ أن باشرت هذه البلدان بوضع البرامج للنهوض بأوضاعها المتردية الموروثة عن حقب طويلة من الحكم الاستعماري والهيمنة الأجنبية. وأوردت الورقة التي قدمتها الأمانة إلى مؤتمر الاتحاد العاشر الذي عقد في الخرطوم في الفترة بين 9 و11 / 2 / 2002 أرقاما محددة عن هذه المسألة جاء فيها:

- ان الوطن العربي يساهم بما يقارب من ثلث هجرة الكفاءات من البلدان النامية.

- ان 05 في المئة من الأطباء و32 في المئة من المهندسين و51 في المئة من العلماء من مجموع الكفاءات العربية المتخرجة يهاجرون متوجهين إلى أوروبا والولايات المتحدة، وكندا خصوصا.

- ان 45 في المئة من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلدانهم.

- يشكل الأطباء العرب العاملون في بريطانيا حوالي 43 في المئة من مجموع الأطباء العاملين فيها.

- ان ثلاث دول غربية غنية هي: الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا تصطاد 57 في المئة من المهاجرين العرب.

- بلغت الخسائر التي منيت بها البلدان العربية من جراء هجرة الأدمغة العربية 11 مليار دولار في عقد السبعينات.

أسباب الهجرة

ولا شك في أن الهجرة مشكلة اجتماعية تعاني منها معظم المجتمعات في العالم، وهي بمثابة احتجاج ضد اللامساواة، وأكد ذلك بول هاريسون إذ قال: «الهجرة احتجاج ضد اللامساواة».

وتعتبر أسباب الهجرة ودوافعها ونتائجها مترابطة مع بعضها بعضا، ويذكر أن هجرة الكفاءات فسرت بمدرستين:

1- مدرسة فردية: تعالج أسباب الهجرة من منظور فردي يتعلق بشروط العمل وامتيازاته وحقوقه.

2- مدرسة يمكن اعتبارها ظاهرة دولية، وترتبط بتدهور الحياة المدنية، أي تدني الأحوال السياسية والقانونية وتردي الخدمات والأحوال المعيشية.

وعلى الصعيد العربي، لخصت دراسة أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة زينب عبدالعظيم أسباب الظاهرة في عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية عدة، وجعلت العوامل السياسية من أهمها، ومن بينها:

1- غياب الديمقراطية وتزايد القمع وانتهاكات حقوق الإنسان.

2- ظاهرة الفساد السياسي.

3- عدم تقدير الكفاءات العلمية والسياسية.

أما العوامل الاقتصادية فهي بحسب رأي زينب:

1- قلة العائد المادي لمختلف الكفاءات العلمية والفنية، الأمر الذي لا يساعد على تحقيق الاستقرار النفسي للعلماء.

2- قلة حجم الإنفاق على البحث العلمي في الدول العربية، وخصوصا مصر التي لا يزيد حجم إنفاقها على البحث العلمي على 6 في المئة من حجم الإنفاق.

3- إلحاق العلماء بأعمال لا تتلاءم مع خبراتهم وتخصصاتهم، وتفشي الإجراءات الروتينية في أعمالهم.

4- الاعتماد المكثف على الخبرات الفنية والتقنيات الغربية على حساب الكفاءات الوطنية.

هجرة الأدمغة والصراع العربي الإسرائيلي

وتلقي هجرة الأدمغة العربية بظلالها السوداء القاتمة على موازين القوى في الصراع الحضاري المستقبلي بين العرب و«إسرائيل».

وهذا ما حذر منه تقرير لمنظمة العمل العربية الذي طالب بضرورة وضع آلية للاستفادة من الخبرات في الدول العربية ووقف نزيف هجرة الأدمغة العربية وتطوير البحث العلمى بما يخدم جموع البلدان العربية ولمسايرة التطور الهائل الحادث في العالم.

وذكر التقرير الذي جاء تحت عنوان «البيان العلمي بين العرب واسرائيل وهجرة الكفاءات العربية» أن من المفارقات العجيبة أن يبلغ التفوق الاسرائيلي في الدخل الفردي 6,41 ألف دولار في العام فيما يصل دخل الفرد العربي الى 7 آلاف دولار في العام.

ويصل التفاوت بين المواطن الاسرائيلي والمواطن العربي الذي يعيش في دول خط التماس الى 11 ضعفا. مشيرا الى أن نصيب البحث العلمي في الدول العربية يبلغ 2 في الألف من الناتج المحلي بينما يصل في «اسرائيل» الى 8,1 في المئة.

وبين التقرير أن الفارق في التفوق بين العرب و«اسرائيل» واضح في نوع البشر وابداعهم أفرادا أو مجموعات، إذ يعكس مستوى التنمية البشرية هذا التفاوت، فيما نجد أن ترتيب «اسرائيل» في دليل التنمية البشرية الذي يقيس الدخل والتعليم والصحة معا هو 32 بين بلدان العالم في حين تأتي الدول العربية ذات التماس مع «اسرائيل» كلبنان في المركز 28 والأردن 29 وسورية 111 ومصر 911.

وأوضح التقرير أنه على رغم أن عدد السكان العرب قد يصل الى 054 مليون خلال ربع قرن، فإن معدلات الأمية لاتزال تفوق 04 في المئة، وذلك على رغم مما ينفق على التعليم في البلدان العربية إذ يتراوح نصيب الفرد ما بين 002 و0031 دولار مقابل 0052 دولار في «اسرائيل» ونحو 0056 دولار في البلدان الصناعية سنويا.

وذكر التقرير - وهنا مربط الفرس - أنه في الوقت الذي كانت فيه «اسرائيل» تستقطب مهاجرين وكفاءات، كانت البلدان العربية تفرط فيمن لديها من أصول عربية يعيشون في الولايات المتحدة الاميركية وكندا، والذين وصل عددهم في العام 7691 الى نحو 70251 من الكفاءات العربية. مضيفا أن مصر خسرت نحو 54 ألف كفاءة خلال العقود الماضية برز منهم 006 عالم في تخصصات شديدة الندرة.

واقترح التقرير آلية عربية تختص بالاستفادة من الأبحاث العلمية العربية والمفكرين العرب في الخارج، اضافة الى خطة لوقف نزيف الأدمغة العربية الى الخارج، تشتمل على زيادة مخصصات موازنات البحث والتطوير الحالية خمسة أضعاف على الأقل، يخصص نصفها - على الأقل - للجهود المشتركة، على أن تكون هناك روح جديدة تعيد إلى العلم والبحث مكانتهما.

والصورة العربية اليوم هي المزيد من مؤتمرات النحيب العربي المكلف أيضا للتحسر على عقولنا المبدعة المهاجرة، والمزيد من هدر الأموال العربية في صناعات بالية أو في خطط تنموية متعثرة.

أما العقول العربية فهي مضطرة إلى الهجرة بحثا عن فرص عمل أفضل أو بيئة عيش أرقى أو مناخ سياسي أكثر حرية من دون أن تلتفت إلى الوراء لمشاهدة خيام النحيب الواهمة الحالمة باستعادة أمجاد ليس لها وجود إلا في كتب التاريخ الذي دوناه.

العدد 373 - السبت 13 سبتمبر 2003م الموافق 17 رجب 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً