قال الخبير والمحلل الاقتصادي حسن العالي في برنامج «الوسط الاقتصادي» الذي يبث اليوم (الأحد) على موقع الوسط الإلكتروني: «إن الأسواق بالغت في ردة فعلها تجاه طلب مجموعة دبي العالمية تأجيل بعض ديونها».
وأضاف «إن ما طلبته مجموعة دبي العالمية لا يعتبر شيئا مقارنة بمئات المليارات التي تعاملت معها الدول الصناعية والبنوك المفلسة في الولايات المتحدة وأوربا».
وأكد أن حجم إعادة الجدولة هي قابلة للسيطرة ولا تؤدي إلى الفزع الذي شهده الجميع في وسائل الإعلام.
وكانت مجموعة دبي العالمية طلبت تأجيل تسديد صكوك بقيمة 3.5 مليار دولار تستحق في 14 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، وسندات تبلغ 2.3 مليار دولار تستحق في مارس/ آذار على أن يتم تسديدها في شهر مايو/ أيار، ويبلغ إجمالي ديون دبي العالمية 59 مليار دولار بينما تمتلك أصولا تبلغ 260 مليار دولار وهو ما يعني عمليا أنها قادرة على تسديد الديون. وهذا نص المقابلة:
كيف تقرأ ما يحدث في دبي؟
دبي شهدت خلال الـ 20 سنة الماضية نموا متسارعا وطال هذا النمو كثيرا من الأنشطة الخدمية وخاصة التجارة والسياحة والعقارات.
دبي اتبعت نموذجا للتنمية لتنمية مواردها المالية، وقامت بتمويل هذه التنمية عن طريق الاقتراض أو الدين الخارجي، وحتى تبرر مثل هذا النهج قامت بتأسيس شركات شبه حكومية هي مملوكة للحكومة ولكن تعمل على أسس تجارية، هذه الشركات تبنت مشاريع ضخمة وخاصة دبي العالمية والشركة التابعة لها نخيل، وأقامت الكثير من مشاريع التنمية ولكن تركزت هذه المشاريع أكثر في مجال العقارات.
هذا النموذج من التنمية حقق كثيرا من الجوانب الإيجابية لدبي في فترة الطفرة النفطية، ولكن نتيجة لكون هذه المشاريع تعتمد أساسا على توفر السيولة وعلى وجود نوع من الازدهار الاقتصادي، فعندما شهد العالم في أغسطس/ آب 2008 الأزمة الاقتصادية العالمية وانهارت أسعار النفط ولحقه الركود الاقتصادي في العالم وانعكس ذلك على دول المنطقة كان أكثر المتأثرين هو قطاع العقار وخاصة المشاريع العمرانية العقارية التي كانت تشيده دبي، هذي المشاريع هي ذات طابع ترفيهي، يعني موجهة لذوي الدخل المتوسط والعالي وغير موجهة لذوي الدخل المحدود فبالتالي طبيعة الطلب على هذه المشاريع يستدعي وجود سيولة ويستدعي وجود نوع من المضاربة ونوع من الربحية في هذه المشاريع.
هذا النموذج في الجانب الآخر أدى إلى أن تتراكم ديون على شركات دبي بحدود 80 مليار دولار منها حوالي 60 مليار دولار تعود فقط إلى دبي العالمية والشركات التابعة لها ومنها نخيل، وعندما نرى الناتج المحلي لدبي لا يتجاوز الـ 70 مليار دولار، أي أن الديون تفوق حجم الناتج المحلي حوالي بنسبه 14 في المئة.
المشكلة الأخرى أن هناك ديونا قصيرة الأجل يعني حوالي 29 في المئة من هذه الديون تستحق خلال عام 2009 وخدمة هذه الديون هي كبيرة بالنسبة لدبي التي تعتبر من الدول النامية الأعلى من حيث نسبة خدمة الديون، ومع انهيار المشاريع العمرانية نتيجة لتداعيات الأزمة المالية في الولايات المتحدة انخفضت أسعار العقارات نحو 60 في المئة، وغياب الطلب على هذه المشاريع واختفاء السيولة واختفاء التمويل من قبل البنوك كل هذا أدى إلى تعثر هذه المشاريع وبالتالي جدواها الاقتصادية اختفت وهو ما يؤدي إلى ضعف القدرة على استكمالها والحصول على الأرباح وبالتالي تعثر تسديد الديون.
- لكن مجموعة دبي العالمية تمتلك أصولا بـ 260 مليار دولار؟
صح، تمتلك مشاريع قيمتها 260 مليار دولار، ولكن بيعها حاليا سيؤدي إلى خسائر، وهي لا تريد أن تتكبد مزيدا من الخسائر.
البنوك كانت تتوقع أن دبي ستسعى إلى إعادة جدولة ديونها من بداية العام، ففي بداية العام طرحت دبي برنامجا للاقتراض والسندات 20 مليار فقط إلى خدمة ديونها وإعادة إصلاح الأوضاع الاقتصادية وحصلت على أول 10 مليارات عن طريق إصدار سندات من مصرف الإمارات المركزي، وقبل أسبوع أو عشرة أيام حصلت على 5 مليارات من بنكين في أبوظبي، وكان الدائنون يتوقعون أن الـ 5 مليارات الأخيرة يمكن أن تستخدم في إعادة تسديد الديون المستحقة، ولكن دبي أعلنت أن الـ 5 مليارات ستستخدم في أغراض عامة لإعادة الإصلاح، فالبنوك أولا، تفاجأت بهذا الإعلان.
وما جعل البنوك تقلق، أن حكومة دبي أعلنت أنها لا تضمن الشركات التي تقوم بإعادة ديونها؛ لأن هذه الشركات أقيمت على أسس تجارية وربحية بحتة.
وما زاد البلبلة، عند الإعلام هو عدم انتظام الاتصالات بين حكومة دبي وبين البنوك الدائنة لتوضيح هذه المسائل كلها. من جهة أخرى، إن البنوك تتخوف من غياب شفافية حول حجم البنوك المتعثرة في ميزانية دبي العالمية، فلو استوضحت كل هذه الأمور وكانت هناك تمهيدات مسبقة لما تفاجأت الأسواق وحدث نوع من هذا الرعب في الأسواق.
- يوم الخميس الماضي ظهر وزير الاقتصاد الإماراتي وقال: «دبي العالمية قادرة على تسديد الديون وإنها قوية لازالت قوية»، مستشهدا بالأصول التي لديها.
بلا شك، دبي العالمية لديها موجودات واستثمارات كثيفة، ولكن هذه الاستثمارات ذات طبيعة متوسطة وطويلة الأجل، يعني لا تولد سيولة في المدى المنظور.
المجموعة افتتحت قبل في الولايات المتحدة فندقا في مدينة لاس فيغاس بخمسة مليارات دولارات، يعني أنها تحتاج إلى عدة سنوات لكي تحقق الأرباح. فلدى دبي العالمية مشروعات ولكن موجودة على شكل عقارات، لا يمكن تسييلها بسهولة، وإذا لم تشغل بالكامل لا تحقق عوائد ربحية بشكل سريع على الشركة.
إن المشترين إذا أحسوا أن دبي العالمية تريد بيع أصول لتسديد ديونها، ستعرض أسعارا رخيصة لهذه الموجودات، فبالتالي دبي العالمية تحاول تجنب هذه الخيارات.
وحقيقة إن ما طلبته دبي العالمية ليس كثيرا مرعبا أو شاذا، بخصوص موضوع طلب تأجيل سداد قرض لمدة ستة أشهر.
إن الأسواق بحاجة إلى استيعابها وخصوصا أن المبلغ بين 3 و4 مليارات دولار، وهذا المبلغ لا يعتبر شيئا مقارنة بمئات المليارات التي تعاملت معها الدول الصناعية والبنوك المفلسة في الولايات المتحدة وأوربا.
وبناء على الإمكانيات الكبيرة التي تتوفر عند أبوظبي إذا قررت أن تدخل وتدعم دبي العالمية وتدعم حكومة دبي فأعتقد أن هذه المشكلة قابلة للسيطرة وقابلة للتفادي، إذا وضع برنامج واضح بين الداعمين وبين دبي على إعادة تسديد القرض علاوة على وجود شفافية كاملة في حجم الديون، وانتظام الاتصالات واجتماع الدائنين والاتفاق على إعادة جدولة يخرجون منها، ولا ننسى أن 60 إلى 70 في المئة من ديون دبي هي تعود للبنوك الإماراتية نفسها وتحديدا بنوك أبوظبي وهي في كل الأحوال بنوك مضمونة وشبه مضمونة من الحكومات الإماراتية.
- بالنسبة لردة فعل الأسواق العالمية هل هي طبيعية؟
لا هي ردة فعل مبالغ فيها، حقيقة ولا تتوازن مع ما اتخذته دبي العالمية من تأجيل للديون. وأنا ذكرت بعض الأسباب التي أدت إلى هذه المبالغة، أولا غياب الوضوح والاتصالات بين الدائنين وبين دبي. والاعتقاد بعدم وجود شفافية كاملة في حجم الديون، وتأكيدات حكومة دبي أنها غير مسئولة عن ديون دبي العالمية رغم أنها مملوكة من قبلها، يعني كل هذه العوامل خلقت نوعا من البلبلة ولكن حجم المشكلة الحقيقية نفسها عند دبي العالمية وحجم إعادة الجدولة هي قابلة للسيطرة حقيقة ولا تؤدي إلى مثل هذا الفزع
العدد 2648 - السبت 05 ديسمبر 2009م الموافق 18 ذي الحجة 1430هـ